تتميز شخصية أبو محمد الجولاني هو أحد أبرز الشخصيات الجهادية في سوريا، وهو زعيم هيئة تحرير الشام، التي تعتبر أكبر الجماعات المسلحة في شمال غرب سوريا، بالغموض، وهو مايفتح التساؤلات حول هوية الرجل الغامضة.
المعلومات متضاربة حول هوية الجولاني الحقيقية ومكان ولادته، وهو ما يعيد للأذهان قصص الجاسوسة وزراعة الجاوسيس في المنطمات والدول المعادية والصديقة، هل يشكل الجولاني قصة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين عمل كجاسوس للموساد الإسرائيلي في سوريا بالفترة ما بين (1961–1965) منتحلا اسم “كامل أمين ثابت”، حيث أقام علاقات وثيقة مع نخبة المجتمع السياسي والعسكري، وكان مرشحا لتولي منصب حقيبة وزارية في سوريا.
من هو الجولاني؟
تفتح تضارب الروايات حول مكان وهوية أبو محمد الجولاني ، الباب أمام حول من هو الرجل الذي يقود أكبر جماعة متشددة مسحلة في سوريا، ويدير عملية عسكرية ضد الجيش السوري والدولة السورية بدعوى التحرير.
أبو محمد الجولاني المجهول الهوية والعائلة، تتضارب الروايات حول مكان ولادة الجولاني بين الرياض في السعودية ودير الزور في سوريا. كل رواية تدعمها أدلة معينة، ولكن الغموض يظل سيد الموقف، وهو ما يفتح الباب حول هوية الرجل ومأقوى قائد جماعة مسلحة في الشمال السوري.
تشير التقارير إلى أن أبو محمد الجولاني، وُلد في الرياض بالمملكة العربية السعودية في عام 1982، وفقًا لما ذكره في مقابلة مع شبكة بي بي إس الأمريكية، إلا أن التقارير المختلفة تتضارب حول مكان وزمان ولادته.
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الجولاني ولد في دير الزور بسوريا عام 1981. ويقال إنه درس الطب في دمشق لمدة عامين، قبل أن يترك سنته الدراسية الثالثة للانضمام إلى تنظيم القاعدة المتشدد في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
الرجل الذي يقود تحرير الشام، ليس له أصدقاء، بل غدر بالعديد من رفقاء الجهاد خلال مراحل تغيير “جلده” من تنظيم القاعدة وغلى جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام، وأصبح الزعيم الأوحد.
يعتبر أبو محمد الجولاني واحدًا من أكثر القادة العسكريين في الحرب السورية إثارة للجدل والغموض، ويرتبط اسمه بالكثير من الأحداث الهامة في النزاع السوري.
الغموض الذي يكتنف هوية قائد تحرير الشام يفتح المجال للعديد من الافتراضات، ومنها المقارنة بينه وبين إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الشهير الذي انتحل هوية كامل أمين ثابت في سوريا في الستينيات.
كوهين نجح في اختراق دوائر النخبة السورية العسكرية والسياسية، وكان يُعتبر مرشحًا لتولي مناصب وزارية قبل أن يكشف أمره.
هل يكون أبو محمد الجولاني في ذات السياق من الأشخاص الذين قد يكونون قد تلاعبوا بهويتهم لخدمة أهداف دولية؟ يبقى هذا سؤالًا مفتوحًا، خاصة مع تداخل مصالح القوى الإقليمية والدولية في الحرب السورية، وما يثيره غموضه من شكوك.
وفي مايو 2021 قالت وكالة “تاس” الروسية نقلا عن “مصدر دبلوماسي في موسكو” قوله إن “ممثلا عن جهاز الاستخبارات السرية البريطاني (MI6) أجرى مؤخرا لقاء مع زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني في سوريا”.
رغم الضبابية التي تحيط به، يعتبر قائد تحرير الشام شخصية محورية في الحرب السورية.
وهو يقود جماعته في صراع مع الجيش السوري، مدعيًا أن هدفه هو “تحرير” الأراضي السورية من قبضة النظام، بينما يشكل دوره محط اهتمام وقلق لدى العديد من القوى الإقليمية والدولية.
المسيرة الجهادية: من العراق إلى سوريا.
بدأ أبو محمد الجولاني مسيرته الجهادية في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي ، أحد أبرز قادة التنظيم في العراق. وبعد فترة قضاها في السجون الأمريكية.
هذه التجربة محت قائد تحرير الشام خبرة قتالية واسعة، وأسهمت في تشكيل رؤيته العسكرية والميدانية والسياسية. بعد عودته إلى سوريا في عام 2011 ، وأسّس فرعًا لتنظيم القاعدة في سوريا، وتنظيم ما يسمى “فتح الشام” وفتح باسم “جبهة النصرة” التي سرعان ما أصبحت أحد أبرز الفصائل المسلحة.
في 2013، رفض الجولاني إعلان الدمج بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي دعا إليه أبو بكر البغدادي، وأعلن الولاء لزعيم تنظيم القاعدة آنذاك أيمن الظواهري. ومن ثم بدأ الجولاني في بناء قاعدة قوية في الشمال السوري، لا سيما في محافظة إدلب.
وفي منتصف ديسمبر 2013، قبل طرد تنظيم “داعش” من العديد من معاقل المتمردين السوريين في محافظتي إدلب وحلب في أواخر ديسمبروأوائل يناير 2014، أوضح الجولاني في مقابلة مع الجزيرة أن الوضع بين جبهة النصرة وتنظيم داعش كان “صراعاً بين أفراد داخل نفس البيت”. وهذا يوضح الإطار الذي كان الجولاني في ذلك الوقت لا يزال ينظر من خلاله إلى تنظيم داعش.
انفصال عن القاعدة وإنشاء هيئة تحرير الشام
في 2016، أعلن الجولاني عن قطع علاقته بتنظيم القاعدة، وأعلن تغيير اسم جبهة النصرة إلى “جبهة فتح الشام”، سعيًا لتقديم صورة أكثر محلية وأقل ارتباطًا بالتنظيمات الدولية. في عام 2017، قام بإعادة هيكلة فصيله ليصبح “هيئة تحرير الشام”، وهو ائتلاف من الفصائل الجهادية بقيادته.
وفي العام الماضي، بدأت هيئة تحرير الشام تحقيقاتها في ما يسمى بـ”قضية العميل”، حيث شنت حملة اعتقالات واسعة طالت مئات العناصر وعدداً من القيادات في التنظيم، بعضهم بتهمة العمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وآخرين بتهمة العمل لصالح روسيا والحكومة السورية.
ومن أهم هؤلاء المعتقلين “أبو ماريا القحطاني” (عراقي الجنسية)، النائب السابق للجولاني وأحد أبرز قادة ومؤسسي “جبهة النصرة”، والذي قتل في تفجير انتحاري في أبريل الماضي، قيل أن داعش وراء التفجير.
ورجحت مصادر محلية أن حملة الاعتقالات التي نفذها أبو محمد الجولاني خلال الفترة الأخيرة جاءت “للتخلص من منافسيه المحتملين”.
وفي مقابلة مع شبكة بي بي إس الأمريكية عام 2021، أكد الجولاني أن هيئة تحرير الشام تخلت عن أهداف القاعدة العالمية، وأنها تركز فقط على الإطاحة بنظام بشار الأسد. كما اعتبر أن تصنيف الهيئة كجماعة إرهابية كان “غير عادل” و”سياسيًا”، مشددًا على أن العمليات التي نفذتها الهيئة كانت محصورة في سوريا ولا تشمل أهدافًا خارجية.
الجولاني حاكم إدلب
تحت قيادته، سيطرت هيئة تحرير الشام على معظم محافظة إدلب، وهي آخر معقل رئيسي للمعارضة في سوريا.
وأقام الجولاني نظام حكم محلي في هذه المناطق، حيث أسست الهيئة حكومة إنقاذ تقوم بإدارة الشؤون المحلية مثل التعليم والصحة والأمن الداخلي، بالإضافة إلى محاكم شرعية وقوات شرطة. ورغم سعي الجولاني لتقديم صورة براغماتية لحكمه، لا تزال الهيئة تمارس نفوذًا قويًا على السكان المحليين، حيث أفادت تقارير عن قمع مظاهرات ضد حكم الهيئة وتعذيب المعتقلين في السجون.
الجنسية الحقيقية: سوري أم عراقي؟
تثير مسألة الجنسية الحقيقية للجولاني الكثير من التساؤلات. فبينما تشير بعض الروايات إلى أنه سوري، تدعي روايات أخرى أنه عراقي، وأن لقب “الجولاني” أُطلق عليه نسبة إلى حي الجولان في الفلوجة. هذا التضارب في المعلومات يعكس مدى الغموض الذي يحيط بشخصية الجولاني.
الجولاني في سياق الحرب السورية
أصبح الجولاني شخصية محورية في الحرب الأهلية السورية، حيث تميز بقدرة استثنائية على التنقل بين العمليات العسكرية والتفاوضات السياسية. ورغم محاولاته الفصل بين قيادته وتنظيم القاعدة، إلا أن علاقاته السابقة مع التنظيم جعلته هدفًا للعديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي عرضت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى القبض عليه.
الجولاني يظل أحد الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في سوريا، حيث يراه البعض قائدًا محليًا يسعى لتحقيق الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها، بينما ينظر إليه آخرون كزعيم لجماعة إرهابية تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
رغم مرور السنوات، لا يزال أبو محمد الجولاني يعيش في الظل، محاطًا بالعديد من التساؤلات حول أهدافه الحقيقية وطبيعة علاقاته السياسية. ومع استمرار سيطرته على إدلب، تظل هيئة تحرير الشام تحت قيادته تشكل نقطة محورية في الحرب السورية، ويظل الجولاني واحدًا من أبرز قادة النزاع السوري وأكثرهم إثارة للجدل.