لا تتوقف قرارات وتصريحات ترامب المثيرة عن الصدور بشكل يومي، وكان آخرها اللقاء المرتقب بينه وبين بوتين من أجل وقف الحرب في أوكرانيا، تلك الخطوة التي وصفتها أطراف أوروبية منزعجة بأنها خيانة في أرض الحرم بدلا من الفاتيكان!
وأعلن ترامب أنه سيعقد اجتماعه الأول مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السعودية، في إطار مساعيه لوضع حد للغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض “سنلتقي في السعودية”، وذلك بعد ساعات من مكالمة هاتفية مع بوتين اتفقا خلالها على إطلاق مفاوضات سلام حول أوكرانيا، تلاه اتصال بالرئيس الأوكراني.
وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيلعب دورا في المناقشات، وقال إن موعد هذا الاجتماع “لم يتم تحديده”، لكنه أشار إلى أنه قد يكون “في المستقبل غير البعيد”.
إعلان ترامب عن نيته لقاء بوتين في السعودية أثار اهتمامًا واسعًا، نظرًا لأهمية المملكة العربية السعودية كوسيط دبلوماسي في العديد من النزاعات الإقليمية والدولية.
وفجرت تصريحات سابقة قالها “ترامب” عند سؤال الصحفيين له في اثناء توقيعه على مراسيم رئاسية كان قد وعد بها أثناء حملته الانتخابية، جدلا واسع النطاق على جميع منصات مواقع التواصل الاجتماعي، ما بين منتقد ومتعجب ومستهزئ، حول من ستكون وجهته زيارته الخارجية الأولى “بريطانيا” ام “المملكة العربية السعودية”.
وبما ان عقليته التجارية دائمآ تطغى على توزان أي زيارة يقوم بها في منظور الربح والخسارة وليس الدبلوماسية، فقد قالها صراحة للصحفيين :”لقد قمنا بعمل جيد للسعوديين وولي العهد، فإذا كان شراء منتجات امريكية بقيمة 600 مليار دولار فإن المملكة السعودية ستكون وجهتي الاولى، وسوف اطلب ان ترتفع قيمة المبلغ إلى تريليون دولار”.
ومن منظور هذا التصريح الحاد وليس من منظور الدبلوماسية والعلاقات الثنائية المتوازنة بين البلدين, فأن عقلية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عام 2017 غير عقليته عام 2025، فهناك فرق بين الزيارة الاولى للرئيس “ترامب” التي كان من خلالها يسعى جاهدا ويطمح من خلالها ولي العهد بأن لا يكون هناك أي رفض دولي خارجي على تنصيبه، وبالأخص بعد مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” لذا كانت الفاتورة في حينها التي قدمتها المملكة تبلغ 350 مليار دولار.
ولكن اليوم تختلف السردية جملة وتفصيلا عن عقلية وتفكير ولي العهد عن سابقتها، وبالأخص بعد أن ثبت أركان سلطة حكمه وبانه اصبح مرشح قوي لخلافة والده بعد أن أزاح كل من يعترض طريقه ليصبح الملك القادم المنشود للمملكة!
ويرى المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، جوناثان واتشيل، أن اختيار السعودية كمكان للقاء يعكس “تغيرًا في طبيعة الوساطة الدولية، حيث أصبحت الرياض لاعبًا رئيسيًا في الدبلوماسية العالمية”.
وأضاف واتشيل: “هناك اعتقاد متزايد بأن إدارة ترامب، في حال عودتها للبيت الأبيض، ستتبنى نهجًا جديدًا في التعامل مع روسيا، وهو ما قد يكون مغايرًا تمامًا لسياسات إدارة بايدن”.
من جانبه، لم يكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعيدًا عن هذه التطورات، إذ أكد أنه أجرى محادثة مع ترامب حول فرص تحقيق السلام، مشيرًا إلى أنهما اتفقا على “المحافظة على الاتصالات والتخطيط للقاءات قادمة”.
لكن في المقابل، يواجه زيلينسكي تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذا المسار الجديد، خصوصًا في ظل الدعم الأميركي المستمر لكييف، والذي بدأ يتراجع نتيجة الإرهاق الاقتصادي والسياسي الذي تشعر به الولايات المتحدة وأوروبا.
يعلق واتشيل على ذلك بالقول: “لقد مضى أكثر من 3 سنوات على الحرب الروسية الأوكرانية، والتكلفة البشرية والمادية باتت هائلة. هناك رغبة أميركية وأوروبية واضحة في إنهاء هذا النزاع، لكن السؤال الأهم: بأي ثمن؟”.
وبدت ألمانيا، ثاني أكبر مساهم في المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد واشنطن، منزعجة بشدة من الموقف الأمريكي الجديد.
وقال المستشارالألماني أولاف شولتس الخميس إنه يرفض “سلاما مفروضا” على أوكرانيا، كما انتقد وزير دفاعه بوريس بيستوريوس أسلوب ترامب.
وصرح بيستوريوس للصحافيين إنه “من المؤسف” أن يقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “تنازلات” لفلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا “حتى قبل أن تبدأ المفاوضات”.
أما مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس فقد أكدت الخميس أن أي اتفاق بشأن أوكرانيا يتم التوصل إليه من دون إشراك الاتحاد الأوروبي سيفشل، فيما انتقدت مسارعة واشنطن لتقديم تنازلات لموسكو.
وكانت الولايات المتحدة قد أشارت إلى أن فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ليست واقعية، وكذلك عودتها إلى حدودها قبل عام 2014، أي مع شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو.
وما يزيد من قلق الأوروبيين، مسارعة المسؤولين الروس إلى إظهار رضاهم عن هذه التطورات، تماما مثل المسؤولين الصينيين.
وقال السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف “أنا متأكد من أن الناس في كييف وبروكسل وباريس ولندن يقرؤون برعب التعليق الطويل الذي أدلى به ترامب حول محادثته مع بوتين ولا يستطيعون تصديق أعينهم”.
إلا أن تصريحات الرئيس الأمريكي أثارت انتقادات أيضا في الولايات المتحدة، بينها ما صدرعن مستشار الأمن القومي السابق خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى جون بولتون.
الذي كتب عبر منصة إكس “من غيرالمعقول أن نسمح لروسيا بتقويض سيادة أوكرانيا (…)، ثم خيانة الأوكرانيين بالتنازل عن أراضيهم وعن ضمانات أمنهم أو عضويتهم في حلف شمال الأطلسي. ومن خلال تقديم هذه التنازلات وغيرها قبل بدء المفاوضات، استسلم ترامب فعليا لبوتين”.
فيما قالت الصين، الشريك والداعم الموضوعي لروسيا، إنها “سعيدة برؤية” واشنطن وموسكو “تعززان التواصل” بينهما.
وزيرالدفاع الأمريكي حاول دحض الشكوك والانتقادات، مؤكدا الخميس أن دونالد ترامب هو”أفضل مفاوض على هذا الكوكب” والوحيد القادر على ضمان سلام “دائم” في أوكرانيا.
لكن هذا المسعى لم يثنِ دولا أوروبية عدة عن التشديد على ضرورة إشراك أوكرانيا في أي مفاوضات، وعلى أن تكون أوروبا حاضرة على طاولة المناقشات المستقبلية.
وحذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته بأن أوكرانيا يجب أن “تشارك بشكل وثيق” في أي مفاوضات سلام وأن أي اتفاق يجب أن يكون “مستداما”.
من جهته، صرح وزيرالدفاع البريطاني جون هيلي “لا يمكن إجراء مفاوضات بشأن أوكرانيا من دون أوكرانيا”، في تصريح ينسجم مع مواقف أدلت بها الخارجية الفرنسية في باريس الأربعاء.
وزيرالدفاع السويدي بال جونسون صرح من جهته “من الطبيعي تماما بالنسبة إلينا، كحلفاء أوروبيين، أن نشارك في هذه المناقشات”.
مضيفا “قدمنا العام الماضي نحو 60 % من الدعم العسكري لأوكرانيا”.بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح من واجب الأوروبيين توفيرالجزء الأكبرمن هذا الدعم لأوكرانيا.
وسيكون من مسؤوليتهم تنفيذ ضمانات أمنية “قوية” لها، من دون الاعتماد على وجود قوات أمريكية على الأراضي الأوكرانية.
إعلان الإطلاق “الفوري” لمفاوضات السلام بشأن أوكرانيا والخطاب الواضح لوزيرالدفاع الأمريكي الجديد الذي طالب فيه الأوروبيين بتولي زمام المبادرة، كان له وقع صاعق في مقرالحلف في بروكسل.
أما وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو قال إن “هذه لحظة حقيقة كبرى” بالنسبة إلى مستقبل حلف شمال الأطلسي.
مضيفا “يقولون إنه التحالف العسكري الأهم والأكثر قوة في التاريخ. هذا صحيح تاريخيا، لكن السؤال الحقيقي هو: هل سيبقى كذلك بعد 10 أو 15 عاما؟”
ورأى سيباستيان مايار من معهد جاك دولور أن أوروبا يجب أن تتفاعل بسرعة وبقوة مع هذه التطورات.
إذ نشرعلى منصة “إكس” إنه من غير المقبول بالنسبة إلى الأوروبيين أن يُبرَم اتفاق مع بوتين بشأن أوكرانيا من دون أن يكونوا جالسين إلى طاولة المفاوضات، وأن يشتروا الأسلحة مع مواجهة زيادات في التعرفات الجمركية، وأن يضمنوا وحدهم أمن أوكرانيا وإعادة إعمارها، ويتعين عليهم أن يستجمعوا قواهم على الفور!”.
ويبقى السؤال الذي ينتظر الجميع إجابته وما يزال مبهم، هل ما يزال ينظر الرئيس “ترامب” بأن السعودية تبقى بالنسبة إليه ليس شريك تجاري واقتصادي يعتمد عليه، وإنما شريك مستهلك فقط للمنتجات الامريكية أو كـ”بقرة حلوب” لغرض ادامة عمل المصانع الامريكية، بالاخص مصانع المنتجات والمعدات العسكرية وحتى ولو لم يقلها صراحة ولكن افعاله وطريقة كلامه تبين وتذهب بنا بهذا الاتجاه دوما.