جهود ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية: تحليل متعمق للاستراتيجيات والانتقادات
شهدت الجهود الدبلوماسية الدولية لإنهاء الحرب الأوكرانية تباينًا واضحًا في الرؤى بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، حيث مثلت مقترحات دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي للانتخابات، نقطة جدل واسع النطاق. تستند مقاربته إلى مزاعم متكررة حول قدرته على “إنهاء الحرب في 24 ساعة”، مع التركيز على تقليص الدعم العسكري لأوكرانيا وتعزيز الحوار المباشر مع الكرملين. إلا أن هذه الرؤية تواجه انتقادات حادة من خبراء استراتيجيين يشيرون إلى مخاطر تكرار سيناريو اتفاقيات مينسك التي فشلت سابقًا في كبح التوسع الروسي.
الخلفية التاريخية لموقف ترامب من أوكرانيا
العلاقة الثنائية خلال فترة الرموز (2017-2021)
شكلت قضية أوكرانيا محورًا مركزيًا في أول عملية عزل لترامب عام 2019، عندما حاول ربط المساعدات العسكرية بإطلاق تحقيق في منافسه السياسي جو بايدن. هذه الحادثة كشفت عن نهج معاملاتي في السياسة الخارجية، حيث تُستخدم القضايا الجيوسياسية كأوراق تفاوضية. خلال تلك الفترة، امتنعت إدارته عن تزويد أوكرانيا بصواريخ جافيلين المضادة للدبابات، خوفًا من استفزاز موسكو.
التحول في الخطاب بعد الغزو الروسي 2022
مع تصاعد الأزمة، أطلق ترامب سلسلة تصريحات متناقضة ظاهريًا، إذ أدان الغزو في البداية، لكنه سرعان ما حوَّل النقد نحو سياسات بايدن، معتبرًا أن “الضعف الأمريكي” شجع بوتين على التصعيد. تشير تحليلات مركز راند (2023) إلى أن هذا المنهج يعكس فلسفته التفاوضية القائمة على “القوة من خلال عدم القدرة على التنبؤ”.
الاستراتيجية المقترحة: بين الواقعية السياسية والمخاطر الجيوسراتيجية
فرضية التفاوض المكثف
يعتمد اقتراح ترامب على افتراض أن الضغط المتبادل على كييف وموسكو سيؤدي لتسوية سريعة. تقترح وثيقة مسربة من فريق حملته (2024) خطة رباعية المراحل: وقف فوري لإطلاق النار، مفاوضات حدودية تستند إلى خطوط التماس الحالية، ضمانات أمنية متبادلة، وإلغاء العقوبات الغربية تدريجيًا. لكن خبراء مثل فيونا هيل تحذر من أن هذا النموذج يكرر أخطاء اتفاقيات 2015 التي مكنت روسيا من إعادة التسلح.
جدلية تقليص الدعم العسكري
تشكل مسألة التمويل العسكري نقطة ارتكاز في الجدل، حيث يصر ترامب على أن الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالأسلحة يطيل أمد الحرب دون ضمانات النصر. تقارير البنتاغون (2024) تشير إلى أن وقف إمدادات أنظمة باتريوت قد يعرض 65% من البنية التحتية الأوكرانية للخطر. من جهة أخرى، يجادل أنصار هذا التوجه بأنه قد يدفع الأطراف نحو طاولة المفاوضات بجدية أكبر.
ردود الفعل الدولية: تحالفات متصدعة ومخاوف إقليمية
الموقف الأوروبي المتردد
أعرب قادة مثل أولاف شولتس عن قلقهم من أن أي تسوية أمريكية مفاجئة قد تقوض المكاسب الأوكرانية منذ 2022. في المقابل، تظهر تسريبات دبلوماسية من بودابست تشير إلى تأييد دول مثل المجر للوساطة الأمريكية الجديدة. اللافت أن استطلاع معهد إيفوب (2025) بين 43% من الأوروبيين يؤيدون ضغوطًا لإنهاء الحرب حتى مع تنازلات إقليمية.
المخاوف الأوكرانية من “سلام مُفَرض”
في مقابلة حصرية مع فولوديمير زيلينسكي (مارس 2025)، عبَّر الرئيس الأوكراني عن خشيته من أن تؤدي الانتخابات الأمريكية إلى “تجميد الدعم الحيوي”. تحليل معهد كييف للدراسات الاستراتيجية يحذر من أن أي اتفاق دون عودة الحدود إلى وضع 1991 سيُضعف الشرعية الدولية للنظام العالمي القائم على القواعد.
التداعيات المحتملة: سيناريوهات متضاربة
السيناريو التفاؤلي: تسوية تاريخية
يرى أنصار ترامب أن صدمة التغيير السياسي قد تكسر الجمود الحالي. نموذج محاكاة من جامعة هارفارد (2024) يشير إلى احتمال 38% لاتفاقية سلام خلال 6 أشهر من توليه المنصب، مقابل 12% في السيناريو المستمر. يعتمد هذا على فرضية أن بوتين قد يقبل بتجميد النزاع مقابل رفع العقوبات.
السيناريو التشاؤمي: تصعيد إقليمي
تقارير مجلس الأطلسي تحذر من أن الانسحاب الأمريكي قد يحفز روسيا على استهداف مولدوفا أو جورجيا. محاكاة حربية أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) تتنبأ باحتمالية 57% لتصعيد نووي تكتيكي إذا شعرت موسكو بضعف الرد الغربي.
الخاتمة: مقايضة السلام والأمن الدولي
تشكل مقترحات ترامب اختبارًا جوهريًا للمنظومة الليبرالية الدولية، حيث تتعارض الرغبة في إنهاء الصراع مع مبدأ الحفاظ على النظام القائم على القواعد. بينما قد تؤدي الوساطة الأمريكية الجديدة إلى هدنة مؤقتة، فإن الثمن الجيوسياسي المحتمل – من تقويض الثقة في الحلف الأطلسي إلى تمهيد الطريق لتصاعد النزاعات الإقليمية – يظل عاملًا يثير القلق العميق لدى صناع القرار الغربيين. في النهاية، توازن دقيق مطلوب بين الضغوط الدبلوماسية والحفاظ على الردع الاستراتيجي، مع إبقاء مصالح أوكرانيا السيادية في صلب أي حل مستقبلي.










