بوفاة روزفلت وتولّي الرئيس ترومان، تغيرت السياسة الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني الجديد، وفي عام 1948 كان ترومان أول رئيس في العالم يعترف بالكيان، بعد لحظات فقط من إعلان قيامه بقرار من الأمم المتحدة، لتبدأ سلسلة من المساعدات الأمريكية لتثبيت أقدام “إسرائيل” في المنطقة، التي أظهرت جحودا عجيبا ونكران لسخاء دافع الضرائب الأمريكي.
اخر هذا الجحود كان موقف الحكومة الإسرائيلية او الولاية الأمريكية في الشرق الأوسط، البارد والمتجاهل لكارثة حرائق ولاية كاليفورنيا، والتي ارتفعت حصيلة القتلى جراء الحرائق الهائلة بها إلى 24 قتيلا، فيما قالت مديرة وكالة إدارة الطوارئ إن عناصر من الجيش الأميركي تلقوا أوامر بالاستعداد للانتشار للمساعدة في مجابهة الكارثة.
لم تقدم اسرائيل اي مساعدة ولو بشكل ديبلوماسي وعلي شبيل المجاملة، وتُسابق فرق الإطفاء الأمريكية الزمن لإخماد اثنين من حرائق الغابات المشتعلة في لوس أنجلوس لليوم السادس على التوالي، مستغلة التحسن الطفيف في الأحوال الجوية.
بينما حذرت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية من أن رياحا قوية تصل سرعتها إلى 110 كيلومترات في الساعة قد تعود خلال الأيام المقبلة.وأصدرت السلطات أوامر إخلاء إضافية لأكثر من 150 ألف شخص وسط مخاوف من امتداد النيران إلى مناطق جديدة في كاليفورنيا.
من جانبه، قال حاكم الولاية غافن نيوسوم إن هذه الحرائق قد تكون الكارثة الأشد تدميرا في تاريخ الولايات المتحدة حيث دمرت آلاف المنازل وأجبرت 100 ألف شخص على إخلاء منازلهمويتوقع أن تنجم عن هذه الكارثة خسائر بقيمة 150 مليار دولار.
وقال نيوسوم لقناة “إن بي سي” إنه يريد إطلاق “خطة مارشال” لإعادة بناء كاليفورنيا، مضيفا “ما زلنا نكافح هذه الحرائق، لكننا نتحدث بالفعل إلى المسؤولين وقادة الأعمال والمنظمات غير الحكومية”.
وليست المساعدات المالية وحدها التي تقدمها واشنطن الي تل ابيب، اذ تلعب الأسلحة والمساعدات الأمريكية لإسرائيل دوراً كبيراً في القتل والتدمير الذي يشهده قطاع غزة، منذ الرد الإسرائيلي على عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومع دخول الحرب شهرها الثالث ووصول عدد الشهداء إلى أكثر من 18 ألفاً أكثرهم من الأطفال والنساء، قصفت فيها إسرائيل المشافي والمباني السكنية على رؤوس ساكنيها متسببة بـ”كارثة إنسانية” حسب الأمم المتحدة، طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن الكونغرس بحزمة مساعدات تصل إلى 14 مليار دولار، استثنائية، لإسرائيل.
وخضع دعم إدارة بايدن لحرب إسرائيل في غزة لتدقيق مكثف بعد أن تجاوزها الكونغرس لتزويد إسرائيل بقذائف الدبابات، كما أنها لا تُجري تقييمات مستمرة حول ما إذا كانت إسرائيل ترتكب جرائم حرب محتملة.
ويأتي تزويد إدارة بايدن لإسرائيل بالمعدات العسكرية متسقاً مع تاريخ طويل من المساعدات الأمريكية لها، بدأ في عام 1948 وتضمن منحها نحو 158.6 مليار دولار، أغلبها لضمان تفوُّقها العسكري النوعي واستدامة أمنها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
ودعمت الولايات المتحدة وعد بلفور عام 1917 وإنشاء “وطن قومي لليهود”، لكنها لم تتدخل فعلياً في الصراع، وأكّد الرئيس فرانكلين روزفلت للعرب في عام 1945 على أن الولايات المتحدة لن تتدخل من دون استشارة كل من اليهود والعرب في فلسطين.
وبوفاة روزفلت وتولّي الرئيس هاري ترومان، تغيرت السياسة الأمريكية تجاه الدولة الجديدة، وفي عام 1948 كان ترومان أول رئيس في العالم يعترف بالدولة الإسرائيلية، بعد لحظات فقط من إعلانها قيامها، لتبدأ سلسلة من المساعدات الأمريكية لتثبيت أقدام إسرائيل في المنطقة.
تحول الدعم الأمريكي من احتضان واحتواء للدولة الناشئة إلى دعم مادي وعسكري التزمته الولايات المتحدة، وفي مارس/آذار 1949 تأسست العلاقات الدبلوماسية بينهما عندما قدّم السفير الأمريكي جيمس غروفر ماكدونالد أوراق اعتماده لإسرائيل.
في الوقت نفسه رفضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدءاً من ترومان وأيزنهاور حتى كينيدي، التعامل مع مسألة تقرير المصير الفلسطيني، وطبّع الرؤساء الأمريكيون مع رفض إسرائيل إعادة أي لاجئ فلسطيني منذ 1948، وهو ما جعل الرئيس ليندون جونسون ينكر وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من الأساس، وتوسيع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، ومنع الإجراءات التي تعارضها إسرائيل في الأمم المتحدة، وفقاً لكتاب “النقطة العمياء: أمريكا والفلسطينيون من بلفور إلى ترامب”.
حتى الآن قدّمَت الولايات المتحدة لإسرائيل 158 مليار دولار في شكل مساعدات ثنائية وتمويل للدفاع الصاروخي، ويقتصر الآن الدعم الأمريكي على المساعدات العسكرية بعد أن كانت تقدم لإسرائيل مساعدات اقتصادية كبيرة منذ عام 1971 حتى عام 2007 حين أصبحت إسرائيل واحدة من أكثر الدول نموّاً في العالم.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعدما شنّت حماس هجوماً على مواقع إسرائيلية في غلاف غزة، تَعهَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعم مطلق وثابت لإسرائيل، وطلبت الأخيرة في الأيام الأولى من الحرب الحصول على صواريخ اعتراضية لنظام الدفاع الجوي “القبة الحديدية”، وذخائر موجهة بدقة، وطلقات ذخيرة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات الإقليمية الأخرى.
بالفعل بدأت الولايات المتحدة تلبية بعض تلك الطلبات على الفور، وذكر مسؤولون أمريكيون أنهم يؤمنون بأن لديهم صلاحيات كافية من خلال مذكرة التفاهم الحالية مع إسرائيل لتلبية بعض هذه الطلبات على المدى القريب دون حصول على صلاحيات إضافية من الكونغرس.
فيما ينظر المواطن الأمريكي حوله فلا يسمع لإسرائيل قولا ولا همسا في كارثه الحرائق المستمرة، في غضون ذلك، أكدت مديرة الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ ديان كريسويل في تصريحات لشبكة “إيه بي سي” أمس الأحد أن هناك عناصر من الجيش الأميركي في حالة تأهب للمساعدة في مكافحة الحرائق.
وحذرت كريسويل من أن الوضع لا يزال حرجا، ورجحت أن “تصبح الرياح خطيرة مجددا” وحثت الناس على البقاء في حالة يقظة شديدة.
وسئلت المسؤولة الأميركية لماذا لم تطلب ولاية كاليفورنيا مساعدة الجيش بعد، فقالت إن الأمر يخضع لتقدير القادة المخولين “الذين يعرفون الاحتياجات، وأين يحتاجون لتوجيه الأفراد”.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قالت يوم الجمعة الماضي إن هناك 500 من عناصر المارينز بالجيش الأميركي موجودون حاليا في قاعدة كامب بندلتون بولاية كاليفورنيا ومتأهبون للاستجابة لأي طلبات من سلطات الولاية للمساعدة في مهام البحث والإنقاذ وتوزيع المؤن وغيرها.
من جانبه، يلفت عويس إلى تأثير المال الصهيوني على صناع القرار الأمريكيين، من خلال حديثه عن رجل الأعمال اليهودي شيلدون أديلسون، الذي كان داعماً قويّاً لإسرائيل، وكان يرى أن حل الدولتين هو نقطة البداية للقضاء على إسرائيل والشعب اليهودي.
ويلفت عويس إلى أن “شيلدون دفع ملايين الدولارات لدعم الحزب الجمهوري ومساندة ترامب مقابل وعد منه لنقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، وهو ما حدث بالفعل”.
وانحاز ترمب بفاعلية إلى جانب إسرائيل، وأيّد ضمّ مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية إليها، ورغم سابقة ترمب المثيرة للجدل بإعلانه القدس عاصمة إسرائيل، فإن دعم إدارة بايدن غير المسبوق للهجمات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، بحجة “القضاء على حماس”، يكشف عن مدى الدعم الأمريكي الراسخ لسياسة إسرائيل.