“انني رأيت رؤيا في عام الفين واثني عشر. واولت بانني ساخرج من المعتقل واستلم منصبا معينا”، هكذا حكي وزير التربية والتعليم السوري الجديد، نذير محمد القادري، ما جري له في سجن صيدنايا، اسوأ معتقلات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ومنذ إعلان المعارضة السورية إسقاط نظام حكم الأسد في سوريا، بدأت الإدارة السورية الجديدة بملء الفراغ في المناصب الرسمية والأساسية لتسيير أعمال الدولة في المرحلة الجديدة.
وفي وقت سابق قال القادري أن سوريا ستبدأ اعتباراً من الأسبوع المقبل بإزالة جميع الإشارات المتعلقة بحزب البعث من النظام التعليمي، في خطوة تأتي ضمن الإصلاحات التي تعهدت بها الحكومة الجديدة.
ويعد سجن صيدنايا أحد أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا، يطلق عليه “المسلخ البشري” بسبب التعذيب والحرمان والازدحام داخله، ولُقب بـ”السجن الأحمر” نتيجة الأحداث الدامية التي شهدها خلال عام 2008.
تمكنت قوات المعارضة السورية في الثامن من ديسمبر 2024 من اقتحامه، وتحرير كافة المعتقلين منه، وذلك بعد دخولها العاصمة السورية دمشق، ثم أعلنت إسقاطها حكم بشار الأسد وانسحاب قواته من وزارتي الدفاع والداخلية ومطار دمشق الدولي.
وأكد القادري، الذي تولى منصبه مؤخراً إثر تغييرات إدارية، أن هذه التعديلات لن تشمل تغيير المناهج الدراسية أو المساس بحقوق الفتيات في التعليم، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”.
وشدد الوزير في تصريحاته على أن التعليم يمثل “خطاً أحمر” للسوريين، وأكد أنه أهم من الطعام والماء. وأضاف أن التعليم حق غير قابل للتفاوض لجميع الطلاب، بغض النظر عن جنسهم، مشيراً إلى أن عدد الفتيات في المدارس قد يفوق عدد الشباب في بعض المناطق.
وكشف القادري أن النظام التعليمي سيستمر في تدريس الدين، سواء الإسلام أو المسيحية، ضمن المناهج الدراسية. كما أكد أن المدارس الابتدائية ستبقى مختلطة بين الأولاد والبنات، بينما سيستمر الفصل بين الجنسين في التعليم الثانوي، مشيراً إلى أن هذه الأنماط لن تتغير حالياً.
وأوضح الوزير أن قطاع التعليم يواجه تحديات هائلة بسبب الحرب، التي دمرت أكثر من نصف مدارس البلاد. وأشار إلى أن أكثر من 9,000 مدرسة بحاجة إلى إعادة بناء، إضافة إلى تأهيل المعلمين الذين تأثروا بالنزاع المستمر.
وقال القادري: “13 عاماً من الحرب دمرت مدناً بالكامل، وتسببت بتضرر أو تدمير نحو نصف مدارس البلاد، البالغ عددها 18 ألف مدرسة.” هذه الإصلاحات تأتي في ظل الجهود المستمرة لتحسين البنية التحتية التعليمية وإعادة بناء القطاع الذي تأثر بشدة خلال سنوات الحرب.
وتأسس سجن صيدنايا في ثمانينيات القرن الماضي، وأطلقت عليه “منظمة العفو الدولية” قبل سنوات وصف “المسلخ البشري”، والسجن الذي “تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.
ويعتبر “صيدنايا” واحدا من “أكثر الأماكن سرية في العالم”، ولطالما بث اسمه “الرعب في قلوب السوريين”. وهؤلاء ارتبط ذكر هذا المكان عندهم بفقدان الأحبة وغيابهم، بينما حفر في ذاكرة المجتمع الكثير من الأسى، وفق “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”.
وخلص تحقيق عملت عليه الرابطة لعام كامل ونشرته في أكتوبر 2022، إلى إثبات دور مشفى تشرين العسكري والقضاء، بأن الأول يظهر كمكان للتصفية بشهادة الوفاة، والثاني كـ”جهة إصدار حكم الإعدام”.
وكان النظام السوري يصنف المعتقلين في “صيدنايا” إلى فئتين: الأولى هم الأمنيون، وهم معتقلون مدنيون أو عسكريون، على خلفية رأيهم أو نشاطهم السياسي أو انتمائهم إلى منظمات “إرهابية”، أو القيام بأعمال “إرهابية”، أو حسب “التهم الجاهزة من جانب النظام”.
أما الفئة الثانية فهي الموقوفون القضائيون، وهم من العسكريين المحتجزين بسبب ارتكابهم جنحا أو جرائم جنائية (قتل، سرقة، فساد، اختلاس أموال، فرار من الخدمة الإلزامية).
وهذا الاختلاف في التقسيم ينتج عنه اختلاف في طريقة المعاملة، إذ يوضح التحقيق أن “الأمنيين يتعرضون لتعذيب ممنهج، وكافة سياسات الحرمان من الطعام والرعاية الصحية، أما القضائيين فيتعرضون لتعذيب غير ممنهج، وفي الغالب يتمتعون بزيارة دورية ومستوى مقبول من الطعام والرعاية الطبية”.
وبالعموم كان النظام السوري ينظر إلى المعتقلين في السجن على أنهم “عملاء وخونة”، ولهذا كانوا يجردون من أي اعتبارات إنسانية، ويستباحون تماما.
بين 2011 و2015 كانت الأوضاع بالسجن في غاية السوء، وتراجعت أعداد السجناء داخله بسبب عمليات التصفية. ويذكر التحقيق أن النظام السوري أعدم فيه خلال 10 سنوات من 30 إلى 35 ألف معتقل، بشكل مباشر أو تحت التعذيب، أو بسبب قلة الرعاية الطبية والتجويع.
ودائما ما تكون عمليات الإعدام المباشر بشكل دوري (يومين في الأسبوع)، فيما توضح الرابطة الحقوقية أن “المعتقلين لا يتم إبلاغهم بقرار الإعدام، بل ينقلون مساء لينفذ بهم الحكم في اليوم نفسه أو في اليوم التالي”.
وكان يحضر الإعدام رئيس القلم الأمني ومدير السجن، والنائب العام العسكري في المحكمة الميدانية، واللواء قائد المنطقة الجنوبية، وضابط من شعبة المخابرات، ورئيس فرع التحقيق (248) وأحد أطباء السجن، وأحيانا “رجل دين”، فضلا عن رئيس المحكمة الميدانية العسكرية، وهي الجهة التي يصدر عنها الحكم.
وتحدث التحقيق عن غرفتي إعدام، الأولى في “البناء الأبيض” والثانية في “البناء الأحمر”، وأن العملية تتم “شنقا”. وفي كلا الغرفتين “عدة منصات لذلك”.
بعد عمليات الإعدام التي كانت تتم داخل السجن على مدى يومين في الأسبوع، كان النظام السوري يعمل “وفق تراتبية بالتدريج” لنقل الجثث، ومن ثم دفنها في مقابر جماعية، حسب ما يورد التحقيق.
وكانت الجثث تنقل بواسطة إدارة الخدمات الطبية في “مشفى تشرين العسكري”، وتدفن أحيانا في منطقة “نجها” بريف دمشق الجنوبي. وقد تدفن في منطقة “قطنا” عند نقطة تقاطع “الفرقة العاشرة” مع “الحرس الجمهوري”، أو في منطقة “القطيفة” غرب “حقل الرمي” التابع للفرقة الثالثة، المسؤولة عن حماية السجن.
وكان يتم التعامل مع الجثث بطريقتين، إذ يوضح التحقيق أن “الجثث الناتجة عن الإعدام تنقل مباشرة إلى المقابر المذكورة بواسطة سيارات عسكرية يطلق عليها اسم سيارة اللحمة، أو في سيارات بيك أب”.
أما الطريقة الثانية فترتبط بالجثث الناتجة عن سقوط الضحايا تحت التعذيب أو بسبب انعدام الرعاية الطبية وتجمّع في السجن.
وهنا ولمدة لا تتجاوز 48 ساعة تدفن في غرفة أنشئت بعد 2011 تسمى بـ”غرف الملح”.في هذه الغرف كانت توضع الجثث ويكون على جبهة كل واحدة رقم وترش بالملح، ومن ثم تنقل بواسطة سيارة نقل المعتقلين إلى مشفى تشرين العسكري، الذي يقوم بمعاينتها وإصدار شهادة وفاة لها، إلى أن تنقل إلى فرع السجون في “الشرطة العسكرية”.
وبعد عملية إصدار شهادة الوفاة يشير التحقيق إلى أن جثث المعتقلين ترسل للدفن في نجها أو قطنا أو القطيفة، وأن العملية تتم في ساعات الصباح الأولى.
ويشكل المدنيون، الذين تجرأوا على مجرد التفكير بمعارضة النظام السوري، الغالبية الساحقة من الضحايا.وجرى منذ عام 2011 إعدام آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء في عمليات شنق جماعية تُنفذ تحت جنح الظلام، وتُحاط بغلاف من السرية المطلقة.
وقُتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا، جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية.