تصاعد الجدل مجدداً في تونس خلال الفترة الأخيرة بشأن ظاهرة الانتحار، فيما أشارت الأرقام إلى ارتفاع عدد الحالات ولاسيما منها التي تتم حرقاً.
وخلال كانون الثاني/يناير عادت ظاهرة الانتحار إلى الارتفاع وشملت محافظات عدة، وكان القائمون بها من فئات عمرية مختلفة وفق إحصاءات غير رسمية.
وتذكّر حوادث الانتحار حرقاً التونسيين بقصة البائع المتجول محمد البوعزيزي الذي أشعل نفسه عام 2010، مطلقا الشرارة الأولى لما صار يعرف لاحقاً بـ”الربيع العربي”.
وفي إحصاءات جديدة كشف عنها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هذا الأسبوع، بلغ عدد حالات الانتحار والمحاولات 12، انتهت في 8 منها بالوفاة وتم إسعاف البقية.
وأكد المرصد في تقريره أن هذه الظاهرة تصاعدت مجدداً بعدما سجّلت تراجعاً ملحوظاً في فترة سابقة.
وأوضح أن القائمين بالفعل الانتحاري في 6 من المحاولات اعتمدوا على إحراق أنفسهم، احتجاجاً على العائلة أو السلطة الأمنية أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فيما تناولت ثلاث تلميذات أدوية في محاولة للانتحار، وقام ثلاثة آخرون بشنق أنفسهم.
ومثّل التلاميذ نصف العدد الذي أقدم على الانتحار خلال كانون الثاني.
ونبّه المرصد إلى ضرورة فتح نقاش واسع حول هذه الظاهرة بعيداً من كل المحرمات، من أجل تفكيكها وإيجاد حلول لها.
وكان تكرار حوادث الانتحار في الفترة الأخيرة، وخصوصاً حرقاً، محل جدال واسع بين الفاعلين السياسيين في تونس.
واختلفت التقييمات بين من رآها ردة فعل على الوضع ومن لم يستبعد وجود أياد خفية تحركها، فيما تعتبر المعارضة أن الوضع العام في البلد كان وراء تكرار هذه الحالات في ظرف قصير، وأصر معارضوهم على وجود جهات تقف وراء التشجيع على هذا الفعل.
وقبل أيام، انتحر شاب أمام أحد المراكز الأمنية في محافظة سوسة وسط تونس بإحراق نفسه بسبب تورطه في قضية استهلاك مخدرات، وأثارت الحادثة التي تم توثيقها في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، اضطرابات ليلية سرعان ما هدأت.
وتؤكد المحللة السياسية أحلام العبدلي، لـ”المنشر”، أن ظاهرة الانتحار ليست جديدةً في تونس خصوصاً بعد حوادث 2011 وإسقاط نظام زين العابدين بن علي.
وتعتبر أنه لا يمكن قراءة هذه الحوادث أو ربطها بالتطورات السياسية في تونس، لافتة إلى أن “المعارضة تحاول اصطياد خصومها السياسيين عبر توظيف هذه الظاهرة، في حين أن لا علاقة لها بالوضع السياسي”.
وتشدد على أنها “تظل ردة فعل يائسة لأصحابها على أوضاع وظروف معينة عاشوها”.
وتشير إلى أن “الأوضاع السياسية كانت أكثر سوءاً في فترة حكم المنظومة السابقة، في حين تتجه حالياً نحو الاستقرار، مع تأكيد السلطة أن أولوياتها في الوقت الحالي هي معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية بعد الانتهاء من مرحلة البناء السياسي”.
وتقول إن “هناك عوامل عدة تقف وراء هذه الظاهرة، بينها نفسية واجتماعية”، لافتة إلى أن “استهلاك المخدرات قد يكون من الأسباب في حالات محدودة”.
وتدعو العبدلي إلى تسليط الضوء على الظاهرة ودراستها سوسيولوجيا، خصوصاً في المحافظات التي تسجل فيها نسب عالية كما تكشف الأرقام.