التوترات السياسية بين الولايات المتحدة ومنظمة بدر
تواصل التوترات السياسية بين الولايات المتحدة والفصائل العراقية وعلى رأسها منظمة بدر التي تعتبر أبرز الفصائل في الحشد الشعبي العراقي، عقب المساعي الأخيرة من أعضاء في الكونغرس الأمريكي لتصنيف المنظمة على لائحة الإرهاب.
وفي رد قوي، وصف المكتب السياسي لمنظمة بدر هذه المساعي بأنها “مخزية” و”لا قيمة لها”، معتبرا إياها جزءا من سياسات واشنطن لتعزيز نفوذ إسرائيل في المنطقة.
واعتبر الحشد الشعبي قوة عسكرية تضم مجموعة من الفصائل المسلحة في العراق، بما في ذلك منظمة بدر، وهي منظمة مرتبطة بإيران ولها تأثير كبير في السياسة والأمن العراقيين. التوجه الأمريكي الأخير نحو تصنيف بعض فصائل الحشد الشعبي، مثل منظمة بدر، قد يفتح المجال لمناقشة احتمال تصنيف الحشد الشعبي بالكامل كتنظيم إرهابي.
طلب الكونغرس الأمريكي
في يوم الجمعة 7 فبراير/شباط 2025، تقدم عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي بطلب لوزارة الخارجية الأمريكية لوضع “منظمة بدر” على لائحة الإرهاب، إلى جانب فصائل ميليشيا أخرى مدعومة من إيران. جاء هذا الطلب بعد تصريحات للنائب الأمريكي جو ويلسون الذي اعتبر منظمة بدر “منظمة إرهابية متطرفة طائفية” ووجه انتقادات شديدة لها بسبب مشاركتها في الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد عام 2019.
وفي سياق هذا الطلب، أشار ويلسون وزملاؤه إلى أن منظمة بدر كانت جزءا من القوات التي حاربت تنظيم داعش، مدعومين من إيران، وأنها ارتكبت أعمالا ضد مصالح الولايات المتحدة، بما في ذلك الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية في العراق.
رد منظمة بدر
ردا على هذه الاتهامات، وصف ت منظمة بدر المساعي الأمريكية بأنها “وصمة عار” في جبين الحكومة الأمريكية التي تسعى، حسب المنظمة، إلى ضرب محور المقاومة الإسلامية في المنطقة. كما أكد مصدر من داخل المنظمة أن منظمة بدر هي “كيان سياسي وديمقراطي”، وأن لها دورا محوريا في بناء العراق والمساهمة في استقراره بعد سقوط نظام صدام حسين، خاصة في مواجهة تهديدات الإرهاب مثل داعش.
وأشار البيان إلى أن هادي العامري، الأمين العام للمنظمة، كان قد قدم تضحيات كبيرة في ساحات القتال ضد تنظيم داعش، ورفض ادعاءات الكونغرس الأمريكي التي اعتبرتها “مضللة ولا تستند إلى حقائق”. كما أضاف البيان أن منظمة بدر قد ساهمت بشكل كبير في إرساء الأمن في العراق، بعيدا عن المحاولات لتشويه سمعتها.
خلفية منظمة بدر
تأسست منظمة بدر في الثمانينات كجناح مسلح للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بدعم من الحرس الثوري الإيراني، وشاركت في العديد من العمليات العسكرية ضد النظام البعثي. وبعد سقوط نظام صدام حسين، أصبح لها دور مهم في السياسة العراقية، حيث تشارك في الحكم من خلال قوات الحشد الشعبي، وتتمتع بتأثير كبير في السياسة والأمن العراقيين.
كما تم دمج العديد من أفراد المنظمة في أجهزة الأمن العراقية، مما زاد من قدرتها على التأثير في السياسة الداخلية، بما في ذلك مستشار الأمن الوطني العراقي الحالي، قاسم الأعرجي، الذي كان عضوا بارزا في المنظمة.
التداعيات السياسية
خلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت الضغوط الأمريكية على الحكومة العراقية من قبل بعض أعضاء الكونغرس، الذين يرون أن الحشد الشعبي قد أصبح أداة لتنفيذ أجندات إيران في العراق والمنطقة، مما يشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي. ويعزز هذه الضغوط الهجمات المستمرة التي نفذتها الفصائل المدعومة من إيران ضد القوات الأمريكية في العراق، بالإضافة إلى دور الحشد الشعبي في الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد عام 2019.
منذ تأسيسه في عام 2014 لمحاربة تنظيم داعش، أصبح الحشد الشعبي جزءا أساسيا من قوات الأمن العراقية، ويضم العديد من الفصائل التي تربطها علاقات وثيقة مع إيران. ويعتبر بعض المسؤولين الأمريكيين أن الحشد الشعبي قد خرج عن دوره الأصلي في محاربة داعش وبدأ في تنفيذ أجندات طائفية وإقليمية، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في العراق ويعزز النفوذ الإيراني في المنطقة.
تصنيف فصائل الحشد الشعبي كمنظمات إرهابية ليس أمرا جديدا بالنسبة للولايات المتحدة. ففي السابق، قامت واشنطن بوضع بعض الفصائل المسلحة المدعومة من إيران على لائحة الإرهاب، مثل “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”. ومع ذلك، فإن تصنيف “الحشد الشعبي” بشكل عام كمنظمة إرهابية سيكون خطوة أكثر تعقيدا، نظرا لأن الحشد الشعبي يعتبر جزءا من القوات المسلحة العراقية، ويخضع لسلطة الحكومة العراقية.
التحديات السياسية
تصنيف الحشد الشعبي كتنظيم إرهابي سيشكل تحديا سياسيا كبيرا بالنسبة للعلاقات العراقية الأمريكية. قد يؤدي هذا إلى تدهور العلاقات بين بغداد وواشنطن، خاصة وأن العديد من فصائل الحشد الشعبي تتمتع بشعبية في بعض الأوساط العراقية. كما أن الحكومة العراقية قد تجد نفسها في موقف حرج، حيث سيكون من الصعب عليها تجنب الضغط الأمريكي دون التأثير على استقرارها الداخلي.
علاوة على ذلك، فإن الحشد الشعبي ليس فقط قوة عسكرية، بل هو أيضا فصيل سياسي كبير في العراق. العديد من قادته يشغلون مناصب في الحكومة، مما يزيد من تعقيد الموقف.
الموقف الإيراني
من جهة أخرى، يساهم الحشد الشعبي في تعزيز النفوذ الإيراني في العراق، وهو ما يتعارض مع السياسة الأمريكية في المنطقة. إيران كانت وما زالت تدعم فصائل الحشد الشعبي وتعتبرها أداة أساسية في مواجهة التهديدات، سواء من تنظيمات مثل داعش أو من القوى السنية التي تناصب إيران العداء. تصنيف الحشد الشعبي كمنظمة إرهابية قد يعقد العلاقات بين واشنطن وطهران، خاصة في وقت حساس تتسارع فيه المحادثات حول الاتفاق النووي الإيراني.