بين السينما والواقع خيط أدق من الشعرة يتلاشي حتي نظن أن الواقع انقلب الي شاشة عرض كبيرة بمساحة دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وأخذ الرئيس البرتقالي ترامب دور العمدة عتمان في فيلم الزوجة الثانية، ومستشارته الدينية باولا وايت دور الشيخ مبروك بائع العطارة ومحلل الحرام في نفس الفيلم.
وسريعا وحتي نرتب أفكارنا تدور أحداث الفيلم المصري «الزوجة الثانية» في قرية من قرى الريف المصري في إطار درامي واقعي ، حيث يسلط الفلم الضوء على الاستبداد الواقع على الفلاحين البسطاء في القرية من قِبَل عِتمان (صلاح منصور) العمدة الثري المستبد ، الذي يقرر الزواج من فاطمة (سعاد حسني) التي تخدم بمنزله بالرغم من أنها متزوجة ، ولكن العمدة لا يفكر في شيء إلا في كيفية إنجاب الولد الذي سيورثه العمودية ، والذي فشلت زوجته حفيظة (سناء جميل) في إنجابه، يقوم العمدة بكل جبروت بتطليق (فاطمة) من زوجها أبو العلا (شكري سرحان) بمساعدة شيخ القرية (العطار مبروك) الذي يحلل ويحرم وفقا لأهواء العمدة ، لا تجد (فاطمة) أمامها مفرا ، وتصبح زوجة العمدة رغما عن أنفها هي وزوجها ؛ فتقرر استخدام حيلها الماكرة من أجل الخلاص من هذه الزيجة .
وبالعودة الي الواقع السينمائي وفي عام 2002 حضر دونالد ترامب عظة لقسيسة شابة من الطائفة الإنجيلية، وما لبث أن دعاها للمشاركة في برنامج كان يقدمه على التلفزيون ثم اشترت منه شقة بنيويورك وتوطدت علاقتهما واستمرا على اتصال حتى اليوم.
«أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ».. جسدت تلك الآية التي ربما يوجد ما يقابلها في اسفار الاناجيل والتي كان يكررها الشيخ العطار مبروك لتمرير أوامر العمدة عتمان في فيلم المخرج صلاح أبوسيف «الزوجة الثانية»، شكل العلاقة بين ممثل المؤسسة الدينية الرسمية والسلطة الحاكمة منذ أن عرفت البشرية الحكم المطلق قبل آلاف السنين.
جرت العادة في الديكتاتوريات شرقا وغربا أن يضفي رجل الدين الرسمي الشرعية على قرارات وفرمانات حكام الدولة، حتى لو وصل الأمر إلى أن يحلل لهم المحرمات ويفصّل لهم الآيات لإضفاء القداسة على خياراتهم أو لإرضاء نزواتهم ورغباتهم، كإجبار الفلاح المعدم أبوالعلا على تطليق زوجته فاطمة ليتزوجها العمدة، ويتحقق المقصد الأكبر بإنجاب وريث شرعي للأرض والبشر معًا، و«امضي يا أبوالعلا».
العطار الشيخ مبروك تبدل هذه المؤة وأصبح باولا وايت راعية “مركز القدر الجديد” في أورلاندو بفلوريدا التي أعلن في مطلع الشهر الجاري تعيينها مستشارة الرئيس الأميركي للإيمان ودعم الفرص.
ونظرا للدور المنوط بها حاليا في البيت الأبيض واتهامها بالبدعة الدينية وبالتورط في قضايا مالية، تحدثت وسائل الإعلام عن ماضيها وحاضرها وتناولتها تعليقات خبراء السياسة ورجال الدين.
في 20 أبريل/نيسان عام 1966 ولدت باولا وايت في مسيسيبي، وكان أبواها دونالد فير وميرا جوانيل يمتلكان متجرا لبيع ألعاب الأطفال.

لكن طفولتها لم تكن سعيدة ولا هادئة فقد تصدع زواج والديها وهي في الخامسة من العمر، ولاحقا انفصلا ثم انتحر الوالد.في تلك الفترة عانت باولا وايت من اضطرابات الشهية وتعرضت لانتهاكات جنسية ونفسية، مما أثر سلبا في طفولتها.
وفي عامها التاسع انتقلت وايت إلى واشنطن العاصمة مع أمها المتزوجة حينها من أحد الضباط، وهناك تابعت دراستها وحصلت على الثانوية العامة من مدرسة سينيكا فالي بميريلاند.
وعندما بلغت عامها الـ 18 شهدت حياتها تغيرا جذريا، إذ “نذرت نفسها للرب، وكرست وقتها لتقديم العظات للمجتمع المسيحي في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم”.وعلى موقعها على الإنترنت، تقول سيرتها الذاتية إنها أثرت في حياة الناس في أكثر من 120 بلدا.
وقادت وايت العديد من الصلوات والأنشطة الدينية في الولايات المتحدة، وعرفت بتقديم العظات الدينية على شاشات التلفزيون، وتحدثت عنها الصحف في مناسبات مختلفة.
في عام 2017، تم تعيينها رئيسة للمجلس الاستشاري الإنجيلي للرئيس دونالد ترامب، وقبل أسابيع أصدر قرارا بترقيتها إلى منصب مستشارة الإيمان ودعم الفرص.
ويرمي ترامب من خلال تعيينها في هذا المنصب إلى إعطاء زخم أكبر للمجموعات الدينية داخل البيت الأبيض ودعم البرامج الحكومية المتعلقة بحرية التدين ومحاربة الفقر.
هذه الوظيفة تجعلها تجلس إلى جانب الرئيس في اجتماعات البيت الأبيض، ومن شأن قربها منه أن يبعث رسالة مفادها أنه يضمن دعم الإنجيليين له في الانتخابات الرئاسية المقررة في نهاية العام المقبل.
وكمسؤولة ارتباط، سهلت وايت العديد من اللقاءات بين القساوسة المحافظين ومسؤولي البيت الأبيض لطمأنتهم بأن الرئيس مستمر في التعاطي بإيجابية مع اهتماماتهم وقضاياهم.
ووفق خبراء، فإن الدور المهيمن لوايت يختلف عن الأدوار التي لعبها مستشارو الشأن الديني للرؤساء الأميركيين السابقين.
وتقول أستاذة التاريخ المسيحي في مدرسة ديوك ديفينيتي إنها لم تخمن أبدا أن باولا وايت يمكن أن تقوم بدور المستشار الديني للرئيس الأميركي.ويرى مراقبون أن ترقية وايت تلحق أذى بالمجتمع المسيحي بقدر لا يقل عن الضرر الذي ألحقه ترامب بسمعة الحزب الجمهوري.
وتعيش وايت في قصر فخم وتظهر في العديد من الصور ترتدي الفساتين القصيرة وأحذية الكعب العالي، في حين يتهمها المتدينون بالابتداع.
وأساس الاتهام بالبدعة هو أن الواعظة الخمسينية تعتنق مذهب “إنجيل الرخاء” الذي يحث على تكوين الثروة والسعي للسلطة، بينما يقول بعض رجال الدين إنه مختلق ودخيل على التعاليم المسيحية.
ووفق هؤلاء، فإنه لا يختلف عن أي معتقد يبرر الاسترقاق من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي، بينما تعاليم المسيح عليه السلام “تركز على الاهتمام بالفقراء والمرضى والغرباء”.
في المقابل فإن جاذبيتها لدى بعض المسيحيين قد تساعد ترامب في الوصول لتيارات من المتدينين الذين يمانعون دعمه.وفي مارس/آذار الماضي رتبت لقاء في البيت الأبيض بين مايك بنس نائب الرئيس و100 من قادة الطوائف والقساوسة ذوي الأصول الإسبانية.
ويضم المؤتمر القومي للقادة المسيحيين من أصل إسباني أكثر من 40 ألف تجمع إنجيلي، مما يعكس الأهمية السياسية للدور الذي تلعبه وايت.
وفي مقابلة أجرتها معها مؤخرا “نيويورك بوست”، قالت وايت إن الرئيس ليس قلقا من محاولة عزله في تحقيقات مجلس النواب، وأكدت أن قاعدته الشعبية تبدو الآن أكثر تحمسا لإعادة انتخابه من أي وقت مضى.