في خطوة مثيرة للجدل، قامت حركة طالبان بجمع أكثر من 400 كتاب من مكتبات أفغانستان، معتبرةً أن هذه الكتب تتعارض مع القيم الإسلامية والأفغانية. هذه الخطوة تندرج ضمن سياستها المتزايدة في قمع حرية التعبير والحرية الثقافية في البلاد بعد استعادة حكمها في عام 2021.
الرقابة على الكتب والمكتبات
في تقرير لوكالة فرانس برس، أفيد بأن لجنة تابعة لحركة طالبان، التي تم إنشاؤها خصيصًا لمراقبة نشر الكتب وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، قد بدأت مؤخرًا بجمع الكتب التي تعتبرها “غير مرغوب فيها”. وتشرف وزارة الإعلام والثقافة في طالبان على هذه الحملة، حيث تم تحديد 400 كتاب تم جمعها من المكتبات وأسواق الكتب في كابول وغيرها من المدن. من بين هذه الكتب، توجد أعمال أدبية وفكرية بارزة مثل “يسوع ابن الإنسان” للكاتب اللبناني جبران خليل جبران، و”شفق الآلهة الشرقية” للكاتب الألباني إسماعيل قادري.
تلخص هذه الكتب حساسيات طالبان تجاه السرد الإنساني للدين والتركيز على الرموز الوطنية والتاريخية. ففي كتاب “يسوع ابن الإنسان”، يصور جبران المسيح كشخصية إنسانية بدلاً من التركيز على معجزاته الإلهية، وهو ما يتعارض مع رؤية طالبان الدينية. أما رواية “شفق الآلهة الشرقية”، التي تتناول صراع الشعب الألباني للحفاظ على هويته الثقافية والدينية في مواجهة الإمبراطورية العثمانية، فإنها تمثل أيضاً تحديًا للقيم التي تروج لها طالبان، خاصة في ما يتعلق بالصراع بين التقليد والحداثة.
الرقابة على الكتب الدينية
لا تقتصر حملة طالبان على الكتب الأدبية فحسب، بل تشمل أيضًا الكتب الدينية التي لا تتماشى مع مذهب الفقه الحنفي الذي تتبناه الحركة. فالفقه الحنفي، الذي يعتمد على اجتهادات الصحابة والإجماع، يختلف في بعض المسائل عن الفقه الجعفري الذي يتبعه الشيعة، وهو ما يعتبره مسؤولو طالبان تهديدًا للمعتقدات السائدة في البلاد.
كما أعلن مسؤولو طالبان أنهم يدرسون الكتب المستوردة من إيران ويمارسون رقابة صارمة على ما يدخل البلاد. في مدينة هرات، على سبيل المثال، تم حظر دخول الكتب الإيرانية المطبوعة، وهو ما أثار ردود فعل من قبل بعض وسائل الإعلام المحلية التي نفت هذه الأخبار، مؤكدة أن بعض الكتب فقط هي التي يتم منعها بناء على محتواها.
حظر الصور وحملة “الرذائل والفضائل”
في إطار هذه الرقابة، أعلنت حركة طالبان مؤخرًا عن تطبيق قانون “الرذائل والفضائل” الذي يمنع بث صور الكائنات الحية بما في ذلك البشر والحيوانات في وسائل الإعلام الأفغانية. هذا القانون، الذي يعكس تزايد القيود المفروضة على حرية التعبير، بدأ يؤثر بشكل كبير على الإعلام الأفغاني، حيث تم إغلاق عدة قنوات تلفزيونية وتقييد محتوى البرامج التي تحتوي على صور للكائنات الحية أو مواضيع لا تتماشى مع رؤية الحركة.
تأثير الرقابة على سوق الكتب ووسائل الإعلام
هذه الإجراءات قد تسببت في تدهور سوق الكتاب في أفغانستان، حيث يواجه الناشرون والمكتبات خطر الإفلاس بسبب القيود المفروضة على الكتب المستوردة والمنشورة. وفي وقت سابق من هذا العام، داهمت طالبان مكتبات ومراكز نشر في كابول، وجمعت حوالي 50 ألف كتاب من المكتبات. كما تم استدعاء عدد من بائعي الكتب والناشرين من قبل وزارة استخبارات طالبان لمناقشة حظر الكتب.
إضافة إلى ذلك، فإن الضغوط على وسائل الإعلام الأفغانية قد أدت إلى إغلاق العديد من القنوات التلفزيونية. وبحسب تقرير صادر عن مركز الصحفيين الأفغان، تم إغلاق 12 قناة تلفزيونية في عام 2023 بسبب أوامر طالبان أو القيود المفروضة على عمل هذه القنوات. ومنذ عودة طالبان إلى السلطة، تم إغلاق ما مجموعه 57 قناة تلفزيونية، مما أدى إلى تراجع كبير في حرية الإعلام في البلاد.
تستمر حركة طالبان في تعزيز سلطتها عبر فرض رقابة شديدة على الثقافة والإعلام في أفغانستان. من خلال جمع الكتب وتطبيق قوانين مشددة ضد وسائل الإعلام، تسعى طالبان إلى فرض سيطرتها على الفكر والثقافة في البلاد، وهو ما يعكس تحولًا كبيرًا في حياة الأفغان بعد عودة الحركة إلى الحكم.