يترقب العالم العربي زيارة يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الي البيت الأبيض، والذي سبق ان رفض بشدة، ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني، ووصف ذلك بأنه ظلم لا يمكن أن تشارك مصر فيه، في تصريحات تأتي ردا على دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمصر والأردن لاستقبال فلسطينيين من غزة.
وقال السيسي، خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الكيني وليام روتو في القاهرة، “لا يمكن أبدا التنازل عن ثوابت الموقف المصري التاريخي للقضية الفلسطينية”، مؤكدا أن “الحل هو إقامة دولة فلسطينية بحقوق تاريخية على حدود الرابع من جوان لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
واعتبر الرئيس المصري أن ما يتردد حول تهجير الفلسطينيين لا يمكن أبدا التساهل أو السماح به، لتأثيره على الأمن القومي المصري.
كما أوضح السيسي في كلمته أن “الموقف المصري الأساسي من الأمر هو إقامة الدولة الفلسطينية والحفاظ على عناصرها وخاصة شعبها”. وسعى إلى طمأنة الشعب المصري ووعده بأنه لن يمد يد العون لتهجير سكان قطاع غزة واستيعابهم في مصر: “نحن مصممون على العمل مع الرئيس ترامب للوصول إلى السلام المنشود على أساس حل الدولتين” مضيفا بذلك مثالا شخصيا على توجيهاته الدبلوماسية.
عقيدة الجيش المِصري العسكريّة تُعارض أي خطوة تتعارض مع الأمن القومي والتّراب الوطني المِصري، ولهذا جاء رفض إفراغ قطاع غزة من سُكّانه وتوطينهم سواءً مُؤقّتًا أو بشكلٍ دائمٍ في سيناء، وعلينا أن نتذكّر أنّ هذا الجيش رفض التّنازل عن مِنطقة طابا التي لا تزيد مِساحتها عن كيلومتر مربّع وهدّد بإلغاء اتّفاقات كامب ديفيد إذا لم تنسحب القوّات الإسرائيليّة منها، وتجريف مُستوطنة “ياميت” اليهوديّة في شِمال سيناء قُرب قطاع غزة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد طرح، الأحد الماضي، خطة لـ”تطهير” غزة، قائلا إنه يريد من مصر والأردن إخراج الفلسطينيين من القطاع في محاولة لإحلال السلام في الشرق الأوسط.
وصرح ترامب للصحفيين: “نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها”، واصفا غزة بأنها “مكان مدمر”، وقائلا إن هذه الخطوة قد تكون “موقتة أو طويلة الأجل”.
ورغم إعلان مصر والأردن رفضهما القاطع لتهجير الفلسطينيين من غزة وتصفية القضية الفلسطينية، فقد شدد ترامب على أن الرئيس المصري السيسي صديقه، قائلا “لقد ساعدته كثيرا وآمل أن يساعدنا، أعتقد أنه سيفعل ذلك وسيفعل ملك الأردن ذلك أيضا”، مضيفا أن السيسي “يود أن يرى السلام في كل الشرق الأوسط .. وكذلك أنا”.
وكرر ترامب بذلك تصريحاته التي أطلقها قبل يومين على متن الطائرة الرئاسية -أيضا- بأنه سيطلب من الرئيس المصري ما طلبه من عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني بالسماح بدخول مليون إلى مليون نصف مليون من فلسطينيي قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، في حين لم يخرج بعد أي بيان سواء من البيت الأبيض أو الرئاسة المصرية يؤكد أو يذكر فحوى الاتصال الهاتفي، كما جرت العادة في المكالمات الهاتفية بين الرئيسين.
من جهتها قالت خبيرة السياسة الخارجية الأميركية عسل راد، إن “نكبة عام 1948 أثبتت للفلسطينيين أن التهجير من أراضيهم من قبل إسرائيل ليس مؤقتا”، مشددة على أن ترامب أظهر دعما قويا لإسرائيل وأن تصريحاته الحالية بمنزلة ضوء أخضر لمواصلة الحرب سيما في ظل استمرار المناقشات العامة حول استيطان الإسرائيليين في غزة.
وأضافت خبيرة السياسة الخارجية الأميركية أن أي حملة لنقل الفلسطينيين من غزة إلى مكان آخر ستفهم على أنها “تطهير عرقي”.
وبدوره، اعتبر مدير الأبحاث في مركز ديمقراطية الشرق الأوسط سيث بايندر أن دعوة ترامب لمصر والأردن لاستقبال 1.5 مليون فلسطيني من غزة هي دعوة للتطهير العرقي، وإذا تم تنفيذها، فستكون جريمة ضد الإنسانية.
وأضاف بايندر أن ترامب يردد دعوات المتطرفين اليمينيين في إسرائيل، بمن فيهم أولئك الموجودون في حكومة نتنياهو الائتلافية، الذين يرغبون في ضم الأراضي الفلسطينية، مؤكدا أن الفلسطينيين ثابروا بمرونة لعقود من الزمن في السعي من أجل إقامة دولتهم، وهذا ينعكس جزئيا في رفض الأردن ومصر للاقتراح بسرعة.
وعن تأثير مطالب ترامب على اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل، والذي تضمنه قطر ومصر والولايات المتحدة، أشار بايندر إلى أن “استمرار وقف إطلاق النار يتوقف على استعداد الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ خطوات يعارضها نفس السياسيين الذين يريدون ضم الأراضي الفلسطينية”، لافتا إلى أن دعم التطهير العرقي يمثل مخاطرة على الاتفاق، حيث يمكّن للقوى اليمينية الإسرائيلية المعارضة للاتفاق من تقوية موقفهم.
وبعد عدة ساعات من إطلاق ترامب تصريحاته حول ضرورة قبول مصر والأردن استقبال مليون أو مليون ونصف من سكان غزة، شددت وزارة الخارجية المصرية -في بيان لها- على أن القضية الفلسطينية “تظل القضية المحورية بالشرق الأوسط، وأن التأخر في تسويتها، وفي إنهاء الاحتلال وعودة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني، هو أساس عدم الاستقرار في المنطقة”.
وأعربت الخارجية المصرية عن رفضها الصارم المساس بحقوق الفلسطينيين أو نقلهم “سواءً كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل” وبما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.
السُّؤال هو: هل سيتمسّك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهذه “العقيدة” التي يُؤمن بها ويدعمها الشّعب المِصري بقُوّةٍ أيضًا، ويقول “لا” كبيرة ومُتحدّية للرئيس ترامب أثناء زيارته الوشيكة للبيت الأبيض؟