شكّل إعلان رجل الأعمال الإماراتي، خلف الحبتور، عن إلغاء جميع مشاريعه الاستثمارية في لبنان صدمة كبيرة، وفي السنوات الخمس الماضية، تعرّف اللبنانيون على شخصيّة اتخذت الصفة الدبلوماسية غطاءً لعمل أمني بامتياز، وهو منصب سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في بيروت، وهو حمد الشامسي.
الحبتور الذي تربطه صلات وثيقة بالشامسي وصناع القرار في الامارات أعلن، عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الثلاثاء، قراره بيع جميع ممتلكاته في لبنان، مبرراً ذلك بـ”غياب الأمن والاستقرار وانعدام أي أفق لتحسن قريب”، موضحاً أن القرار جاء بعد “دراسة دقيقة ومتابعة عميقة للأوضاع”.
هذا الإعلان أثار موجة إحباط واسعة بين اللبنانيين، خصوصاً أولئك الذين كانوا يأملون في استعادة لبنان لدوره العربي والخليجي، لاسيما بعد إشارات إيجابية أبرزها زيارة وزير الخارجية السعودي إلى بيروت، التي أعادت الأمل بإمكانية عودة الدعم الخليجي للبنان اقتصادياً، بعد قطيعة فرضها النفوذ المتزايد لحزب الله على المشهد السياسي في البلاد.
زاد من حدة الصدمة أن قرار الحبتور جاء بعد أيام من إعلانه الحبتور، عن نيته الاستثمار في مشروع كبير وطموح فور تشكيل الحكومة الجديدة. غير أنه شدد، في الوقت ذاته، على أن أي استثمار، سواء من قبله أو من قبل مستثمرين آخرين، “سيتوقف بشكل أساسي على التشكيل الصحيح لهذه الحكومة”.
واليوم الخميس استهجن الحبتور المعروف لكل الاجهزة المصرية، منعه من دخول قلعة محمد علي السياحية في القاهرة بسبب ما أسماها “تعقيدات وأسئلة” حالت دون ذلك.
وقال الحبتور في مقطع فيديو على حسابه بـ”تويتر”: “في القاهرة حاولنا اليوم الدخول إلى قلعة محمد علي باشا، ولكن للأسف لم نستطع ذلك بسبب كمّ الأسئلة والتعقيدات التي وضعت أمام دخولنا. أرجو أن يتم تعديل نظام الدخول الموجود حالياً لتكون تجربة الزائر مريحة تترك انطباعا جيدا لديه”.وأضاف الملياردير الإماراتي: “.. معقول أنهم لا يسمحون لنا أن ندخل؟”.
وقال في منشور في 23 يناير، “لا يمكن أن يكون في الحكومة المقبلة مكان لأي تبعية أو محاصصة أو وجود لمن تسببوا في خراب لبنان، انهيار اقتصاده، وإشعال الحروب. هذه المرحلة تتطلب قادة مخلصين، فريق وزاري من الكفاءات والخبرات، يعمل بإخلاص لوضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار”.
وكان رجل الأعمال الإماراتي استثمر على مدى أكثر من عقدين من الزمن في مشاريع حيوية متنوعة شملت، فندقين، مركز تسوق، مرافق ترفيهية، وعقارات متعددة، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة في القطاع المصرفي اللبناني، قبل أن تثير خطوة خروجه من لبنان مخاوف من أن تكون مؤشراً على توجه خليجي أوسع نحو الابتعاد عن الاستثمار في لبنان، مما يطرح تساؤلاً حول قدرة الحكومة الجديدة على تقديم ضمانات كافية للتغلب على هذه التحديات.
يعبّر قرار رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور، كما يرى الباحث في الشأن السياسي نضال السبع، عن “اعتراضه الواضح على الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة المتعلقة بتشكيل الحكومة، والاستعراض الاستفزازي بالدراجات النارية لأنصار الثنائي الشيعي في بيروت”.
ويشير السبع إلى أن علاقة الحبتور بلبنان تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، “حيث أسس مكتباً وأقام في البلاد، وأطلق مشاريع ضخمة خاصة خلال عهد الرئيسين إميل لحود ورفيق الحريري. ورغم خسارته ملايين الدولارات نتيجة الانهيار المالي عام 2019 واحتجاز المصارف لأموال المودعين، فإنه لم يتخذ خطوة مشابهة في ذلك الوقت”.
ويشدد على أن رجل الأعمال الخليجي، “كغيره من المستثمرين الخليجيين، كان متفائلاً بانتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة. لكنه أصيب بخيبة أمل بسبب ما اعتبره إعادة إنتاج النهج القديم، لا سيما بعد تقارير عن منح الثنائي الشيعي حصة واسعة في الحكومة، بما في ذلك وزارة المالية”.
ويضيف أن الحبتور “يعتبر الحكومة التي يعمل نواف سلام على تشكيلها بعيدة عن معايير حكومة الاختصاصيين التي تبعد الأحزاب التقليدية عن السلطة، ويرى أن عدم تدخل الجيش لوقف استفزازات أنصار الثنائي الشيعي الأخيرة في الشارع، أرسل رسائل سلبية حول استقرار الدولة”.
وقبل إعلان قراره، نشر الحبتور في 27 يناير منشوراً عبّر فيه عن استيائه من الأوضاع في لبنان، مشيراً إلى أحداث الجنوب التي شهدت عودة عشوائية للعائلات إلى منازلها، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى بنيران إسرائيلية، منتقداً غياب الدولة أمام هيمنة “ميليشيات الثنائي” التي قادت تلك العودة.
كما انتقد الحبتور ما حدث في بيروت يوم الأحد الماضي من استعراضات قام بها أنصار “الثنائي” باستخدام الدراجات النارية والسيارات، ورفع شعارات التحدي والشتائم، واصفاً هذه الممارسات بـ”الاستفزازية”، معتبراً أنها تعيد إلى الأذهان محاولات فرض الأمر الواقع باستخدام القوة في الشارع.
يرى المحلل السياسي السعودي الدكتور خالد باطرفي أن موقف خلف الحبتور “يبدو مستنداً إلى معلومات أو تحليلات دقيقة”.
ويرى أن هذا “الموقف يعكس حالة الإحباط الخليجي والعربي من الوضع في لبنان، الذي لا يزال عالقاً في نهج تقليدي يعيد إنتاج الأزمات”، مستشهداً بالمثل القائل: “عادت حليمة إلى عادتها القديمة”.
وفيما يتعلق بإمكانية تأثير إسناد حقيبة المالية إلى الثنائي الشيعي على المساهمة الخليجية في إعادة إعمار لبنان، يوضح باطرفي أن “وزير المالية يمتلك صلاحيات تمكّنه من عرقلة القرارات الحكومية والسيطرة على الملفات المالية، بما في ذلك مصرف لبنان والتحقيقات الجارية”، ويؤكد أنه “في ظل غياب الثقة بالحرس القديم، لا يمكن الحديث عن دعم مالي أو استثمارات، باستثناء الدعم الوجداني”.
من جانبه، يقول السبع إن “وزارة المالية تعد واحدة من أهم الوزارات في لبنان، وطريقة التعاطي مع هذا الملف ستشكل مؤشراً حاسماً على مدى قدرة لبنان على جذب الدعم الدولي والمضي قدماً في مسار الإصلاح”، ويضيف “دول الخليج تطمح إلى أن يتولى حقيبة المالية شخص يتمتع بالمصداقية وبعلاقة إيجابية معها، بما يسهم في تسهيل التعاون وتعزيز الثقة”.
“صوت خلف الحبتور له وزن كبير، وتغريدته قد تدفع رجال الأعمال الخليجيين للتفكير ملياً قبل اتخاذ قرارات استثمارية في لبنان”، كما يقول السبع”، ويشير إلى أنه “استثمر في لبنان في ظروف سياسية وأمنية حساسة خلال سبعينات وتسعينات القرن الماضي، فهو رمز للاستثمار في لبنان، وتصريحاته الأخيرة تثير تساؤلات حول استقرار الأوضاع”.
ويضيف أن “الحكومة الفرنسية تخطط لعقد مؤتمر في مايو المقبل في باريس لجمع دعم دولي لإعادة إعمار لبنان، حيث ستكون آلية الدعم الأساسية عبر صندوق دولي تحت إشراف صندوق النقد الدولي”.
وأمس الأربعاء، أعلن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، نواف سلام، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، عدم تراجعه عن المعايير التي اعتمدها لتشكيل الحكومة، وأبرزها فصل النيابة عن الوزارة والاعتماد على الكفاءات وتوزير أشخاص غير مرشحين للانتخابات.
وأكد سلام أنه “لا توجد وزارة حكر على طائفة، كما لا توجد وزارة ممنوعة على طائفة أخرى”، مضيفاً أن “الشائعات المتعلقة بتشكيل الحكومة تزداد يوماً بعد يوم، ويجب التحلي بالصبر لتجنب إثارة البلبلة”.
تعرضت استثمارات الحبتور في لبنان “لخسائر فادحة تجاوزت 1.4 مليار دولار بسبب انتهاكات واضحة لاتفاقيات الاستثمار الدولية التي تعد بتأمين بيئة استثمارية آمنة ومستقرة”، كما كشف في منشور بتاريخ 27 يناير، وذكر أن من بين هذه الانتهاكات فرض قيود مصرفية حالت دون تمكّن مجموعته من تحويل أكثر من 44 مليون دولار أميركي بحرية من المصارف اللبنانية.
وتتركز استثماراته بشكل رئيسي في القطاع الفندقي، كما يقول الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، “حيث يمتلك فندقين في منطقة سن الفيل، ورغم قرار بيع أصول استثماراته تبقى هذه الأصول جاذبة للشركات العالمية، نظراً للدور المحوري الذي يلعبه القطاع السياحي في الاقتصاد اللبناني، فهو أكبر القطاعات من حيث الحجم والعوائد وتشغيل اليد العاملة.
وهو يتميز بقدرته على النهوض السريع بعد الأزمات، كما حدث في أعقاب اتفاق الدوحة عام 2008، حيث شهد القطاع انتعاشاً سريعاً بعد فترات طويلة من الجمود”.
وفيما يتعلق باحتمال تراجع الاستثمارات الخليجية بعد قرار الحبتور، يوضح أبو شقرا في حديث لموقع “الحرة” أن “الاستثمارات العربية في لبنان لم تكن كبيرة في القطاعات الإنتاجية، بما فيها السياحة، باستثناء بعض التوظيفات في القطاع المصرفي خلال فترة ما قبل انهيار عام 2019، والتي استفادت من السرية المصرفية والفوائد المرتفعة.
كما أن السياحة الخليجية بدأت بالتراجع منذ عام 2011، وصولاً إلى شبه انعدامها بسبب قضايا مثل تهريب لبنان للكبتاغون إلى الدول الخليجية، الذي أدى إلى إغلاق العديد من الأسواق الخليجية أمام المنتجات اللبنانية، ما تسبب بخسائر اقتصادية كبيرة”.
ويشير أبو شقرا إلى أن “أكبر العقبات التي تواجه القطاع السياحي في لبنان اليوم ليست فقط الأزمات السياسية والأمنية، بل الكلفة الإنتاجية المرتفعة التي تصل إلى 35% من التكاليف العامة، وهي نسبة تعيق جذب الاستثمارات بشكل كبير، وذلك بسبب غياب البنية التحتية، فضلاً عن الضرائب والرسوم العالية، لا سيما تلك المفروضة على الاستيراد”.
لذلك، يرى الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، “ضرورة فتح القطاعات الأساسية في البلاد أمام المنافسة، مثل الكهرباء والاتصالات والمياه”، مشيراً إلى أن “احتكار هذه القطاعات يؤدي إلى ارتفاع الكلفة وضعف جودة الخدمات”.
ويشدد على أن “تحقيق الإصلاحات في القطاعات الحيوية، من شأنه أن يعيد الثقة بالاقتصاد اللبناني، ويشجع الشركات العالمية والعربية على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، بما فيها السياحة”.
وكان رجل الأعمال الإماراتي، أكد أن لبنان يمر اليوم باختبار حاسم، مشيراً إلى أن البلاد تقف أمام مفترق طرق حقيقي. وقال في تغريدة “إما أن يعود لبنان إلى مساره الطبيعي كدولة ذات سيادة وهيبة، أو أن يغرق مجدداً في مستنقع الفوضى”، وأضاف أن الكرة الآن في ملعب العهد الجديد، “وعليه أن يثبت للجميع أن الأمل الذي وُلد مع انتخابه لم يكن سراباً”.
في السياق نفسه، يشدد السبع على أهمية أن تتعامل الدولة اللبنانية “بجدية مع التطورات الأخيرة، سواء عبر وقف الاستفزازات الأمنية في الشارع أو من خلال تشكيل حكومة ترسل رسالة استقرار حقيقية”، ويوضح أن “الدعم الشعبي المحلي والدولي الذي يحظى به رئيسي الجمهورية والحكومة يشكل فرصة كبيرة لإعادة بناء الثقة بلبنان واستعادة موقعه على الساحة الإقليمية والدولية”.
وكما يرتبط المال بالسياسة ارتبط الحبتور ب«الشامسي» الذي انتقل من بيروت الى العمل سفيراً لبلاده في مصر ومندوباً في جامعة الدول العربية، ظل على تواصل مع فعاليات الساحة اللبنانية.
وهو سبق أن أعلن عن نيله الدكتوراه في التاريخ من جامعة بيروت العربية. وقد اشتهر الرجل بنشاطه على صعيد العلاقات العامة، وكان الجميع يتجنب الحديث عن «مغامراته النسائية» التي واصلها في مصر وتسبّبت له بمشكلات كبيرة.
وهو عمل في بيروت على بناء شبكة واسعة من العلاقات مع رجال سياسة وإعلام وفنون ومشاهير وحتى رجال أمن في أجهزة أمنية رسمية. وكان يُعرف بأنه مصدر دعم مالي لمئات الأحزاب والجمعيات والمؤسسات والشخصيات، ووسائل إعلامية وفنية.
وقد عمل برفقة شخصية أمنية إماراتية (كانت تحمل صفة دبلوماسية) على بناء شبكة من «المتعاونين» اللبنانيين تولّوا بناء داتا أمنية تركزت على حزب الله والمقاومة وأنصارها ومؤيديها في الساحتين اللبنانية والإماراتية، كما كان يستغل منصبه الدبلوماسي في بيروت لاستخدام عملاء لبلاده
بينهم من يعمل في أجهزة أمنية رسمية، من أجل جمع معطيات جرى تحويلها الى ملفات تذرّعت بها حكومة أبو ظبي لطرد عشرات اللبنانيين والفلسطينيين من إمارات في دولة الإمارات العربية المتحدة بدعوى العمل مع حزب الله أو حركة حماس.
غُيّن الشامسي عام 2015 سفيراً لبلاده في لبنان، وبقي في منصبه حتى نهاية العام الماضي، قبل أن ينتقل في شباط الماضي الى القاهرة سفيراً لبلاده ومندوباً لها لدى الجامعة العربية.
وفبما لم يُعيّن خلف له في بيروت، وُزّعت مهام السفير على أكثر من شخص، وترك له استمرار التواصل مع شخصيات لبنانية عدة، وخصوصاً في المجال الإعلامي.
قبل أسابيع، ضجت القاهرة بأنباء عن تورّط الشامسي في فضائح متنوعة.
وانتشرت في العاصمة المصرية روايات عن علاقات غير أخلاقية وعن ضبطه مرة في حالة من السكر الشديد وكان يتحدث بالسياسة ويوجّه الشتائم الى الحكومة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي وقيادات أمنية رسمية بارزة، ويتفاخر بأن بلاده تملك نفوذاً كبيراً في كل مؤسسات الدولة المصرية بسبب ما تنفقه من أموال.
وتبيّن لاحقاً أن السلطات المصرية، في إطار عمل الأجهزة الأمنية فيها لمكافحة تجارة الآثار، عثرت على أدلة تربط الشامسي بتهريب آثار من مصر وبيعها لأفراد أو في مزادات عالمية في أوروبا.
وبعد تحقيقات موسعة، جرى توثيق الأدلة وتبيّن أنه كان يستخدم صفته كسفير، وحتى الحقيبة الدبلوماسية، للقيام بهذه العملية، إضافة الى استخدام اسم حمد مبارك الشامسي مدير جهاز الأمن السابق لتسهيل عملياته الاحتيالية ما تسبّب بتورط عدد من الموظفين الرفيعي المستوى في مراكز القرار في أبو ظبي.نقل الشامسي من القاهرة «مكلبشا» الى أبو ظبي حيث لا يزال قيد الاعتقال.