في ظل لعب أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني، الدور الرئيسي في تشكيل السلطة الجديدة في سوريا، يتطلع السوريون والمراقبون للتطورات في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، أصبح السؤال الأكثر إلحاحا في هذا السياق هو ما إذا كان الجولاني، سيتمكن من السيطرة على الجماعات الجهادية، أو بمعنى آخر “ترويضها” لإقناعها بشكل النظام السوري الجديد من أجل الحصول على الشرعية الدولية.
وتدور الأسئلة الأساسية حول شكل نظام الحكم المستقبلي في سوريا، العدالة الانتقالية، حقوق المرأة، حقوق الأقليات، الحريات الشخصية، بالإضافة إلى مستقبل المؤسسات الأمنية والعسكرية، في ظل إدارة قائد تحريرالشام أحمد الشرع الجولاني، للنظام الجديد وسيطرته على الحكومة الانتقالية، وأيضا ممثل رأس النظام الجديد مع المؤسسات الإقليمية والدولية واستقباله الوفود من دول العربية والغربية.
لكن السؤال الأكثر إلحاحا في هذا السياق هو ما إذا كان أبو محمد الجولاني، قائد العمليات المسلحة ضد نظام الأسد، سيتمكن من السيطرة على الجماعات الجهادية، أو بمعنى آخر “ترويضها” لإقناعها بوقف نشاطاتها المسلحة في سوريا بعد سقوط النظام، وشكل النظام السوري الجديد من أجل الحصول على الشرعية الدولية.
الجولاني ومواجهة الجهاديين
أحمد الشرع، المعروف بلقب “أبو محمد الجولاني”، يعتبر أحد أبرز قادة المعارضة السورية في مناطق سيطرة المعارضة. وقد أظهر الجولاني، الذي يقود جماعة “تحرير الشام”، قدرات قيادية بارزة في تجميع الجماعات الجهادية المختلفة تحت لواء واحد.
لكن، وعلى الرغم من تلك الإنجازات، يبقى التحدي الأبرز أمامه في المستقبل هو كيفية توجيه هذه الجماعات نحو عملية سياسية تشمل تنفيذ دستور جديد وإقامة مؤسسات حكومية تلبي احتياجات المواطنين وتراعي حقوق جميع الأطياف الاجتماعية.
وبينما تسعى العديد من هذه الجماعات الجهادية نحو “تطبيق الشريعة” بشكل صارم، يواجه الجولاني تحديات عديدة في كبح جماح تلك الجماعات المتشددة التي لا ترى في النظام السياسي الحديث إلا تحديا لفكرها المتطرف.
الجولاني و”ترويض” الجماعات الجهادية
منذ بداية الثورة السورية، كان الجولاني يتزعم العديد من المعارك العسكرية ضد نظام الأسد، وكان قد أسس “جبهة النصرة” في عام 2012، والتي كانت تتبع تنظيم القاعدة حتى إعلان انفصالها في 2017، لتصبح “هيئة تحرير الشام”. ومع تطور الأحداث، أصبح الجولاني يعتبر شخصية محورية في مواجهة حكومة دمشق، وخصوصا بعد تطور تحالفات مع العديد من الجماعات الجهادية.
الجماعات الجهادية الخمس الأبرز في سوريا، “لواء المقاتلين الأنصار” و”تنسيق الجهاد” و”جبهة أنصار الدين” و”جماعة أنصار الإسلام” و”حرس الدين” وفي يونيو 2020، قامت غرفة عمليات مشتركة مع من أسسوا تحت اسم “الثبات”، وحلتها “هيئة تحرير الشام” في تحرك سريع من خلال اعتقال عدد من قيادات وقيادات التنظيم الجديد.
ووقعت آخر حرب في الجولاني مع الجهاديين في أكتوبر 2021. بدأت هذه الحرب بعد هجوم “تحرير الشام” على مواقع مجموعتي “جند الشام” بقيادة “مسلم الشيشاني (الشيشاني)” و”جند الله” بقيادة “أبو حنيفة آذري” في الريف الغربي بإدلب وريف اللاذقية الشمالي.
وكان السبب المعلن لهذه الحرب هو “إيواء الجهاديين المطلوبين والسطو المسلح باسم الجهاد وتكفير تحرير الشام ودالوت النجاة والارتباط بداعش” من قبل جماعتين أخريين.
وكان الهدف الأساسي لـ”تحرير الشام” من هذه العمليات هو السيطرة على المجموعات الجهادية الأخرى وإجبارها على الانضمام إلى “غرفة عمليات فتح المبين”. وفي الواقع، نجح الجولاني في ضم معظم الجماعات الجهادية في سوريا إلى تحالف “تحرير الشام”.
بالاضافة إلى “جماعات المهاجرين” هي مجموعات مكونة من ميليشيات أجنبية تتبع “تحرير الشام” ومن أهمها: “الحزب الإسلامي التركستاني”، “جماعة التوحيد والجهاد أوزبكستان”، “جيش المهاجرين والأنصار القفقازي”. “و”جيش الشام الإسلام (المغرب)” ومجموعات من ألبانيا والمالديف وعدد من الدول الأخرى وهي قاتلت إلى جانب تحرير الشام.
لكن منذ عام 2017، بدأ الجولاني في اتخاذ مواقف أكثر وسطية، ساعيا إلى تحويل “هيئة تحرير الشام” إلى جماعة أكثر قبولا للجهود السياسية، وذلك لتشكيل حضور فعال في مرحلة ما بعد الأسد.
إلا أن هذا التحول لم يكن سلسا، حيث واجه معارضة شديدة من جماعات متشددة أصرت على التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، واعتبرت أن أي تأجيل في هذا السياق هو خيانة لمبادئ الجهاد.
هل ينجح الجولاني في توحيد السوريين؟
ينظر إلى الجولاني الآن على أنه أمام اختبار صعب. هل يمكنه أن يقنع الجهاديين الذين نشأوا في بيئة شديدة التطرف بقبول الخطاب السياسي الجديد في سوريا؟ وهل سيقبلون المشاركة في العملية السياسية، بما في ذلك الانتخابات، إعداد الدستور، وإقامة علاقات مع المجتمع الدولي؟ سيكون من الصعب على هذه المجموعات، التي تمسك بمبادئ جهادية راديكالية، القبول بمفهوم الدولة الحديثة وحكم القانون.
وقد تمثلت إحدى أبرز التحديات التي واجهها الجولاني في السنوات الماضية في صراعات داخلية مع جماعات مثل “داعش” و”جند الأقصى”، بالإضافة إلى حروب عنيفة مع جماعات أخرى مثل “حراس الدين”، وهي جميعها تعكس الاختلافات العميقة حول كيفية تطبيق الشريعة وتوجهات القتال في المناطق التي تحت سيطرة المعارضة.
دور “عبد الرحمن عطون” في إعادة صياغة الجهادية السورية
لا يمكن تجاهل دور “عبد الرحمن عطون”، الرجل الثاني في “هيئة تحرير الشام”، والذي لعب دورا محوريا في تشكيل التوجهات الفكرية والسياسية لهذه الجماعة. ومن المتوقع أن يلعب عطون دورا بارزا في إعادة تشكيل العقلية الجهادية في سوريا في المرحلة القادمة، حيث سيحاول التوسط بين الجماعات المتشددة لتوجيههم نحو التحول الفكري والسياسي بما يتماشى مع تطورات ما بعد نظام الأسد.
وكان عطون رفيقا ومقربا للجولاني منذ تأسيس “جبهة النصرة”، ويبدو أنه سيكون مسؤولا أيضا عن مهمة التحول الفكري للجهاديين في سوريا الجديدة.
سيكون من الصعب بالتأكيد على مجموعات الجهاديين قبول التطورات الجديدة. سيكون من الصعب على هؤلاء الجهاديين استيعاب الخطاب الجديد الذي تطرحه “دائرة الشؤون السياسية”، بما في ذلك ما يتعلق بحقوق الأقليات، والانتخابات، والعلاقات مع المجتمع الدولي، وصياغة الدستور، والعلاقات مع الدول الغربية.
مستقبل حكم الجولاني
من المرجح أن يواجه الجولاني صعوبة كبيرة في إقناع الجماعات الجهادية بقبول التوجهات السياسية الجديدة التي تهدف إلى بناء دولة حديثة تشمل حقوق الأقليات، التعددية السياسية، وإقامة علاقات مع المجتمع الدولي. وعلى الرغم من تطور بعض هذه الجماعات نحو الاعتراف بالخطاب السياسي للجولاني، فإن العديد من الجهاديين الذين نشأوا على ثقافة التطرف سيكونون مقاومين لهذه التحولات.
وختاما، يبقى الجولاني في اختبار حاسم، ما إذا كان بإمكانه تحقيق التوازن بين فكر الجهاد المتطرف وبين الحاجة لإعادة بناء سوريا بعد سقوط النظام، وكيفية إدخال هذه الجماعات في مرحلة جديدة من التاريخ السياسي السوري.