أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن زيارة وزير الخارجية ماركو روبيو إلى دول أمريكا الوسطى، في خطوة غير متوقعة في سياق العلاقات الأمريكية مع هذه المنطقة. ورغم أن العديد من المحللين كانوا يتوقعون أن تشمل الزيارة دولاً كبرى ذات تأثير إقليمي في أمريكا اللاتينية، إلا أن وزير الخارجية سيزور دولاً أصغر مثل بنما وغواتيمالا والسلفادور وكوستاريكا وجمهورية الدومينيكان.
أهداف الزيارة
الزيارة تأتي في وقت حساس ومؤثر، حيث تنظر الإدارة الأمريكية إلى هذه الدول باعتبارها نقاط انطلاق حيوية في معركتها ضد التوسع الاقتصادي الصيني، وكذلك في سياق مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. وقد تمثل هذه الزيارة رغبة واشنطن في إعادة ضبط علاقاتها مع هذه الدول وتعزيز تأثيرها في هذه المنطقة الحيوية.
بنما: قناة الشراكة والتنافس
تعد بنما واحدة من المحطات الرئيسية في جولة روبيو، إذ تشهد العلاقات بين واشنطن وبنما توتراً ملحوظاً، خاصة في ما يتعلق بمطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسيطرة على قناة بنما. فعلى الرغم من أن القناة أصبحت تحت السيطرة البنمية منذ سنوات، إلا أن التوترات استمرت بسبب دخول الصين في معادلة الاستثمارات الكبيرة في المنطقة.
في السنوات الأخيرة، استثمرت الصين بشكل كبير في بنما، حيث تملك شركات صينية مثل “سي كي هاتشيسون” ميناءين رئيسيين على جانبي القناة. هذه الاستثمارات جعلت الصين لاعباً مهماً في الاقتصاد البنمي، وهو ما يثير قلق واشنطن. إلى جانب ذلك، تعمل الصين على تنفيذ مشاريع ضخمة مثل بناء خط سكة حديد عالي السرعة يمتد من العاصمة البنمية إلى الحدود مع كوستاريكا.
بالرغم من أن واشنطن لا تبدو في موقف يسمح باستخدام القوة لإعادة القناة تحت سيطرتها، فإنها قد تلجأ إلى تكتيك دبلوماسي للضغط على بنما لتقليص النفوذ الصيني في المنطقة.
الهجرة: قضية محورية في العلاقات الأمريكية مع دول أمريكا الوسطى
لا تقتصر القضايا التي ستناقشها الزيارة على التوسع الصيني، بل تشمل أيضاً أزمة الهجرة غير الشرعية. ففي عام 2024، عبر أكثر من 300,000 مهاجر من دول أمريكا الجنوبية عبر بنما في طريقهم إلى الولايات المتحدة. ورغم أن هذه الأرقام تعد أقل مما كانت عليه في 2023، إلا أن القضية تبقى معقدة، حيث فشلت الإجراءات الحكومية في بنما في إغلاق طرق العبور بشكل كامل.
لذلك، قد تكون زيارة روبيو فرصة لمناقشة سبل التعاون في محاربة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، الذي يمثل تحدياً كبيراً لإدارة ترامب. ومن المتوقع أن تُركز المحادثات على كيفية منع المهاجرين من عبور الحدود الأمريكية، إلى جانب تعزيز التعاون بين واشنطن ودول أمريكا الوسطى في هذا المجال.
غواتيمالا والسلفادور: تعاون ضد الهجرة والجريمة
تعتبر غواتيمالا والسلفادور من الدول الهامة في معادلة الهجرة إلى الولايات المتحدة. في كل عام، يتجه عشرات الآلاف من المواطنين من هذه الدول، بالإضافة إلى هندوراس ونيكاراغوا، شمالاً نحو “الحلم الأمريكي”. ويشكل هؤلاء جزءاً كبيراً من المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة.
تراهن الولايات المتحدة على تعزيز تعاونها مع حكومات هذه الدول لمكافحة الجريمة المنظمة، التي تدفع العديد من مواطنيها للهجرة. في هذا السياق، يعرب الرئيس ترامب عن إعجابه بأسلوب القيادة الذي اتبعه الرئيس السلفادوري ناييب بوكيلي، الذي نجح في خفض معدلات الجريمة بشكل كبير في بلاده.
تعد زيارة ماركو روبيو إلى دول أمريكا الوسطى جزءاً من استراتيجية أوسع لإدارة ترامب لتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة، خاصة في مواجهة التوسع الصيني المتسارع. بالإضافة إلى ذلك، تأتي الزيارة في وقت حساس بالنسبة لأزمة الهجرة، التي تظل من أبرز القضايا التي تشغل بال الولايات المتحدة. ومن خلال هذه الزيارة، يسعى روبيو إلى تعزيز التعاون في هذه المجالات الحيوية التي تؤثر على الأمن الوطني الأمريكي والمصالح الإقليمية.