كريم آغا خان: الزعيم الروحي للإسماعيليين النزاريين
توفي كريم آغا خان الرابع، الزعيم الروحي للطائفة الإسماعيلية النزارية وأحد أغنى الأشخاص في العالم، في 4 فبراير 2025 عن عمر يناهز 88 عامًا، في لشبونة، البرتغال. كان آغا خان الرابع معروفًا بلقب “الملياردير الغامض في العالم”، حيث جمع بين دوره الديني كإمام للطائفة الإسماعيلية ومشاركته الفعالة في العديد من الأعمال الاقتصادية والإنسانية. وفي هذا التقرير، نستعرض سيرة حياته وإنجازاته وأثره على المجتمعات التي خدمها.
النشأة والتكوين
وُلد كريم آغا خان الرابع في ديسمبر 1936 في جنيف بسويسرا، وهو الابن الأكبر للأمير علي خان وزوجته الأولى، جوان يارد بولر. عائلته كانت ذات خلفية عالمية، حيث نشأ في بيئة دبلوماسية وعائلية متشابكة، وكان والده الأمير علي خان شخصية بارزة في المجتمع الدولي.
تلقى آغا خان تعليمه الأولي في نيروبي بكينيا، ثم انتقل إلى مدارس سويسرية مرموقة مثل مدرسة لا روزي. فيما بعد التحق بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة، حيث درس التاريخ الشرقي، وهو مجال تخصصه الأكاديمي الذي انعكس في تفكيره الديني والفكري.
توليه إمامة الإسماعيلية النزارية
في 11 يوليو 1957، تولى كريم آغا خان قيادة الطائفة الإسماعيلية النزارية خلفًا لجده، الآغا خان الثالث. ومع توليه القيادة، أصبح آغا خان الرابع الزعيم الروحي لما يقرب من 15 مليون إسماعيلي موزعين في أنحاء مختلفة من العالم، بما في ذلك باكستان والهند وأفغانستان وأفريقيا.
وإلى جانب دوره الديني، كان له تأثير كبير في السياسة والتنمية الاقتصادية، حيث شارك في العديد من التغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدتها مناطق تواجد الإسماعيليين. وكان له دور مهم في دعم استقلال الدول الأفريقية عن الاستعمار، واهتم بتطوير المجتمع الإسماعيلي في مناطق مثل طاجيكستان وأفغانستان.
الثروة والإمبراطورية الاقتصادية
عُرف آغا خان الرابع بثرائه الفاحش الذي تجاوز 13 مليار دولار، حيث كان يمتلك إمبراطورية واسعة من العقارات الفاخرة، بما في ذلك يخت فاخر يُدعى “علمشار” وطائرة خاصة من طراز “بومباردييه جلوبال 7500”. بالإضافة إلى ذلك، كان آغا خان واحدًا من أكبر ملاك ومربي خيول السباق في بريطانيا وفرنسا وأيرلندا، حيث قام بتربية العديد من الخيول المتميزة مثل “شيرجار”، الذي كان أحد أغلى وأشهر خيول السباق في العالم قبل أن يتم سرقته في 1983.
الإنجازات الإنسانية
على الرغم من ثروته الكبيرة، كان آغا خان معروفًا بشغفه العميق بالعمل الإنساني والتنمية الاجتماعية. أسس شبكة واسعة من المستشفيات والمدارس والجامعات في مختلف أنحاء العالم، خاصة في المناطق النائية والمحرومة مثل بنغلاديش وطاجيكستان وأفغانستان. كما أطلق العديد من البرامج التنموية التي تهدف إلى تحسين مستوى الحياة لأتباعه وللمجتمعات الأوسع.
أسس آغا خان “مؤسسة الآغا خان للتنمية”، التي ساعدت في بناء أكثر من 2000 مدرسة ومستشفى ومؤسسة تعليمية وطبية حول العالم. كما أسس “جائزة الآغا خان للعمارة”، التي تُمنح سنويًا لتكريم المشاريع المعمارية التي تدمج بين الجمال والفائدة الاجتماعية.
العلاقات السياسية والدبلوماسية
ارتبط آغا خان بعلاقات وثيقة مع العديد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية، وكان له دور بارز في الدوائر الملكية. على سبيل المثال، كان مقربًا من الملكة إليزابيث الثانية، حيث حصل على لقب “صاحب السمو” في مناسبات عدة، كما استضافته الملكة في قلعة وندسور خلال اليوبيل الملكي الماسي. في عام 2004، منحته الحكومة البريطانية وسام الفارس القائد من أعلى وسام الإمبراطورية البريطانية (KBE).
الأسرة والخلافة
تزوج آغا خان مرتين في حياته. كانت زوجته الأولى عارضة الأزياء البريطانية سالي كروكر بول، التي أخذت اسم بيجوم سليمة آغا خان بعد الزواج منه. وقد أنجبا معًا ثلاثة أبناء، من بينهم الابن الأكبر رحيم آغا خان، الذي من المتوقع أن يخلفه في منصب الإمام. في عام 1998، تزوج آغا خان من الأميرة غابرييل، لكن هذه العلاقة انتهت بعد ست سنوات.
توفي كريم آغا خان الرابع في 4 فبراير 2025 في لشبونة بعد مسيرة حافلة بالإنجازات في مجالات الدين، والاقتصاد، والعمل الإنساني. ترك وراءه إرثًا كبيرًا من التنمية المستدامة والخدمات الاجتماعية التي استفاد منها ملايين الأشخاص في مختلف أنحاء العالم. ومن المتوقع أن يخلفه ابنه رحيم آغا خان في القيادة الروحية للطائفة الإسماعيلية النزارية، بينما ستستمر مؤسسات الآغا خان في العمل من أجل تحسين حياة الناس في المناطق الأكثر حاجة.