رأى محللون سياسيون غربيون أن اجتماع باريس حول ، الذي جرى في قصر الإليزيه، كشف عن انقسامات عميقة داخل الاتحاد الأوروبي.
واعتبروا أن المفاوضات شابتها موجة استياء ورفض من بعض الدول التي شعرت بأنها مستبعدة من النقاشات حول مستقبل الأزمة الأوكرانية.
ثلاثة أعوام قلبت المشهد رأساً على عقب. حين كانت الولايات المتحدة تتحاور مع روسيا في كانون الثاني (يناير) 2022 بشأن العمل على تفادي غزو أوكرانيا وتعزيز الأمن الأوروبي، حضر الأوروبيون الاجتماعات.
كان الأمر بديهياً حينها. لن تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها التاريخيين، بالأخص ليس في عهد الرئيس جو بايدن.
كانت انطلاقة ولايته نقطة أمل بالنسبة إلى الأوروبيين بعد ولاية سلفه، بالرغم من تلبّد سمائهم بالغيوم. الغيوم اليوم تحولت إلى عاصفة. لكن الأرصاد السياسية، بخاصة الفرنسية، حذرت طويلاً من ذلك.
تتفاوض الولايات المتحدة وروسيا على أمن أوروبا وإنهاء حرب أوكرانيا من دون الأوروبيين.
دفع ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى عقد اجتماع طارئ للقوى الأوروبية البارزة في باريس لتجنب الأسوأ، أو على الأقل، لوضع الأسس اللازمة لتجنب الأسوأ.
إلى جانب ماكرون، حضر قادة ألمانيا وهولندا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا والمملكة المتحدة والدنمارك والناتو والاتحاد الأوروبي. وصفت “الفيغارو” القمة بأنها “خطة معركة”.
قبل فترة قصيرة من الاجتماع، قال الإليزيه إن الرئيس الفرنسي تحدث مع نظيره الأميركي دونالد ترامب لكنه لم يكشف تفاصيل عن المحادثة.
في الولاية الأولى لترامب، كانت العلاقة بين الرئيسين إيجابية. انفتح ماكرون سريعاً على ترامب ودعاه إلى زيارة فرنسا في تموز (يوليو) 2017 وقد لبى ترامب الدعوة.
أشارت تقارير في ذلك الحين إلى أن ماكرون تقصد أن تكون الزيارة في الصيف بسبب عطلة الفرنسيين، مما جنب ترامب احتجاجات مناهضة له.
ودعا ماكرون ترامب إلى افتتاح كنيسة نوتردام بعد إعادة تدشينها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهو اهتمام متجدد بالإبقاء على صلابة العلاقات مع واشنطن، بالرغم من تشاؤمه الطويل المدى حيال ذلك.
نقلت “الفيغارو” عن ديبلوماسي أوروبي قوله إنه “لا يكفي الترافع من أجل حضور المفاوضات، يجب فرض (أنفسنا) لأن لدينا شروطاً وقدرات”. كان للأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته رأي مشابه أيضاً خلال الاجتماع.
وبحسب ما ذكرت “لوموند”، لم يكن استبعاد أوروبا عن المفاوضات هو فقط ما أقلق الأوروبيين، بل أيضاً عدم إطلاعهم على خطة السلام الأميركية.
ركز القادة الأوروبيون على النشر المحتمل لقوات أوروبية في أوكرانيا ورغبتهم بتعزيز إنفاقهم الدفاعي. قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن بلاده “مستعدة لدراسة نشر قوات بريطانية على الأرض، إلى جانب آخرين، إذا كان هناك اتفاقية سلام دائمة”. ووصف ما تعيشه أوروبا حالياً بأنها لحظة تأتي “مرة في كل جيل”.
تلقى فكرة نشر قوات بريطانية في أوكرانيا صدى إيجابياً في الإليزيه، خصوصاً أن ماكرون كان أول من طرح الفكرة من باب حماية أوروبا في حال انهارت الدفاعات الأوكرانية. بالتالي، لم تكن فكرة ستارمر ثورية بالكامل، إذ إن ربطها بالضمانات الأميركية قد لا يريح بعض الأوروبيين. في نهاية المطاف، إذا كان سبب الاجتماع ضعف ضمانات واشنطن الأمنية، فسيكون الاستناد إلى هذه الضمانات لإرسال قوات أوروبية من أجل حفظ السلام مجرد دخول في حلقة مفرغة. وعلى أي حال، نفى وزير الدفاع بيت هيغسيث الأسبوع الماضي مشاركة قوات أميركية ضمن جنود لحفظ السلام في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار.
ربما يكون هناك تفصيل دقيق قد يراهن عليه الأوروبيون: عدم نشر قوات أميركية على الأرض لا يستثني بالضرورة مشاركة أميركية جوية للدفاع عن الجنود الأوروبيين في حال تعرضوا لهجوم روسي. مع ذلك، حتى هذا الافتراض لا يخلو من المشاكل، إذ إن ترامب قد يكون متردداً بالاشتباك مع القوات الروسية خوفاً من التداعيات على السلام العالمي.
وعلى أي حال، ثمة دول في أوروبا ترفض هذه الفكرة، وفي مقدمتها ألمانيا. فقد قال المستشار أولاف شولتس إنه يجب ألا يكون هناك “تقسيم للأمن” مشيراً إلى أنه “مستاء قليلاً” بعد طرح الموضوع الآن. بالتالي، أي فكرة أوروبية في الوقت الراهن عن الانتشار العسكري في أوكرانيا، محصورة في الإطار ما قبل النظري حتى.
ثمة ما هو أهم على المدى القريب: هل ستعود أوروبا إلى المفاوضات حول وقف إطلاق النار في أوكرانيا؟ لم يخرج عن الاجتماع ما يوحي بأن الوضع تغير. “هم بالتأكيد ليسوا أقرب إلى تأمين مقعد في المحادثات بين أميركا وروسيا حول أوكرانيا”، كما كتبت “إيكونوميست” ليل الثلاثاء.
مصدر “التشجيع” الوحيد لدى بعض الذين لبوا دعوة الرئيس الفرنسي هو شكل الاجتماع نفسه، وهو تجمع للاعبين أساسيين قد يكونون قادرين على الدفع باتجاه التقدم، بحسب المجلة.
إذاً، إن دعوات ماكرون السابقة بشأن الاستقلالية الأوروبية تصبح “مقبولة وملحة”.لكن هذا الأمل قد يكون عابراً، أو سابقاً لأوانه.
حتى دول أوروبا الشرقية المتشددة تجاه روسيا مترددة في الانفصال الأمني عن أميركا. كما كتب الوزير البرتغالي الأسبق للشؤون الأوروبية برونو ماسايش، لا تزال أوروبا الشرقية تنظر بمثاليّة مطلقة إلى أميركا، باعتبارها تلك البلاد التي أسقطت الاتحاد السوفياتي.
هي لا تزال تعيش في التسعينات، كما كتب ماسايش الأسبوع الماضي في مجلة “نيو ستيتسمان”.الانتقال دفعة واحدة من سنة 1989 إلى سنة 2025 صعب… ومؤلم.