في اقتصاد الحرب تصبح مصائب البشر ودمار الحجر مغنماً بالنسبة للناشطين في مجال تهريب البضائع والناس. فكيف ينطبق ذلك على إخراج الفلسطينيين من غزة، ومن يقف وراء هذه العمليات، وكم جنوا من الأموال منذ بداية الحرب حتى الآن؟
بعد وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني، كشفت تقارير إعلامية عن استمرار تحكم الزعيم القبلي ورجل الأعمال المصري إبراهيم العرجاني في دخول المساعدات والشاحنات التجارية إلى قطاع غزة.
وأظهرت التقارير أن شركات تابعة لمجموعة العرجاني تفرض رسومًا باهظة، ما يعقد إيصال الإمدادات الإنسانية اللازمة للفلسطينيين المحاصرين.
وبحسب مصادر فلسطينية ومصرية لـ”المنشر”، تمتلك شركات العرجاني سلطة مطلقة على دخول المساعدات إلى غزة، حيث تتحكم في تحديد الشاحنات التي يسمح لها بالدخول.
بالإضافة إلى فرض رسوم مرتفعة على كل شاحنة مساعدات، وتهميش دور الهلال الأحمر المصري، الذي كان المسؤول الأساسي عن إدارة المساعدات.
وكشفت التقارير أن شركتين تابعتين لمجموعة العرجاني تتحكمان في عمليات إيصال المساعدات، وهما شركة أبناء سيناء والتي تعمل في مجال التجارة والمقاولات، وهي الشركة الرئيسية التي تدير دخول المساعدات والبضائع إلى القطاع.
وشركة Golden Eagle وهي الذراع اللوجستية لأبناء سيناء، والمسؤولة عن نقل البضائع من العريش إلى غزة.
وهذه السيطرة تفتح الباب أمام الفساد والرشاوى، حيث يتم دفع مبالغ مالية إضافية لإعطاء الأولوية لبعض الشاحنات على غيرها، وفقًا لمصادر داخل المعبر.
وأشارت المصادر إلى أن الهلال الأحمر المصري أصبح مجرد هيئة رمزية، بعد أن تم التعاقد مع شركات العرجاني لتولي جميع العمليات اللوجستية داخل معبر رفح ومخازن العريش، مما أدى إلى تعطيل آلاف المتطوعين من الهلال الأحمر، الذين لم يعودوا يشاركون في عمليات التوزيع.
بالإضافة إلى دفع أجور رمزية للمتطوعين، بينما تستحوذ الشركات الخاصة على الأرباح.
وقبل الحرب، كان قطاع غزة يحتاج إلى 500 شاحنة مساعدات يوميًا، لكن بعد بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، انخفض عدد الشاحنات بشكل حاد بسبب الحصار الإسرائيلي.
وبعد وقف إطلاق النار، سعت الأمم المتحدة إلى رفع العدد إلى 600 شاحنة يوميًا، لكن العدد الفعلي ظل أقل بكثير.
وفي خطوة احتجاجية، أعلنت حركة حماس تعليق تسليم الأسرى الإسرائيليين بسبب عدم كفاية المساعدات التي تدخل القطاع.
وفي وقت لاحق، ارتفع عدد الشاحنات الداخلة إلى غزة، حيث سمحت إسرائيل بدخول 801 شاحنة وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).
وكشفت التقارير أن شركة أبناء سيناء تفرض رسومًا غير رسمية تصل إلى 60 ألف دولار على كل شاحنة تجارية تغادر عبر معبري نيتسانا وكرم أبو سالم، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير داخل غزة.
وبحسب مصادر فلسطينية، انخفضت هذه الرسوم بعد وقف إطلاق النار إلى 20 ألف دولار للشاحنة الواحدة، لكنها لا تزال تساهم في ارتفاع أسعار السلع، حيث يضطر التجار إلى دفع مبالغ طائلة مقابل إدخال البضائع الأساسية.
إضافة إلى سيطرتها على نقل البضائع، تحتكر مجموعة العرجاني تجارة السجائر داخل غزة، حيث يتم مصادرة السجائر من الشاحنات التجارية أثناء التفتيش ومنع دخولها إلا عبر قنوات الشركة.
ونتيجة لهذا الاحتكار، ارتفعت أسعار السجائر بشكل غير مسبوق، حيث يباع الصندوق الذي كان سعره 40 ألف جنيه مصري بأكثر من 250 ألف دولار داخل غزة.
إلى جانب الشركة المصرية أبناء سيناء، تسيطر مجموعة العرجاني أيضًا على شاحنات النقل من خلال شركة أخرى تدعى الأقصى، والتي تقدم خدمات النقل مقابل رسوم إضافية، ما جعلها تهيمن على السوق بشكل شبه كامل.
وأدت هذه السياسات إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية، ما زاد من معاناة الفلسطينيين، وتقليل كميات المساعدات الحقيقية، حيث يتم إدخال بضائع غير أساسية مثل الشوكولاتة والمشروبات الغازية بدلًا من المواد الغذائية والطبية الضرورية.وإعاقة جهود إعادة الإعمار، بسبب غياب مواد البناء والمعدات الثقيلة لإزالة الأنقاض.
وتكشف هذه التقارير عن شبكة معقدة من الفساد والاحتكار تتحكم في دخول المساعدات والبضائع إلى غزة، مما يزيد من معاناة السكان المحاصرين.
وسبق للعرجاني في عام 2008، أن أُدخل السجن بعد اختطاف ضباط شرطة انتقاماً لمقتل شقيقه رمياً بالرصاص. وبعد إطلاق سراحه في عام 2010، أنشأ “شركة أبناء سيناء للإنشاءات”، من أجل تأمين طرق الشاحنات عبر شبه الجزيرة، على أساس التحالفات القبلية.
واليوم، تنشط الشركة في توصيل المساعدات إلى قطاع غزة، وسبق أن حصلت على عقد بقيمة 500 مليون دولار من الحكومة المصرية لإعادة بناء غزة عام 2021.