“الحق ما شهدت به الأعداء” مقولة متداولة تحمل جانباً كبيراً من الصواب، ففي اعتراف صادم، كشف الصحفي الإسرائيلي حاييم هار زهاف عن ممارسات إجرامية وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في قطاع غزة، مسلطاً الضوء على معاملة المدنيين الفلسطينيين بشكل يتناقض مع حقوق “الكلاب” في القانون الإسرائيلي.
ومرت ثلاثة أشهر على الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي شمال قطاع غزة، حيث يواصل ارتكاب المجازر المروعة وعمليات التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، مجبرا الآلاف على النزوح بالقصف والتجويع.
وبدأت الإبادة في 5 أكتوبر الماضي، حينما شرع جيش الاحتلال بقصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة في محافظة الشمال ألحقه بعد ساعات بغزو بري في المنطقة.
الكلاب الحرام!
تمثل شهادة حاييم هار زهاف وثيقة مهمة تكشف عن واقع مؤلم في غزة، وتدق ناقوس الخطر حول الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، بل وتؤكد الحاجة الملحة إلى تدخل دولي فعال لحماية المدنيين وضمان احترام القانون الدولي الإنساني.
وتستند هذه الشهادة إلى توثيق مباشر من صحفي إسرائيلي خبير، عمل في الميدان وشهد الأحداث بنفسه، وتدعمها تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية وشهادات أخرى موثقة من الميدان.
وأثارت شهادة زهاف صدمة كبيرة عندما صرح أن “حياة الإنسان في قطاع غزة تساوي أقل من حياة آلاف الكلاب الضالة التي تجوب المنطقة”.
وأوضح أن هناك قواعد صارمة تحكم التعامل مع الكلاب الضالة، حيث يُمنع إطلاق النار عليها إلا في حالات الخطر المباشر، بينما لا توجد مثل هذه القيود عند التعامل مع المدنيين الفلسطينيين.
ووثق الصحفي تغيراً دراماتيكياً في قواعد الاشتباك منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، حيث أصبحت أكثر تساهلاً وأقل التزاماً بالمعايير الأخلاقية والقانونية، وأشار إلى أن القوات العسكرية أصبحت تتمتع بحرية غير مسبوقة في استخدام القوة المميتة، حتى في الحالات التي لا تشكل تهديداً حقيقياً.
ومن أبرز الحوادث التي وثقها هار زهاف، قيام قائد عسكري كبير بإصدار أمر بإطلاق النار على رجل فلسطيني أعزل كان يحمل علماً أبيض، وأكد الصحفي أن الرجل لم يكن يشكل أي تهديد، وكان يحاول الاستسلام باستخدام الرمز العالمي المتعارف عليه للاستسلام.
وكشف هار زهاف عن وجود ما أسماه “خطوطاً وهمية متغيرة” يتم على أساسها استهداف الفلسطينيين، وأوضح أن أي شخص يقترب من هذه الخطوط يتم استهدافه، ثم يتم تصنيفه لاحقاً كإرهابي في الإحصائيات الرسمية، في محاولة لتبرير القتل غير المشروع.
ردود غاضبةوتشير شهادة هار زهاف إلى انتهاكات واضحة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، التي تنص على حماية المدنيين في مناطق النزاع، وتؤكد الشهادة أن هذه الانتهاكات منهجية وليست حوادث معزولة.
ويؤكد الصحفي أن المبادئ التوجيهية الأخلاقية لجيش الاحتلال، والتي كانت تعتبر من ركائز عمله، قد “ألقيت من النافذة” بعد أحداث أكتوبر، هذا التدهور في المعايير الأخلاقية يثير مخاوف جدية حول مستقبل النزاع والتعامل مع المدنيين.
وأثارت شهادة هار زهاف ردود فعل واسعة على المستوى الدولي، مع مطالبات متزايدة بإجراء تحقيقات مستقلة في الانتهاكات الموثقة. كما دفعت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية إلى تكثيف جهودها لمراقبة الوضع وتوثيق الانتهاكات.
وداخل كيان الاحتلال، أثارت الشهادة جدلاً واسعاً، حيث انقسم الرأي العام بين مؤيد لكشف هذه الحقائق ومعارض يرى فيها تشويهاً لصورة الجيش الإسرائيلي.
ويدعو هار زهاف إلى مراجعة شاملة لقواعد الاشتباك وإعادة تأكيد الالتزام بالمعايير الدولية لحماية المدنيين، ويقترح تعزيز آليات الرقابة والمساءلة، وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الموثقة.
وحسب قائد المنطقة الشمالية سابقا، العميد احتياط عميرام ليفين، فإن رئيس الوزراء نتنياهو “يخشى من اليوم التالي”، ففي لحظة عودة المخطوفين وانتهاء الحرب سيكون ذلك يوما حزينا وصعبا عليه، فهو يخاف من فقدان السيطرة على غضب الجمهور”.
نهاية الحرب
وبدوره، انتقد وزير القضاء الإسرائيلي سابقا دان مريدور سياسة الحكومة الإسرائيلية، حيث قال لقناة 13 إن حركة حماس قالت منذ البداية إنها مستعدة لإعادة الأسرى مقابل وقف الحرب، “لكن هذه الحكومة لا تمتلك الشجاعة ورئيسها يخشى من قول الحقيقة”.
ومن جهة أخرى، تطرق مشاركون في نقاش القنوات الإسرائيلية إلى النية اﻻستيطانية لأعضاء في حكومة نتنياهو، وقال مراسل الشؤون الدينية في قناة 12، يائير شيركي، إن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يدعم الاستيطان، وهو أحد أسباب عدم معارضته لاتفاق ينهي الحرب في غزة.
وأوضح أن سموترتيش يعتقد أن “نهاية الحرب يعني إتاحة الكثير من الفرص لفرض السيادة في الضفة الغربية والاستيطان في غزة”.كان السابع من أكتوبر 2023 يوما مشهودا، فهو لا يشبه ما قبله من أيام، وقد شق العالم إلى نصفين.
إن رؤية المقاومين الفلسطينيين وهم يطيحون بجنود الاحتلال الإسرائيلي ويلقون بهم من ظهور دبابات الميركافا قد هز غطرسة الغرب. تلك إهانة لم تحصل في تاريخ الكيان الصهيوني.
وكانت تلك لقطة مؤسِّسة، هناك سيكتب التاريخ في الاتجاهين الصاعد والهابط، تاريخ الضحية وتاريخ القاتل، لن يقبل الغرب بأن تهان آلته العسكرية التي كان يستثمر فيها طوال عقود، كما لن يقنع ورثة الشهداء أن يعودوا إلى أقل من حلم التحرير.
قادة العالم الغربي تحولوا في لحظة إلى حالة من تضامن العصبة، كانوا يحضرون إلى دولة الكيان ليساندوا حلفاءهم الصهاينة، بالأحضان والتربيت وعبارات التعزية الخارجة من أطراف الأنوف، لكن وفي الواقع الفعلي كانت الطائرات والبارجات تأتي في إثرهم محملة بآلات الجحيم الذي سيصب فوق رؤوس الفلسطينيين.
للغرب تاريخ طويل في فلسفة الأنوار وحقوق الإنسان وديباجات العدل والإنسانية، وتلك واجهة تنطلي على ذوي النيات الحسنة أو المنبهرين بالعلمانية والثقافة الغربية.
لقد قرّح الألم ضمائر المخدوعين بالغرب: كيف يرضى ويسكت الغرب المتحضر عن المجازر التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ثم اللبنانيين طوال عام؟