انتشرت موجة من الانتقادات والهجمات ضد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعد نشر قناة الجزيرة لتصريحات له خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن.
هذه التصريحات تم تحريفها بشكل متعمد من قبل القناة، ما أدى إلى حالة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم اتهام الملك عبد الله بموافقة الأردن على توطين الفلسطينيين في أراضيها والتهجير من غزة إلى الأردن ومصر.
لكن الحقيقة تظهر أن الملك عبد الله كان قد أكد رفض الأردن ومصر لخطة التهجير، وأوضح موقفه الثابت في دعم حل الدولتين.
يبدو ان هناك حملة اعلامية واسعة تستهدف الأردن في وقت حساس في ظل تصاعد الأوضاع في فلسطين، بات من الواضح أن هناك محاولات لتقويض استقرار المملكة عبر تسليط الضوء على التصريحات والأحداث بشكل مضلل.
بعد التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، ظهر المخطط الذي يحاول البعض ترويجه، والذي يتعلق بتحويل الأردن إلى “وطن بديل” للفلسطينيين، وهو مشروع ترفضه الحكومة الأردنية تماما.
لكن في الوقت نفسه، تقود بعض الجهات الإعلامية مثل قناة الجزيرة حملة تضليلية قد تساهم في تنفيذ هذا المخطط عبر اظهار ملك الأردن عبد الله الثاني بمظهر الباع مما يؤي إلى اشعال الشارع الأردني ومن ثم سقوط الأردن في فوضى قد تؤدي إلى اسقاط النظام الملكي والتي معها يفتح الطريق أمام تأسيس دولة فلسطينية على انقاض المملكة الاردنية الهاشمية، الذي بدأ يتبلور تحت غطاء من التصريحات المشوه والتلاعب الإعلامي.
تحريف تصريحات الملك عبد الله:
قناة الجزيرة نشرت تصريحات الملك عبد الله الثاني بشكل “متجزئ” وبدون سياق كامل، مما جعل الجمهور العربي، وخاصة الشعب الأردني، يعتقد أن العاهل الأردني يوافق على خطة تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى الأردن ومصر.
هذا التلاعب الإعلامي أثار غضبا واسعا في الشارع الأردني وأدى إلى تصعيد الهجوم ضد الملك عبد الله، حيث تم اتهامه بـ”الخيانة” و”البيع” للقضية الفلسطينية.
الحقيقة وراء تصريحات الملك عبد الله:
على الرغم من الصورة المغلوطة التي تم ترويجها، فإن الحقيقة التي أكدها الملك عبد الله خلال لقائه مع ترامب هي أن الأردن ومصر يرفضان تماما خطة تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى أراضيهما.
الملك عبد الله شدد على ضرورة إعادة إعمار غزة وتأسيس دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين، وهو الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة. هذا الموقف يعكس التزام الأردن بالقضية الفلسطينية ودعمه الثابت لحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
دور قناة الجزيرة والإخوان في إشعال الفوضى:
من خلال هذه الحملة الإعلامية، يبدو أن قناة الجزيرة وجماعة الإخوان المسلمين تسعى لتواصل مخططها لاسقاط النظام الملكي في الأردن والذي بدء منذ 2011.
المخطط عبر إظهار الملك عبد الله الثاني بمظهر “الخائن” والبائع” يهدف إلى إشعال الشارع الأردني ومن ثم السقوط في “فخ” اسقاط النظام الملكي والدولة الأردنية وفتح الطريق إلى تحقيق مشروع رئيس الوزارء الإسرائيلي بتحول “الأردن” كوطن بدل للفلسطينيين.
ما يحدث اليوم من حملة إعلامية مغرضة ضد الملك عبد الله الثاني هو جزء من مؤامرة تهدف إلى إضعاف الأردن وتحويله إلى دولة فلسطينية على حساب استقراره ونظامه الملكي.
خطة نتنياهو: “الأردن الوطن البديل”
التغطية الاعلامية لقناة الحزيرة تتقاطع بشكل أو بأخر مع المخطط الاسرائليي تجاه الاردن وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن كـ”وطن بديل”.
وبعد تصعيد الأوضاع في غزة في أكتوبر 2023، عادت فكرة نتنياهو إلى جعل الأردن “وطنا بديلا” للفلسطينيين تتزايد.
وتصاعد الحديث الإسرائيلي بشأن احتمال ضم الضفة الغربية وما يتبعه من استراتيجيات متمثلة في الضغط على الأردن لتحمل العبء الفلسطيني، الأمر الذي يثير قلقا عميقا داخل المملكة.
تصريحات مثل تلك التي أطلقها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تضع الأردن في موضع حرج، حيث تتزايد المخاوف من أن تتنصل إسرائيل من أي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية حقيقية.
إن احتمال ضم إسرائيل للضفة الغربية، وهي الفكرة التي يتداولها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل متزايد داخل حكومته، من شأنه أن يشكل تهديدا خاصا للأردن.
كما أقر الكنيست الإسرائيلي قانونا في يوليو 2024 يحظر إنشاء دولة فلسطينية، كان هذا أمرا مثيرا للقلق الشديد بالنسبة للأردن، الذي استند في استعداده للتعاون مع إسرائيل على فرضية أن مثل هذه الدولة ستوجد في نهاية المطاف.
كانت الحكومات الإسرائيلية مستعدة في السابق للادعاء بأنها ستنظر في إنشاء دولة فلسطينية في تاريخ مستقبلي غير محدد، ومع ذلك، في ظل الحكومة اليمينية التي وصلت إلى السلطة في أواخر عام 2022 وخاصة منذ 7 أكتوبر، رفضت إسرائيل هذا المسار صراحة.
لقد كانت فكرة الأردن كـ “الوطن البديل” أو “الوطن البديل” بالنسبة للفلسطينيين بمثابة خط أحمر بالنسبة للحكومة الأردنية منذ فترة طويلة.
حماس ودولة فلسطينية في الأردن
ولقد تزايدت الضغوط السياسية على الحكومة الأردنية بشكل ملحوظ بعد السابع من أكتوبر2023 والتدخل العسكري الإسرائيلي في غزة.
فقد احتج العديد من الأردنيين ــ من أصل فلسطيني وكذلك من أصول أردنية كاملة ــ على تصرفات إسرائيل وطالبوا حكومتهم ببذل المزيد من الجهود لدعم فلسطين.
وبعد السابع من أكتوبر، دعا خالد مشعل، رئيس حركة حماس السابق المقيم في الدوحة، الأردنيين علنا قائلا: “يا قبائل الأردن، يا أبناء الأردن، يا إخوة وأخوات الأردن… هذه لحظة الحقيقة والحدود قريبة منكم، وأنتم جميعا تعرفون مسؤوليتكم”.
ولقد استجاب العديد من الأردنيين لدعوة مشعل. ففي الثامن من سبتمبر 2024، أطلق سائق شاحنة أردني النار بالقرب من جسر الملك حسين/اللنبي، وهو المعبر الحدودي بين الأردن والضفة الغربية، فقتل ثلاثة إسرائيليين.
ولاحظ المعلقون أن الرجل لم يكن من أصل فلسطيني، بل من قبيلة الحويطات القوية في جنوب الأردن، والتي كانت لفترة طويلة معقلا لدعم النظام الملكي الأردني.
وقد أشار العديد من المشاركين في المقابلات إلى أن المعارضة للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة تجاوزت الانقسام الأساسي في المجتمع الأردني، وهو الانقسام بين الأردنيين من أصل فلسطيني وأولئك الذين عاشوا تاريخيا في الأراضي الأردنية.
والآن يتساءل العديد من الأردنيين عما إذا كانت إسرائيل لا تهدف فقط إلى منع إنشاء دولة فلسطينية، بل وأيضا إلى إحياء فكرة أن الأردن هو فلسطين ــ وهي الفكرة التي ترفضها الحكومة الأردنية رفضا قاطعا.
وأوضح مروان المعشر، وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء السابق، كيف أدت تصرفات إسرائيل إلى تغيير جذري في العلاقة بين إسرائيل والأردن.
وقال إن هناك الآن نقاشا في الأردن، متسائلا “ما إذا كان الهدف الحقيقي لإسرائيل ليس فقط منع إنشاء دولة فلسطينية، بل إحياء فكرة الأردن كفلسطين”.
ولقد لعب المعشر، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، دورا فعالا في إرساء معاهدة السلام، كما عمل كأول سفير للأردن لدى إسرائيل.
وأشار عناني، وهو وزير خارجية سابق آخر، إلى أن إسرائيل حاولت بالفعل جعل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية لا تطاق: “ولكنهم لم ينجحوا، فما هو الشيء التالي الذي سيفعلونه؟ وضعهم في شاحنات ودفعهم إلى الخارج”.واعترف بأن هذا سيكون بمثابة جريمة حرب.