في مشهد يغلفه الإحباط والغضب، يتصاعد الجدل داخل الكيان الصهيوني والإعلام العربي المتصهين حول ما يُعرف بـ”اليوم التالي” في غزة، حيث تبدو حركة حماس وكأنها تمسك بزمام الأمور بقوة غير مسبوقة.
التغطيات الإعلامية الصهيونية والعربية التي تسير في ركابها مثل قناة “العربية” وقناة “سكاي نيوز” كشفت عن حالة من الصدمة، إذ شاهد الصهاينة في تل ابيب وحتي الصهاينة العرب عبر الشاشات عناصر حماس المدججين بالسلاح، وهم يعيدون رسم مشهد السيطرة في القطاع.
هذه الصور التي هزت الأوساط الصهيونية أجهضت السردية التي طالما تبجح بها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو والقيادة العسكرية حول “المنجزات” و”الانتصارات”.
سلطت صحيفة هآرتس العبرية، الضوء على تغطية قناة العربية خلال العدوان على غزة، وقالت؛ إنها تعمل كمنصة بديلة، بعيدا عن الأصوات المعادية لـ”إسرائيل” في المنطقة، وأبرز ما كان لافتا فيها، استضافتها للناطق باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، الذي يتجاهل المشاهد العربي متابعته.
وقالت الصحيفة؛ إن قناة العربية ومقرها حاليا الرياض، فجرت في 19 يونيو غضب المشاهدين العرب، حين استضافت هاغاري الذي أطلق من المنطقة الشمالية، ليهاجم حزب الله على شاشتها، لدرجة قال البعض؛ إنها قناة “عبرية صهيونية” فضلا عن تساؤل البعض ما إذا كانت قناة إسرائيلية بالفعل.
وبراي مراقبين فانه أمر محزن ومخزي أن تخرج البعض من قنوات الإعلام بتقارير وتحليلات هي انعكاس للرواية الإسرائيلية وقد تمادت قنوات عربيه في مادتها الاعلامية لتصل لحد الإسفاف ، قنوات عده تعمل وبكل وسائلها لشيطنة الفلسطينيين وتبرر لدولة الاحتلال جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
هؤلاء وقنواتهم الإعلامية ومراكزهم الإعلامية ومشغليهم يعملون خدمة لأهداف تكريس المشروع الصهيو أمريكي للهيمنه على مقدرات الوطن العربي و على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية والقضية الفلسطينية ضمن جهود هؤلاء الاعلاميين الماجورين ووسائل اعلامهم الماجوره لتحريف مقصود عن أولوية الصراع مع الاحتلال.
منذ بداية «طوفان الأقصى»، انضمّت وسائل إعلام لبنانية وعربية إلى عدد من نظيراتها العبرية والغربية في توظيف نفسها أداة بيَد آلة البروباغندا الحربية الصهيونية، عمداً أو حقداً تجاه الفلسطينيّين ومختلف حركات المقاومة.
وأنتج انخراط بعض الدول العربية، خاصة الخليجية منها، في التطبيع مع الكيان الصهيوني، ظاهرة غير مسبوقة في الإعلام العربي بات يطلق عليها “الإعلام المتصهين”.
هذا “الإعلام المتصهين” يشكل بالفعل صدمة للرأي العام العربي، الذي لم يكن يتوقع في أي وقت ظهور إعلاميين “متصهينين”، تنفق عليهم الأنظمة مليارات الدولارات؛ للهجوم على المقاومة بفلسطين ولبنان، ووصفها بـ”الحركات الإرهابية”، مع إطلاق أوصاف على قادتها وشهدائها من قاموس “صهيو-غربي”، وبذلك أصبحوا ضمن منظومة الإعلام الصهيوني، وناطقا بمفرداته.
من جهته، يقول الدكتور أحمد موفق زيدان :” الإعلام العربي المتصهين اليوم في ورطة ومأزق حقيقي، وهزيمة الصهاينة في المعركة ستكون هزيمته، بل وربما خروجا من اللعبة الإعلامية العربية، لا سيما ونحن نرى التفاف الأمة حول غزة ومقاومتها، بل والتفاف الإنسانية حول أهلنا في فلسطين، بدعمهم ومساندتهم عبر المظاهرات في عواصم القرار الغربي، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ المظاهرات العالمية”.
مضيفا:”بل وصل الأمر إلى أن يُضحي رؤساء جامعات عريقة في أمريكا بمناصبهم من أجل غزة والتصدي للعدوان الصهيوني، في حين نرى ليكود الإعلام العربي يضحي بنفسه ومؤسساته لصالح العدوان الصهيوني، مصرّا بذلك على دعمه ومساندته للحملة الصهيونية في إبادة الفلسطينيين والقضاء على حماس”.
وتابع :”إن كلمة السر في موقف الإعلام العربي المتصهين على ما يبدو إنما تكمن كلها في خشيته من هذا الانتصار بأن يكون له ما بعده على صعيد الربيع العربي وثوراته، مما ستدفع ثمنه أنظمة الاستبداد القمعية التي تراهن على فشل حماس، إذ إن نجاحها سيمنح دفعة معنوية قوية للثورات العربية والمعارضين للأنظمة العربية”.
أوريت بيرلوف، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي والمستشارة السابقة في وزارة الخارجية الإسرائيلية، تشير إلى أن “الأمر ليس بدافع الحب لإسرائيل أو الرغبة في إظهار أن إسرائيل تحقق انتصارات، بل بدافع كراهية مطلقة للإسلام السياسي، تعمل قناة العربية كوزن مضاد لقناة الجزيرة فيما يتعلق بتشكيل الوعي العام، الحكومة تخشى من الاتجاهات التي تعزز الإسلام السياسي في البلاد، ولذلك يمنع تصوير حماس على أنها تنتصر على إسرائيل في الوعي الجمعي العربي، لا يسمح للمواطنين السعوديين بأن يعتقدوا أن جماعة الإخوان المسلمين قد انتصرت”.
وأضافت بيرلوف: “يجب دائما تذكر أنهم يوازنون الرواية التي تروج لها قناة الجزيرة، عرضت الجزيرة أبو عبيدة ، فاستضافت العربية الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، الهدف هو منع تكوين تصور في الرأي العام العربي يشكله صوت حماس وحده، من جهتها، تتعاون إسرائيل وتقوم بنقل الرسائل إلى القناة.”
ولفتت إلى فترة ظهور قناة العربية، كانت تشهد سيطرة شبه تامة لقناة الجزيرة على تدفق المعلومات وتشكيل الرأي العام في العالم العربية، وكان هناك رغبة في منافستها وتوفير روايات أخرى من قبل السعوديين، وخلال سنواتها الأولى كافحت لتصبح مصدر أخبار ذا تأثير كبير، بفعل الرقابة من قبل الحكومة السعودية.
وتابعت بيرلوف: لكن “كانت قناة العربية تفتقر إلى الجرأة التي كانت تميز قناة الجزيرة، والتي أثرت بشكل خاص على الشباب، ومع مرور السنوات، اتخذت قيادة القناة خطوات لتحسين مكانتها في العالم العربي، من خلال تقليل نفوذ قناة الجزيرة، وأصبحت أكثر انتقادا لجماعة الإخوان المسلمين، طالبان، داعش وإيران”.
وقالت الصحيفة؛ إن الصحفي السعودي عبد الرحمن الراشد، كان العقل المدبر لصورة القناة ومحتواها، وكان التحدي لديه، رعاية “نوع جديد من الحوار في العالم العربي، وخلق مساحات للأفكار المعتدلة والليبرالية”، وفق وصفه.
ورأت أن القناة خرجت ببرامج تشبه تلك الاستقصائية التي تبث في “إسرائيل” مثل مهمة خاصة، الذي يقابله إسرائيليا برنامج “الحقيقة”، وكان يسلط الضوء على “الإرهاب في المغرب وليبيا ودعم تركيا لتلك الجماعات”، فضلا عن برنامج صناعة الموت، وتناول تنظيم الدولة بسوريا والعراق.
من جهته أكد الكاتب السياسي والصحافي بيار أبي صعب أن “ما جرى في غزة يتجاوز حدود التصديق”، مشيرًا إلى أن الغرب قد استنفد كافة إمكانياته في محاولة لإبادة أهل غزة وتدمير القطاع، بهدف تمكين إسرائيل من فرض الاستيطان.
ورغم الحصار الذي دام عامًا ونصف، والجوع الذي أضعف أجساد أهل غزة، والدمار الذي لحق بمنازلهم، وفقدانهم لنصف عائلاتهم، إلا أن الغزاويين خرجوا إلى الشوارع، يهتفون بعزم وشجاعة: “عالقدس راجعين.. شهداء بالملايين”.
وأضاف “هذا المشهد الاستثنائي يعكس هزيمة الغرب وإسرائيل، ليس فقط عسكريًا بل أخلاقيًا وإنسانيًا. فهؤلاء الذين يتلاحمون مع مجاهدي كتائب القسام، رغم كل محاولات الإعلام الإبراهيمي والغربي لشيطنة المقاومة، لم يتخلوا عنها، بل التفوا حولها وزادوا صمودًا وعزيمة. لقد سعى هذا الإعلام جاهدًا لتوجيه أصابع الاتهام إلى المقاومة بأنها السبب في معاناتهم ودمار بيوتهم، ومع ذلك، ظلوا يهتفون لقادتهم مثل محمد الضيف ويحيى السنوار”.
ولفت أبي صعب إلى أن”ما زاد من دهشة العالم هو الظهور المنظم لمجاهدي القسام خلال لحظات تبادل الأسرى، بثيابهم النظيفة المكوية، وآلياتهم اللامعة، وأسلحتهم . تساءل العالم، وحتى الإسرائيلي نفسه: من أين يأتون؟ كيف يتمكنون من الصمود والتجهيز بهذا الشكل رغم الحصار الخانق؟”.
وقال أبي صعب إن:”هذا المشهد يؤكد أن رهان إسرائيل والغرب على تدمير حماس، بل والقضاء على غزة بأكملها، قد فشل. ففي كل يوم يثبت الغزاويون وكتائب القسام أن إرادة المقاومة لا تُكسر، وأن الدم يمكن أن ينتصر على السيف مهما بلغت قوة العدو”.
من جانبه، أقر المحلل الصهيوني ميخائيل ميلشتاين بأن “اليوم التالي” بات حقيقة قائمة، مشيراً إلى أن حماس لم تكتفِ بالسيطرة العسكرية، بل باتت تفرض هيمنتها على المجال المدني أيضاً داخل القطاع.
وأضاف قائلاً: “هذا الواقع صعب على الأذن الإسرائيلية، خاصة وأنه يتناقض مع الهدف المركزي لهذه الحرب”. ويبدو أن “الإسرائيليين” يجدون أنفسهم أمام مشهد تتبدد فيه قدرتهم على فرض الشروط أو تحقيق أي اختراق استراتيجي.