أنشطة تهريب المهاجرين في ليبيا: دراسة معمقة
رصدت ورقة بحثية معمقة نشرها المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس»، تطور أنشطة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر في ليبيا عبر ثلاث مراحل بارزة، بدأت منذ عام 2011 وحتى الوقت الراهن. الورقة التي أعدها الباحث تيم إيتون والباحثة لبنى يوسف، سلطت الضوء على التغيرات الجوهرية التي شهدتها هذه الأنشطة، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراعات المحلية على السلطة، التنافس على الشرعية، والتدخلات الأجنبية في المنطقة.
المرحلة الأولى: 2011 – 2017
امتدت هذه المرحلة بين عامي 2011 و2017، حيث تميزت بتعدد الصراعات المسلحة بين مجموعات مختلفة على السلطة في ليبيا. عقب الإطاحة بمعمر القذافي، شهدت ليبيا فوضى شديدة، مما سمح بازدهار الاقتصاد غير النظامي، وكان تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر أحد مكونات هذا الاقتصاد. خلقت هذه الصراعات علاقات غير مستقرة بين الأطراف المتنازعة، مع تنامي المحسوبية على حساب المؤسسات الرسمية.
المرحلة الثانية: 2017 – 2019
بين عامي 2017 و2019، حدث توسع كبير في أنشطة تهريب المهاجرين، مما جذب اهتمام الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية. كما بدأت السياسات الأوروبية في التأثير على ديناميكيات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، حيث أسفرت هذه السياسات عن دعم تشريعات في النيجر في 2015، مع تعامل أوروبا بشكل مباشر مع السلطات الليبية والجماعات المسلحة لتغيير التدفقات الهجرية.
وتسبب تدخل أوروبا في خلق شبكة واسعة من الجهات الفاعلة الخاصة والعامة المترابطة، مما حول عمليات الهجرة إلى «صناعة»، وزاد من تأثير الجماعات المسلحة المتنافسة على حركة المهاجرين في ليبيا.
المرحلة الثالثة: 2020 حتى الوقت الراهن
منذ عام 2020 وحتى الآن، بدأت ليبيا تشهد مرحلة جديدة من التنظيم في أنشطة تهريب المهاجرين، حيث زادت التعاونات بين الجهات الأمنية من مختلف الأطراف، بما في ذلك في الشرق والغرب الليبي. رغم تدخل المجتمع الدولي، إلا أن هذه الفترة شهدت استمرارًا في استغلال حركة المهاجرين لصالح الجماعات المسلحة، ما أضاف تعقيدًا للأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد.
التحليل الجغرافي: الكفرة وسبها والزاوية
ركزت الورقة على ثلاثة مواقع رئيسية وهي: الكفرة وسبها والزاوية. حيث شهدت هذه المناطق تطورات كبيرة على صعيد أنشطة تهريب المهاجرين:
الكفرة
تقع جنوب ليبيا، وشهدت صراعًا طويلًا بين قبيلتي الزوية والتبو حول السيطرة على المنطقة. رغم التوترات، بدأ الطرفان في التعاون منذ 2013 لإدارة مسارات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. كما يُلاحظ تداخل أنشطة تهريب المهاجرين مع تعدين الذهب في المنطقة.
سبها
تعد نقطة عبور رئيسية للتجارة العابرة للساحل، وتقع المدينة في منطقة صراع مستمر على الحكم بين مختلف الجماعات. وتُعد التجارة غير النظامية، بما في ذلك تهريب المهاجرين، جزءًا أساسيًا من الاقتصاد المحلي، حيث استفادت القبائل المحلية من هذه الأنشطة لتعزيز نفوذها وتوفير الأمن.
الزاوية
تشهد المدينة تحكمًا متزايدًا من المجموعات المسلحة، حيث تستغل هذه الجماعات علاقاتها مع الدولة لتحقيق أرباح ضخمة من تهريب المهاجرين. كما أن العلاقات بين الجماعات المسلحة والدولة تُمكن هذه الشبكات من العمل بشكل شبه قانوني.
اقتصاد الصراع وتهريب المهاجرين
تظهر الورقة البحثية كيف أن اقتصاد الصراع في ليبيا، المرتكز على الأنشطة غير النظامية مثل تهريب المهاجرين، قد أسهم في تعزيز قوة الجماعات المسلحة. إذ أصبح تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر محركًا رئيسيًا للاقتصاد في مناطق مثل الكفرة وسبها والزاوية. وأدى هذا الوضع إلى تزايد تعقيد أزمة الحكم، ما جعل من الصعب تمييز القطاعات الرسمية عن غير الرسمية في البلاد.
التدخلات الأوروبية: فشل في معالجة الأسباب الجذرية
انتقدت الورقة البحثية الجهود الأوروبية للحد من تدفقات الهجرة غير النظامية عبر ليبيا، مؤكدة أن هذه السياسات تركز على معالجة الأعراض فقط ولا تتعامل مع الأسباب الجذرية للأزمة. وقالت الورقة إن سلسلة من الصفقات بين أوروبا والأطراف الليبية أسهمت في تقليل تدفقات الهجرة، لكنها في الوقت ذاته أطالت أمد الصراع في البلاد.
الاستراتيجيات المستقبلية
تشير الورقة إلى ضرورة تطوير نهج شامل لمعالجة أزمة الهجرة غير النظامية في ليبيا. يشمل هذا النهج أدوات سياسية متعددة، مثل تنمية محلية مستدامة وبناء السلام، بالإضافة إلى تعزيز إنفاذ القانون. كما أن التركيز على معالجة أسباب الهجرة، مثل الفقر والصراعات الداخلية، يمكن أن يقلل من الطلب على الهجرة ويحبط أنشطة الشبكات الإجرامية.