تأثير قرار ترامب على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)
تعد دول مصر من أبرز الدول التي تأثرت بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجميد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بعد تعليق ميزانيتها واعتبارها إنفاقا حكوميا غير ضروري، وذلك في سياق الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية الحالية لتقليص الإنفاق الحكومي.
جاء هذا التطور بعد إعلان إيلون ماسك، يوم الإثنين، عن موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إغلاق الوكالة، في خطوة قد تؤثر بشكل كبير على البرامج الإنسانية والتنموية التي تديرها في أكثر من 100 دولة.
إغلاق مقر الوكالة وتعليق أنشطتها
في خطوة مفاجئة، تم إبلاغ موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالبقاء في منازلهم اعتبارا من ليل الأحد-الإثنين، حيث تم إغلاق مقر الوكالة في واشنطن وأزيلت الشعارات والصور من مكاتبها. كما تم تعطيل الموقع الإلكتروني للوكالة، مما يثير القلق بشأن مستقبل برامجها التنموية والإنسانية التي كانت تقدمها لدعم الشعوب في مختلف أنحاء العالم. وقد تم تضمين هذه الإجراءات ضمن سياسة تجميد شاملة للمساعدات الخارجية الأمريكية، مما يزيد من غموض الوضع ويطرح تساؤلات حول استدامة هذه البرامج.
التأثير على البرامج الإنسانية والتنموية
تدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ميزانية ضخمة تبلغ 42.8 مليار دولار سنويا، مخصصة للمساعدات الإنسانية والتنموية في أكثر من 100 دولة. وتعمل الوكالة على تعزيز الازدهار الاقتصادي، تقوية الديمقراطية، تحسين حقوق الإنسان، تحسين الصحة العالمية، وتعزيز الأمن الغذائي والزراعة. إلا أن تعليق ميزانيتها يثير مخاوف كبيرة بشأن التأثير على هذه الجهود التي تعد حيوية في مواجهة العديد من التحديات العالمية، من بينها النزاعات الإنسانية، وتغير المناخ، والفقر.
اتهامات البيت الأبيض للوكالة
وفي تطور آخر، اتهم البيت الأبيض الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأنها كانت “غير مسؤولة” أمام دافعي الضرائب الأمريكيين، مشيرا إلى أنها كانت تحول مبالغ ضخمة من المال إلى مشاريع “سخيفة” وبعضها “خبيثة” لصالح بيروقراطيين راسخين، دون أي رقابة تذكر. وقد تم تسليط الضوء على ضرورة إعادة تقييم جدوى المساعدات الخارجية الأمريكية بشكل أكثر دقة وفعالية.
دور USAID في مصر وتأثير تعليق المساعدات
منذ عام 1978، كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية شريكا رئيسيا في مسيرة التنمية في مصر، حيث قدمت أكثر من 30 مليار دولار كمساعدات اقتصادية. وقد أثرت هذه الشراكة بشكل كبير على الإصلاحات الاقتصادية في مصر، لا سيما في مجالات إدارة المالية العامة، التعليم، الصحة، الاستدامة البيئية، والمرونة المناخية. وقد تركز دور الوكالة في دعم الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز كفاءة وشفافية الحكومة، مما كان له أثر ملموس في تحسين إدارة المالية العامة وتدريب المسؤولين الحكوميين على برامج التقييم والرصد.
التعليم: المنح الدراسية والتدريب
تعتبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) شريكا رئيسيا في تطوير التعليم في مصر، حيث استثمرت بشكل كبير في برامج المنح الدراسية والتدريب للطلاب في مجالات متنوعة تتماشى مع أهداف التنمية الوطنية. وقد طالت هذه المبادرات العديد من الطلاب المصريين في الجامعات الحكومية والخاصة، وتهدف إلى بناء رأس المال البشري وتعزيز المهارات اللازمة لاقتصاد عالمي تنافسي.
ومع ذلك، فإن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بتعليق ميزانية الوكالة واعتبارها إنفاقا حكوميا غير ضروري كان له تأثير مباشر على 1077 طالبا في 13 جامعة مصرية حكومية وخاصة تشملها برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وفقا لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية، كان من بين هؤلاء الطلاب 877 طالبا في 12 جامعة مصرية حكومية وخاصة، و200 طالب في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وقد ترك هذا القرار الطلاب في حالة من عدم اليقين بشأن مستقبلهم الأكاديمي، حيث كانوا يعتمدون على المنح التي تمولها USAID لدعم الرسوم الدراسية والموارد الأكاديمية. وفي رد فعل سريع، عقد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أيمن عاشور، اجتماعا طارئا للمجلس الأعلى للجامعات لمناقشة سبل مواجهة هذه الأزمة وتوفير حلول للمستفيدين من البرامج المتوقفة.
المبادرات البيئية: التعامل مع تحديات تغير المناخ
فيما يتعلق بالبيئة، عملت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالتعاون مع الحكومة المصرية على تنفيذ مشاريع تهدف إلى معالجة القضايا البيئية المرتبطة بندرة المياه، وارتفاع مستويات سطح البحر، والتحديات المناخية الأخرى. وقد تماشت هذه الجهود مع إطار العمل الوطني لرؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
تعد مصر من الدول المهددة بشدة من مخاطر تغير المناخ، إذ تواجه تحديات كبيرة في موارد المياه العذبة بسبب اعتمادها الكبير على نهر النيل الذي يوفر أكثر من 90% من مياهها. في ظل هذه الظروف، تشير التقديرات إلى أن مصر قد تكون معرضة لأزمة مياه حادة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة التي قد تؤدي إلى انخفاض كميات المياه العذبة المتاحة، بالإضافة إلى تأثيرات غمر المياه المالحة للأراضي الزراعية.
كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يعد تهديدا إضافيا للمناطق الساحلية، وخاصة دلتا النيل، التي تعتبر من أكثر المناطق تعرضا لهذه المخاطر. تشير دراسة أجريت في 2018 إلى أن أكثر من 280 ميلا مربعا من دلتا النيل قد تغمرها المياه بحلول عام 2050. هذه التغيرات قد تؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية، وتشريد السكان المحليين، وانخفاض إنتاج المحاصيل الغذائية الأساسية مثل القمح والذرة.
جهود مكافحة التغير المناخي
بالتوازي مع هذه التحديات، تعمل الحكومة المصرية على تنفيذ مشاريع تهدف إلى حماية المواقع الثقافية والتاريخية المهددة بفعل التغيرات المناخية. على سبيل المثال، في عام 2019، أطلقت وزارة البيئة المصرية مشروعا بقيمة 14 مليون دولار لحماية قلعة قايتباي في الإسكندرية من التآكل الناجم عن ارتفاع مستوى سطح البحر.
الحوكمة والإصلاحات المؤسسية في مصر
تعتبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) شريكا استراتيجيا رئيسيا في دعم الإصلاحات المؤسسية والحوكمة الاقتصادية في مصر. من خلال مشروع “الحوكمة الاقتصادية من أجل التنمية”، تساهم الوكالة في تعزيز المساءلة والكفاءة والشفافية في المؤسسات العامة والخدمة المدنية المصرية. يشمل هذا المشروع تحسين قدرات الخدمة المدنية من خلال تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة في مكان العمل، إضافة إلى تطوير وتحسين الخدمات الإلكترونية العامة.
التحولات الأخيرة في سياسات المساعدات
شهدت سياسات المساعدات الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة تغييرات ملحوظة، حيث أمر وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، في يناير 2025 بتوقف فعلي لجميع المساعدات الخارجية الأمريكية مع استثناءات لدول محددة، من بينها إسرائيل ومصر. يظهر هذا القرار الأهمية الاستراتيجية للعلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، ولكنه في الوقت نفسه يثير العديد من التساؤلات بشأن مستقبل الدعم التنموي الأمريكي لمصر.
العواقب العالمية
التغيرات في سياسات المساعدات الأمريكية لن تؤثر فقط على مصر، بل ستطال برامج التنمية في جميع أنحاء العالم. تتضمن هذه البرامج الإنسانية والتعليمية والصحية، بالإضافة إلى البرامج البيئية التي تهدف إلى تعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع تغير المناخ.
تأثيرات بيئية وأمنية
حسب التقارير، يعد تغير المناخ أحد المحاور الرئيسية التي تؤثر على مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. تسهم الوكالة في مساعدة البلدان على التكيف مع تحديات المناخ من خلال مشاريع تهدف إلى تقوية قدرة البنية التحتية على تحمل الأحداث الجوية المتطرفة مثل الأعاصير والجفاف. وفي حال تقليص أو إلغاء هذه البرامج، قد يزداد الوضع سوءا، مما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المناطق المتأثرة.
التأثير على الأمن العالمي
شيري جودمان، المسؤولة البارزة في مركز ويلسون، أضافت أن تقليص حجم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد يسهم بشكل كبير في زيادة عدم الاستقرار في المناطق التي تعاني من الفقر والتهميش. هذه المناطق هي الأكثر تأثرا بتغير المناخ، وفي حال لم يتم تعزيز قدرتها على التكيف مع هذه التحديات، فإن الأزمات قد تؤدي إلى المزيد من الصراعات على الموارد، بما في ذلك المياه.
تصريحات سياسية
في هذا السياق، أشار السناتور كريس فان هولين (الديمقراطي من ماريلاند) إلى أن قرار الرئيس الأمريكي ترامب بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد يؤدي إلى تجميد العمل الحاسم في العديد من البرامج الإنسانية، مما ي










