في الآونة الأخيرة، تداولت وسائل الإعلام تقارير عن لقاء سري جمع إيلون ماسك مع أمير سعيد إيرفاني، سفير إيران لدى الأمم المتحدة. هذا اللقاء الذي جرى في مكان غير معروف حسب بعض التقارير، أثار جدلاً كبيرًا في إيران والعالم.
ورغم نفي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية لهذه التقارير بعد خمسة أيام من نشرها، فإن الغموض والتناقضات في تصريحاته جعلت هذا النفي محل تساؤلات. وحتى الآن، لم يصدر أي نفي رسمي من إيرفاني أو ماسك، ما يعزز من احتمالية صحة هذه التقارير.
التاريخ الطويل للمفاوضات السرية بين إيران وأمريكا
لا يُعتبر اللقاء بين إيلون ماسك وإيرفاني حدثًا غير مسبوق في سياق العلاقات الإيرانية الأمريكية.
فقد شهدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية العديد من المفاوضات السرية التي تم نفيها في البداية، ولكن تبين في ما بعد أنها كانت حقيقية.
صادق قطب زاده، وزير الخارجية الإيراني في أوائل الثمانينات، أجرى مفاوضات سرية مع هاملتون جوردان، رئيس ديوان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، أثناء أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979.
وقد أكد قطب زاده أن هذه المفاوضات كانت تتم بإشراف مباشر من آية الله الخميني، مؤسس النظام الإيراني بعد سقوط حكم الشاه رضا بهلوي.
في وقت لاحق، وفي حادثة مشابهة، كشف صادق طباطبائي، المتحدث باسم الحكومة المؤقتة في ذلك الوقت، في مذكراته عن دور إيران في فتح قناة تفاوضية مع البيت الأبيض عبر وسطاء ألمان، من أجل حل أزمة الرهائن.
إيران كونترا: من أبرز الفصول في هذه السلسلة كان فضيحة إيران كونترا في عهد رونالد ريغان، حيث تم الكشف عن تورط مسؤولين أمريكيين في محاولات للتفاوض مع إيران لبيع الأسلحة مقابل الإفراج عن الرهائن الأمريكيين.
مفاوضات سرية في عهد علي خامنئي
تحت قيادة علي خامنئي، استمرت المفاوضات السرية مع الولايات المتحدة، وفي العديد من اللحظات الهامة.
إدارة جورج بوش الابن: في بداية الألفية الجديدة، التقى ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأمريكي، مع ممثلين عن إيران في محادثات سرية. هذه المحادثات كانت تمهيدًا لفهم متبادل حول قضايا الأمن الإقليمي.
مفاوضات عبر وساطة روكفلر: مع وصول محمد جواد ظريف إلى وزارة الخارجية، تمت مفاوضات سرية عبر وساطة مؤسسة روكفلر مع شخصيات أمريكية بارزة، مما أدى إلى تزايد نفوذ إيران في واشنطن، وكان هذا جزءًا من التحضيرات التي أدت إلى التوصل إلى الاتفاق النووي (JCPOA) عام 2015.
مفاوضات في عمان: في مرحلة لاحقة، استضافت عمان عدة جولات من المفاوضات بين إيران وأمريكا، كان من أبرزها تلك التي جمعت علي أكبر صالحي، وزير الخارجية الإيراني في ذلك الوقت، مع ويليام بيرنز وجيك سوليفان، ممثلي الحكومة الأمريكية. هذه المفاوضات لعبت دورًا أساسيًا في إنجاح الاتفاق النووي.
تطورات جديدة: إيلون ماسك كمفاوض
إن كان اللقاء بين إيلون ماسك وأمير سعيد قد حدث بالفعل، فإنه يمثل تطورًا مثيرًا في سلسلة المفاوضات السرية بين إيران وأمريكا.
إيلون ماسك، المعروف كرجل أعمال ومؤسس تسلا و سبيس إكس، قد يكون له دور غير تقليدي في هذه المحادثات، إذ أن علاقته الواسعة مع الشخصيات السياسية والاقتصادية قد تمكنه من فتح قنوات جديدة للتواصل بين البلدين، خاصة في ظل غياب أطر رسمية بعد التوترات الأخيرة بين إيران وإدارة ترامب.
من اللافت أيضًا أن اللقاء بين ماسك وإيرفاني يتزامن مع تحول السياسة الأمريكية بعد انتخابات 2024، ما يفتح الباب لتكهنات حول دور ماسك في إعادة ترتيب العلاقات بين البلدين.
في هذا السياق، قد يكون اللقاء خطوة نحو تقديم إشارات دبلوماسية من جانب إيران بشأن استعدادها للتفاوض مع الولايات المتحدة في فترة ما بعد ترامب.
استمرار الغموض والتكهنات
اللقاء بين إيلون ماسك و أمير سعيد إيرفاني، إن تم، يضاف إلى سلسلة طويلة من المفاوضات السرية التي جرت بين إيران وأمريكا، والتي تم نفيها في البداية قبل أن يتم الكشف عن صحتها لاحقًا.
ومع تزايد التكهنات حول أهداف هذه المفاوضات وما إذا كانت ستؤدي إلى تغييرات حقيقية في السياسة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة، يبقى الغموض يحيط بهذه الاجتماعات التي تشهد تطورات مستمرة، مما يفتح الباب لتفسير وتفسير جديد للعلاقات الإيرانية الأمريكية في المستقبل القريب.