بعد سقوط نظام بشار الأسد، بات قائد تحرير الشام أحمد الشرع الجولاني، مركز اتخاذ القرارات في سوريا، في ظل المطالب بدولة مدنية وأيضا أزمة “الأكراد” وتنوع المجمع السوري العرقي والديني، واحتلال إسرائيل لأراضي جديدة في الجولان ودرعا،يضع تساؤلات حول قدرة الجولاني وجماعته على حكم سوريا.
في مشهد يعكس التحديات التي يواجهها، يلتقي الشرع مع مستشاريه ووفود دبلوماسية أمريكية وقادة من تركيا والأردن وقطر إلى جانب ممثلين عن الطوائف الدينية السورية، الذين يتسابقون لمعرفة كيف سيقود الشرع، الذي قاد حرب العصابات، دولة يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة.
الشرع: من قائد حرب عصابات إلى حاكم قصر الشعب
لقد ترك الشرع وراءه اسمه الحركي “أبو محمد الجولاني”، وهو الاسم الذي ارتبط به خلال قيادته لتنظيم القاعدة وتحرير الشام، وقرر ارتداء بدلة رسمية بدلا من الزي العسكري، ما يرمز إلى تحوله نحو صورة أكثر اعتدالا، في منصب حاكم قصر الشعب مركز السلطة في دمشق.
في تصريحات له بعد الانتصار السريع للمتمردين، أشار إلى أن “سوريا لديها العديد من المشاكل، ولن تحل بعصا سحرية”، مشددا على ضرورة التحلي بالصبر والواقعية في التعامل مع الأوضاع الحالية.
الحكم بعد الحرب: من إدلب إلى حكم سوريا
بعد سنوات من السيطرة على إدلب رقعة صغيرة من الأراضي في شمال غرب سوريا، أصبحت المجموعة المتمردة التي يقودها الجولاني، “هيئة تحرير الشام”، اليوم القوة الرئيسية التي تدير دمشق وسائر المدن السورية.
ما بدأ كمجموعة متمردة تسيطر على جيب صغير في إدلب تحول إلى حكومة ذات مسؤوليات كبيرة في إدارة دولة دمرتها الحرب.
التحدي الأكبر الذي يواجهه الشرع هو قدرة مجموعته على تأمين النظام والخدمات الأساسية، وسط ضعف الموارد البشرية والمادية.
مجموعته تسيطر على حوالي 25 ألف مقاتل في مختلف أنحاء سوريا، في الوقت الذي تعاني فيه السلطات المدنية من نقص حاد في الكوادر.
ومع ذلك، يعمل الشرع على دمج الفصائل المتمردة في جيش موحد، إعادة اللاجئين السوريين، صياغة دستور، وتوظيف الكوادر الحكومية من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة.
من تحرير الشام إلى السياسة
على الرغم من نجاحه العسكري الباهر، فإن الجولاني وجماعته لم يثبتوا بعد قدرتهم على قيادة دولة. فعلى الرغم من محاولاتهم بناء هياكل حكومية وإعادة فتح المدارس وتحسين الخدمات العامة، فإن الانتقال من حرب العصابات إلى إدارة دولة حقيقية ما زال مليئا بالتحديات.
وتظل مسألة التعامل مع القضايا الاجتماعية، مثل حقوق المرأة، معاملة الأقليات، وقضية حقوق مجتمع الميم، ضمن أولويات النقاشات، ولكن لم يتم اتخاذ قرارات حاسمة بشأنها بعد.
من روسيا إلى تركيا وإيران
تتداخل في سوريا مصالح قوى إقليمية ودولية كبيرة، فروسيا التي لها قواعد عسكرية في البلاد تدعم الحكومة الجديدة بقيادة الإسلاميين،
بالإضافة إلى ذلك، تبقى قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة تسيطر على جزء كبير من الأراضي في الشمال الشرقي. وسط هذه القوى المتنافسة، يسعى الشرع للحفاظ على علاقات متوازنة مع هذه الأطراف المختلفة.
من ناحية أخرى، إسرائيل تواصل تنفيذ عمليات عسكرية في جنوب سوريا بالقرب من مرتفعات الجولان، وهو ما يدفع الحكومة الجديدة برئاسة الشرع إلى تجنب التصعيد مع إسرائيل.
الاحتجاجات الداخلية:
في مشهد يعكس التوترات الداخلية، تجمع مئات الأشخاص في ساحة المسجد الأموي في دمشق احتجاجا على ما اعتبروه تداخلا بين الدين والدولة في الخطاب الجديد لحكومة الشرع.
ورفع المحتجون لافتات تندد بالحكم الديني مطالبين بفصل الدين عن الدولة، وهي مسألة شائكة تواجه الحكومة الجديدة في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية.
التحديات المستقبلية: هل سيتحمل الشرع ضغوط الحكم؟
في الوقت الذي يواصل فيه الشرع وفريقه بناء مؤسسات الحكومة الجديدة، يبقى السؤال الأبرز: هل سيصمدون أمام الضغوط الداخلية والخارجية التي ستأتي مع محاولاتهم إعادة بناء سوريا؟
بينما يحاول الشرع أن يتنقل بين المتطلبات السياسية والدينية، يبقى أن نرى كيف ستتمكن الحكومة الجديدة من التعامل مع التحديات الكبرى، بما في ذلك إعادة بناء البنية التحتية للبلاد وإدارة التنوع الثقافي والديني الكبير.