في صبيحة الأول من شهر فبراير الجاري، اقتحم فريق تابع للملياردير الأمريكي إيلون ماسك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، على بعد بضعة شوارع من البيت الأبيض، مطالبين بالوصول إلى كافة سجلاتها، في مشهد خلا من أي مواجهات أو اشتباكات، لكنه كشف بوضوح عن نفوذ أغنى رجل في العالم، وقدرته على إعادة تشكيل مراكز القوة في الحكومة الأمريكية، معيداً إلى الأذهان سياسته العاصفة بعد امتلاكه منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي.
نشر كاتب إسرائيلي مقالا شرح فيه أسباب إطلاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطته بشأن قطاع غزة. وقال الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال في مقال بموقع “واللاه” العبري إن الجميع يتحدث اليوم عن اقتراح دونالد ترامب بشأن الاستيلاء على غزة ونقل 1.8 مليون فلسطيني، لكن الحقيقة أن هذا هو بالضبط ما يريده ترامب وهو: تحويل الأنظار عن ما يحدث في واشنطن.
ويوضح أن كل شيء يسير وفقًا لخطة ستيف بانون، مستشار ترامب السابق، الذي وصف استراتيجيته الإعلامية بأنها “إطلاق النار بأسرع معدل”، حيث قال: “نظرًا لأن وسائل الإعلام تتكون من أشخاص أغبياء، فلا يمكنها التركيز إلا على شيء واحد، لذا علينا أن نغرقهم بسيلٍ من الأخبار المثيرة، وسيفقدون السيطرة على ما هو مهم حقًا.. بانج، بانج، بانج، ولن يتعافوا”.
ويتابع الكاتب الإسرائيلي أنه لهذا السبب، يلقي ترامب بمقترحات غير واقعية مثل شراء غرينلاند، واحتلال بنما، ونقل الفلسطينيين إليها، لأنه يعلم أن وسائل الإعلام ستنشغل بهذه العناوين، بدلًا من التركيز على التغييرات الجذرية التي تحدث داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية.
ويشرح أنه بينما تنشغل وسائل الإعلام برؤية ترامب لغزة، يجري في واشنطن تفكيك منهجي وسريع للحكومة وأجهزة الاستخبارات الأمريكية.
ويقول إنه خلال الأسبوعين الماضيين، سيطر إيلون ماسك وفريقه على أنظمة البيانات المالية الأمريكية، ألغوا بروتوكولات أمنية حساسة، وطردوا مسؤولين كبارًا، وأغلقوا وكالة حكومية كاملة بميزانية تساوي 0.25% فقط من ثروة ماسك الشخصية.
ويوضح أنه في المقابل، لجأت ست وكالات حكومية إلى المحاكم التي أصدرت مذكرات توقيف ضد ماسك وترامب، لكن ذلك لم يوقف خطة الملياردير الطموح، الذي يواصل تفكيك المؤسسات الفيدرالية، مدفوعًا بأيديولوجيته التحررية الجديدة وسعيه لزيادة سلطته وثروته بطريقة غير مسبوقة.
ويحذر الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال من أن إحدى أخطر التطورات تتمثل في الهجوم على وكالات الاستخبارات الأمريكية. فقد أرسلت إدارة ترامب رسائل بريد إلكتروني إلى جميع موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، تعرض عليهم التعويض مقابل الاستقالة، في خطوة تهدف إلى إضعاف الأجهزة الأمنية.
ويتابع أن الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل يطالب ترامب الآن بكشف هويات العملاء الفيدراليين الذين حققوا في أحداث اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021، مما يعرضهم وعائلاتهم لخطر جسيم، وفقًا لأوامر قضائية تحاول وقف ذلك.
ويشير إلى أنه حتى داخل البيت الأبيض نفسه، هناك مسؤولون لا يعلمون ما الذي سيفعله ماسك لاحقًا. فقد نقلت نيويورك تايمز عن مصادر داخلية أن ماسك يتمتع بمستوى من الاستقلالية لا يمكن لأحد السيطرة عليه، وهو ما يجعله الرئيس الفعلي، بينما ترامب يوفر له الغطاء السياسي.
ويؤكد داسكال أن ما يحدث اليوم في واشنطن ليس مجرد صراع سياسي، بل هو إعادة تشكيل جذرية للحكومة الأمريكية، قد تؤثر ليس فقط على مستقبل الولايات المتحدة، ولكن أيضًا على الأمن العالمي، بما في ذلك إسرائيل.
ويختم أنه إذا كان ترامب وماسك يمضيان في تنفيذ رؤيتهما المتطرفة، فإن العالم سيواجه عصرًا جديدًا من الفوضى السياسية، حيث تتحكم الشركات الكبرى في الدول، وتُفكك الحكومات لمصلحة القلة الأكثر ثراءً.
وسلطت مجلة «التايمز» البريطانية الضوء على الدور البارز لمؤسس شركة «تسلا»، و«سبيس إكس»، في الإدارة الأمريكية الحالية، بنشر صورته يتربع داخل البيت الأبيض، في إشارة إلى نفوذه المهيمن، بعد عودة الملياردير وقطب الأعمال دونالد ترامب مجدداً إلى سدة الحكم بعد تحول دراماتيكي في الانتخابات الأخيرة، ضخ من أجلها مالك منصة «إكس» مئات الملايين دعماً لفوز ترامب.
وفي الوقت الحالي، يجد ملايين العاملين الحكوميين أنفسهم تحت رحمة ماسك. وصفت إحداهن فريقها في وزارة الأمن الداخلي بأنه يتخذ «وضعية دفاعية»، ترقباً لقرارات ماسك.
وأضافت أن زملاءها لجؤوا إلى كتاب بعنوان «حد الشخصية»، يشرح فيه مؤلفه كيف سيطر ماسك على «تويتر» قبل عامين وطرد 80% من موظفيه، غالباً بنتائج فوضوية.
تلك المخاوف برزت بشدة، في الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني، عندما تلقى ملايين الموظفين المدنيين في الحكومة دون سابق إنذار رسالة بريد إلكتروني تعرض عليهم راتب ثمانية أشهر في مقابل استقالتهم.
وكان ماسك اقترح نفس الصفقة إلى حد كبير على موظفي «تويتر» قبل عامين. بل إنه استخدم نفس المصطلح معهم: «مفترق طرق».
وبحسب التايمز لم يكن الأمر غريباً بالنسبة إلى أصدقاء ماسك في وادي السيليكون، إذ فهموا من استيلائه على تويتر أنه تحضير لقضية أعظم. وقال أحدهم لمجلة تايم في نوفمبر/ تشرين الثاني: «المزاج هو أن ماسك يمكن أن يفعل الشيء نفسه مع حكومة الولايات المتحدة».
وتتوافق سياسة ماسك الحالية، مع خطة وضعها مساعدو ترامب قبل فترة طويلة من الانتخابات، نشرت في تقرير من 900 صفحة عرف باسم «مشروع 2025»، وقال أحد مؤلفيه الرئيسيين، راسل فوغت، في خطاب ألقاه قبل عامين، إنه يريد أن يتأثر الموظفون المدنيون «بشكل مؤلم بالتطهير الذي تصوره».
وقال: «نريد أن يتم إيقاف تمويلهم. نريد أن نجعلهم في حالة صدمة».وخوفاً من تأثير الكشف عن تلك السياسة على حملته الانتخابية، أقسم ترامب أنه لا علاقة له بالخطة. وقال لمجلة تايم في نوفمبر:«كان من غير المناسب أن يخرجوا بوثيقة مثل هذه.
بعض الأشياء التي كنت أختلف معها بشدة»..ولكن بمجرد توليه منصبه، اختار فوغت ليكون مسؤولاً عن مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، والذي يعمل الآن عن كثب مع فريق ماسك لسن أجزاء حاسمة من«مشروع 2025»، حيث تشير المجلة إلى أن تحركات ترامب المحمومة في أيامة الأولى استهدفت تطبيق ما يقرب من ثلثي الخطة الموضوعة.