إحياء خط السكة الحديد بين تركيا والسعودية عبر سوريا
بعد خط أنبوب الغاز القطري، تستعد تركيا لإحياء خط السكة الحديد التاريخي بين الأناضول والحجاز (السعودية) عبر سوريا. وهو المشروع الذي يشكل تهديدًا لقناة السويس المصرية في إطار الطموحات الاقتصادية التركية المتزايدة في المنطقة.
أعلن وزير البنية التحتية والنقل التركي، عبد الباقر أورال أوغلو، عن خطة تركيا لإحياء خط السكة الحديد التاريخي بين الأناضول والحجاز عبر الطريق السوري. وهو مشروع يعد جزءًا من رؤية استراتيجية لتعزيز البنية التحتية والنقل على المستوى الإقليمي والدولي.
أوضح أورال أوغلو أن هذا المشروع لا يقتصر على إعادة بناء خط السكة الحديد القديم، بل يهدف إلى “إعادة ربط التراث التاريخي والثقافي”. وهو ما يعكس أهمية هذا المشروع ليس فقط في البعد البنيوي، ولكن أيضًا في البعد التاريخي والجغرافي الذي يربط بين الدول التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية.
ذكر الوزير أن الأولوية الأولى لهذا المشروع هي ربط خط السكة الحديدية بين إسطنبول ودمشق. وأكد أن الحكومة التركية قد أرسلت بالفعل فريقًا من الخبراء إلى سوريا لإجراء تقييم أولي للخطوط المتاحة ولإعداد الخطوات التنفيذية لإحياء هذا المشروع الحيوي.
تعود أهمية هذا المشروع إلى تاريخ طويل يعود لأكثر من قرن، حيث تم إنشاء خط السكة الحديد بين دمشق والمدينة المنورة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في عام 1900، بمساعدة مهندسين ألمان. وكان الهدف الأساسي من هذا الخط هو تسهيل نقل الحجاج من الشام إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتقليص مدة السفر من 40 يومًا إلى 5 أيام فقط.
لكن هذا الخط استخدم أيضًا في نقل البضائع العسكرية واللوجستية خلال الحرب العالمية الأولى وتمرد الحجاز ضد العثمانيين. ورغم أن أجزاء من هذا الخط كانت تعمل بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وحتى بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن السكة الحديدية خرجت من الخدمة بالكامل في عام 1975.
يرتبط هذا المشروع الاستراتيجي بتعزيز شبكة النقل الإقليمية والدولية، حيث يساهم في تعزيز مكانة تركيا كمحور رئيسي في حركة النقل العالمية. وقد وصف أورال أوغلو إعادة بناء قسم إسطنبول-دمشق باعتبارها خطوة هامة في هذا الاتجاه.
كما يأتي هذا المشروع في سياق مشاريع أخرى كبيرة تنفذها تركيا في مجال النقل، مثل مشروع العبور عبر ميناء الفاو العراقي إلى الحدود التركية، الذي بلغ حجمه 17 مليار دولار. وقد وافقت الحكومة التركية مؤخرًا على حزمة مالية لبناء الجزء التركي من السكة الحديد بميزانية تصل إلى 20 مليار دولار.
تركيا أيضًا تعد جزءًا أساسيًا من مشروع “الحزام والطريق” الصيني، الذي يربط الصين بآسيا الوسطى والقوقاز ومن ثم إلى تركيا وأوروبا. هذا المسار يوفر لتركيا دورًا محوريا في حركة المرور العالمية، مع تقديرات لإيرادات خدماتها اللوجستية البرية والبحرية والجوية التي وصلت إلى 65 مليار دولار في عام 2023 ومن المتوقع أن تزيد إلى 77 مليار دولار بحلول عام 2028.
في الوقت الذي تواصل فيه مصر دورها الحيوي في حركة الملاحة الدولية عبر قناة السويس، يثير مشروع السكة الحديد التركي القلق في مصر بسبب تأثيره المحتمل على حركة التجارة عبر القناة. خط السكة الحديد الذي يربط تركيا بالشرق الأوسط سيعطي الشركات والمسافرين خيارًا بديلاً لنقل البضائع من وإلى آسيا عبر تركيا، وهو ما يمكن أن يقلل من أهمية قناة السويس كأحد أهم ممرات النقل البحري في العالم.
إذا نجح المشروع التركي في تحقيق أهدافه، قد يشهد تحولًا في حركة التجارة الدولية، حيث قد يتحول جزء من النقل التجاري بين آسيا وأوروبا إلى الطرق البرية عبر تركيا، وبالتالي يقل الضغط على قناة السويس.
يعتبر هذا المشروع جزءًا من استراتيجية تركيا الطموحة لتعزيز مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة. بعد نجاح مشاريع أخرى في مجالات الغاز والنقل، مثل خط أنابيب الغاز القطري الذي يعزز التعاون بين تركيا ودول الخليج، يسعى المسؤولون الأتراك إلى تطوير شبكة سكك حديدية تربط بين تركيا ودول الخليج عبر سوريا.
إحياء هذا الخط التاريخي يمكن أن يساهم في تقوية روابط تركيا التجارية والاقتصادية مع الدول العربية والخليجية، ويعزز من دورها كمحور رئيسي في شبكة النقل البرية والبحرية العالمية. تركيا، التي تلعب دورًا محوريًا في مشروع “الحزام والطريق” الصيني، تهدف إلى أن تكون جزءًا من الشبكة الاقتصادية العالمية عبر تطوير البنية التحتية التي تربط الشرق بالغرب.
على الرغم من الطموحات الاقتصادية لهذا المشروع، يواجه خط السكة الحديد التركي تحديات لوجستية وسياسية، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية في سوريا. فإحياء هذا الخط يتطلب التنسيق مع الحكومة السورية، التي تمر بظروف صعبة بعد سنوات من الحرب الأهلية. كما أن الوضع الأمني في بعض المناطق قد يعوق حركة بناء وصيانة السكك الحديدية.
مشروع إحياء خط السكة الحديد بين تركيا والسعودية عبر سوريا يمثل خطوة هامة في تعزيز الطموحات الاقتصادية التركية في المنطقة. ومع ذلك، يبقى تأثير هذا المشروع على قناة السويس المصرية أمرًا مشوبًا بالشكوك، إذ قد يساهم في تغيير مسارات التجارة الدولية، مما يشكل تهديدًا لمكانة مصر الاستراتيجية في مجال النقل البحري.