شهدت المملكة العربية السعودية تحوُّلًا جوهريًا في بنيتها السياسية مع تنصيب الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملكًا للبلاد خلفًا للملك سلمان بن عبدالعزيز، في خطوة تُعتبر تتويجًا لمسارٍ بدأ عام 2017 مع تعيينه وليًا للعهد. جاء هذا التنصيب في ظلِّ تحوُّلاتٍ عميقة تشهدها المملكة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مدعومةً برؤية طموحة تهدف إلى إعادة صياغة موقع السعودية الإقليمي والدولي. تُمثِّل هذه المرحلة نقطة تحوُّلٍ في تاريخ الدولة الحديث، حيث تجتمع عوامل الإرث السياسي مع طموحات الإصلاح الشامل، وسط تحدياتٍ داخلية وخارجية معقَّدة. وقد ترددت أنباء مؤكدة ان تنصيب محمد بن سلمان سيتم خلال ساعات
السياق التاريخي لصعود محمد بن سلمان
التدرج الوظيفي داخل الأسرة الحاكمة
بدأت مسيرة الأمير محمد بن سلمان السياسية بشكلٍ جاد عام 2009 عندما عُيِّن مستشارًا خاصًا لوالده الأمير سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان آنذاك أمير منطقة الرياض. خلال هذه الفترة، برزت قدراته التنظيمية في إدارة الملفات الحساسة، ما مهَّد لتعيينه وزيرًا للدفاع عام 2015، وهو المنصب الذي استغلَّه لقيادة الحملة العسكرية السعودية في اليمن. كانت نقطة التحوُّل الحاسمة في يونيو 2017 عندما أصدر الملك سلمان مرسومًا ملكيًا بإعفاء الأمير محمد بن نايف من منصب ولي العهد، وتعيين محمد بن سلمان بدلًا منه، في خطوةٍ غير مسبوقة اخترقت التقاليد المتعلقة بآليات توريث الحكم.
التحوُّل في آلية توريث الحكم
يكمن الإبداع السياسي في صعود محمد بن سلمان في كسر النموذج التقليدي لتداول السلطة بين أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود. فمنذ تأسيس المملكة عام 1932، حكم أبناء عبدالعزيز بالتسلسل العمري، بينما مثَّل تعيين محمد بن سلمان – الذي ينتمي إلى الجيل الثالث من الأسرة – تحوُّلًا نحو نظام التوريث الرأسي المباشر. عزَّز هذا التغيير من مركزية صنع القرار، حيث تمَّ دمج عددٍ من الهيئات السيادية تحت مظلة مجلس الشؤون السياسية والأمنية الذي يرأسه بن سلمان نفسه.
الركائز الأساسية لحكم الملك الجديد
الرؤية الاقتصادية 2030: محور التحوُّل الاستراتيجي
تشكِّل رؤية 2030 العمود الفقري للسياسات الاقتصادية التي يقودها الملك محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تخفيف الاعتماد على عائدات النفط عبر تنويع مصادر الدخل. وفقًا للخطة، يتمُّ توجيه استثمارات ضخمة نحو قطاعات السياحة والترفيه والطاقة المتجددة، مع طرح حصصٍ من شركة أرامكو العملاقة للاكتتاب العام. تزامن ذلك مع إطلاق مشاريع عملاقة مثل “نيوم” المدينة المستقبلية المتكاملة، والتي تبلغ تكلفتها الاستثمارية 500 مليار دولار، وتهدف إلى جذب الاستثمارات التكنولوجية المتقدمة.
الإصلاحات الاجتماعية: بين التحرير والتقييد
شهد العقد الأخير تحوُّلاتٍ اجتماعية كبيرة، كان أبرزها قرار رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات عام 2018، الذي مثَّل علامةً فارقة في سياسات تمكين المرأة. لكن هذه الإصلاحات اقترنت بتشديد الرقابة على الحريات الفردية عبر أنظمة مثل “الهيئة الرقابية للأمن السيبراني”، ما أثار جدلًا حول مدى التوازن بين الانفتاح الاجتماعي والحفاظ على الهوية المحافظة.










