يقول المثل العربي “جاء يكحلها فعماها”، هكذا ومن فرط حماسته لفرض التهجير على أهل غزة، أقر وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش بأنهم مهجرون من مدن فلسطينية قبل قيام إسرائيل في 1948، ويقول : “75 بالمئة من سكان غزة غزة ليست وطنهم. هل تعرفين ما هو وطنهم؟ حيفا طبريا عكا يافا. هؤلاء هم السكان اللاجئون من 48!”.
وتوصلت حماس وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، عارضه قادة اليمين الإسرائيلي، حيث أدى لانسحاب وزراء حزب “القوة اليهودية”، الذي يتزعمه إيتمار بن غفير، فيما لوَّح زعيم “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الحكومة.
ويواصل اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، التي يقودها بنيامين نتنياهو تحركاته السرّية وخططه من أجل إفشال وقف إطلاق النار مع حركة حماس في قطاع غزة .
ويتبع اليمين الإسرائيلي مسارات عدة أبرزها تحميل قادة الجيش الإسرائيلي المسؤولية عن الفشل في تحقيق أهداف الحرب وبهجوم “7 أكتوبر”، والضغط على نتنياهو من أجل استئناف القتال بعد عودة الرهائن والمحتجزين، والتلويح بإمكانية إسقاط الحكومة في حال لم يحدث ذلك.
ويمثل اليمين المتطرف الذي ينتمي إليه سموتريتش كافة التيارات الدينية داخل الحركة الصهيونية، حيث يعتبر عرّاب المشروع الاستيطاني في فلسطين التاريخية والركن الداعم لإسرائيل كدولة يهودية.
ويعتمد المنطلق الأيديولوجي والفكري للصهيونية الدينية على “التوراة” كأساس يمنح اليهود “الحق” في إقامة وطن قومي بفلسطين، وذلك على عكس التيارات الدينية اليهودية الأخرى التي ترى أن قيام “إسرائيل اليهودية” يتحقق فقط بمجيء “المخلّص”.
وبالإضافة إلى الأيديولوجية التوراتية، يستند أتباع الصهيونية الدينية إلى مواعظ الحاخامات والفكر المتأصل الذي يخرج من المدارس والمراكز الدينية اليهودية المنتشرة بالضفة والقدس، وهو الفكر الذي يغذي الاستيطان هناك.
وعبر سموتريتش، عن دعمه لتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي توعّد بـ”فتح الجحيم” يوم السبت المقبل، مانحاً حماس مهلة حددها بالساعة 12 ظهراً من اليوم ذاته لإطلاق سراح المحتجزين في غزة.
ووفقا لما قاله سموتريتش، فإن “الرئيس ترامب حدّد أن إسرائيل بإمكانها، بل عليها، تحديد مهلة واضحة: يعود المحتجزون كلهم دون استثناء حتى السبت المقبل، أو ستفتح أبواب جهنم”.
ودعا، في خطاب ألقاه اليوم خلال المؤتمر السنوي العاشر لمعهد الاستراتيجيا والسياسات الحريدية، إلى “فتح أبواب الجحيم فعليّاً”، موضحاً أن ذلك يكون عبر “قطع الكهرباء والماء ووقف المساعدات الإنسانية”.
وشدد على أن “إسرائيل تحظى بدعم كامل لفعل ذلك”.وتابع سموتريتش أن الطريقة التي ستحفظ المحتجزين هي إبلاغ حماس أنه “إذا حدث مكروه لأي مختطف فسنعلن في اليوم ذاته السيادة الإسرائيلية على 5% من أراضي قطاع غزة، وهكذا 5% وراء أخرى… لدينا دعم كامل لذلك”.
واعتبر الوزير اليميني المتطرف، صاحب “خطة الحسم”، أنه “لا يوجد شيء أكثر إيلاماً من الأرض، فلا تهمهم (الفلسطينيين) مبانٍ مهدمة ولا قتلى- ينبغي جمع كل مواطني القطاع في مكان واحد وإخراجهم نحو مستقبل آخر”.
وأوضح أن تصريحات الرئيس ترامب حول الشرق الأوسط “ليست مجرد كلام في الهواء”، مشيراً إلى أن “إسرائيل بدأت بمناقشة ما طرحه بجديّة. لن تكون هناك حماس في غزة. لن يكون هناك أعداء أو تهديدات”، وفق مزاعمه.
ويعتقد تحالف “الصهيونية الدينية” أن “الشعب اليهودي” ليس عاديا مثل مختلف الشعوب وكما تؤمن “الصهيونية العلمانية” حتى لو انتهت وضعية “الشتات” وعاش حياته في “أرض إسرائيل” وإنما هو “شعب الله المختار الفريد والمقدس”.
وخلافا لـ “الصهيونية العلمانية” التي ترى في “أرض إسرائيل” الوطن الروحي والتاريخي للشعب اليهودي، فإن أحزاب وحركات اليمين المتطرف تتفق على أن “أرض إسرائيل مقدسة اختيرت حتى قبل اختيار الشعب لتشكل جزءا من الميثاق الإلهي بين الرب واليهود عبر توراة إسرائيل” وفق معتقداتها.
كما تعتبر بقاء “أرض إسرائيل” كاملة -في ظل السيادة الإسرائيلية، واستيطانها اليهودي- فريضتين دينيتين لا تقلان عن باقي الفرائض الدينية الأخرى، بل وتتقدمان عليها. ويحظر تأجيلهما باعتبار أن “الخلاص” وإنقاذ الشعب اليهودي قد بدأ مع الجيل الحالي.
وقد أفتى العديد من حاخامات “الصهيونية الدينية” بأن ما يجب أن تقترحه حكومة تل أبيب على الفلسطينيين هو “الرحيل عن “أرض إسرائيل” أو الخضوع المطلق للحكم اليهودي، أو الحرب”.
وقال الخبير في الشأن الإسرائيلي، حاتم أبو زايدة، إن “محاولات الأحزاب اليمينية لإفشال الاتفاق بشأن غزة لن يكتب لها النجاح، في ظل الضغط المتواصل من إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب لتنفيذ كافة البنود”.
وأوضح أن “ترامب والمسؤولين في إدارته لن يسمحوا، في الوقت الحالي، للأحزاب اليمينية بإفشال الاتفاق”، لافتًا إلى أن المصلحة الأمريكية في إتمام كافة البنود، والتحضير لخطط اليوم التالي للحرب.
وأضاف أبو زايدة أن “الأحزاب اليمينية ترغب في تنفيذ مخططاتها المتعلقة بالاستيطان، وفرض السيطرة الأمنية والعسكرية على أراضي الضفة وغزة، وهو الأمر الذي يتعارض بشكل كبير مع الرؤية الأمريكية للمنطقة، وإن كان هناك تقاطع ببعض الخطط”.
وأشار إلى أن “الولايات المتحدة واضحة فيما يتعلق بضرورة استمرار التهدئة، وإتمام تبادل الأسرى والرهائن، وأن تهديدات ترامب السابقة كانت تخص حماس والأحزاب اليمينية التي حاولت منع إتمام الصفقة، ووقف إطلاق النار”.
ولفت أبو زايدة إلى أن “نتنياهو معني بعلاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية الحالية، ما سيدفعه لرفض الضغوط التي يمارسها اليمينيون، والبحث عن حلول بديلة، والتوصل لتفاهمات تمنع انهيار ائتلافه الحكومي، وتعيد بن غفير للحكومة”.
بدوره قال الخبير في الشأن الإسرائيلي، عمر جعارة، إن “عاملين رئيسين يمكن أن يكونا سببًا في انهيار وقف إطلاق النار؛ أولهما خرق حماس للاتفاق، وعدم تنفيذ أي من بنوده، ما يدفع الولايات المتحدة لمنح إسرائيل الضوء الأخضر لاستئناف القتال”.
وأوضح أن “مثل هذا الخيار سيكون صعباً للغاية على الحركة وستتجنّبه، لمنع الصدام مع الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي الذي سيبذل جهدًا من أجل استمرار الحرب حتى إسقاط حماس وجناحها المسلح”.
والأمر الثاني، وفقًا لجعارة، يتمثل في اتخاذ الولايات المتحدة قرارًا بضرورة البدء فعليًا في إسقاط حكم حماس، والاستعداد لليوم التالي للحرب، وهو الأمر المرهون بالإفراج عن جميع الرهائن الأحياء على أقل تقدير.
وزاد: “في الوقت الحالي لن تتمكن الأحزاب اليمينية من إقناع نتنياهو باستئناف القتال في غزة، وبتقديري جميع المحاولات من قبلهم لن يكتب لها النجاح”، مبينًا أن الأولوية، في الوقت الحالي، لحكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية التعامل مع الملف الإيراني وميليشيا الحوثي في اليمن.
وذكر جعارة أنه “من الواضح أن الجهود الأمريكية الإقليمية لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار بجميع مراحله سيكتب لها النجاح، خاصة أن المفاوضات المتعلقة بالمرحلة الثانية للتهدئة بدأت فعليًا وبوقت مبكرة وأسرع من المتوقع”.