مرتين، داعب البيت الأبيض خيال ماركو روبيو، مرة كرئيس محتمل، ومرة كنائب رئيس. وفي المرتين أحبط واقعٌ اسمه دونالد ترامب آمال السياسي الجمهوري اللاتيني.
وزير خارجية الولايات المتحدة الجديد، ابن مهاجرين كوبيين إلى فلوريدا، يبدو كأنما ولد عام 1971 ليكون سياسياً. خلال سنواته الجامعية في كليّة الحقوق انضمّ كمتدرّب إلى مكتب ممثلة إحدى مقاطعات فلوريدا في مجلس النواب الأميركي، كما تطوع في حملة المرشح الجمهوري بوب دول عام 1996.
بعد ثلاث سنوات فقط، وجد روبيو فرصته في الدخول إلى مجلس النواب في ولايته وهو بعمر 28، ليستمرّ حتى عام 2008. وقد أمضى آخر سنتين من خدمته في المجلس متحدّثاً باسمه، ومعمّقاً حضوره على المستوى الوطني للحزب الجمهوري كأحد الوجوه الجدّية الواعدة.
في عام 2010، خطا روبيو خطوته الكبرى إلى مجلس الشيوخ الأميركي ابناً أميناً للحزب الجمهوري، يطبّق كتاب التعليمات والأعراف التاريخية للطرف المحافظ. وظلّ محسوباً على المعتدلين القادرين على تدوير الزوايا بين الخصوم للوصول إلى اتفاقات عابرة للحزبين.
وكان واحداً من جيش الجمهوريين الذين قرّروا أن يجربوا حظهم في خوض الانتخابات الرئاسية، معلناً ترشّحه في عام 2015.
الباقي الذي نعرفه هو أن تسونامي دونالد ترامب اجتاح كل شيء. لكن ترامب الدخيل في حينه على الحزب، اضطر إلى خوض حرب شرسة مع شاب يصغره بربع قرن تقريباً، محام ومشرع متمرس، وشديد الحماسة لتهشيم خصمه في المناظرات بكلّ ما لديه من أسلحة، شرعية أو محرمة.
لم يكن خطاب ترامب حينها هاجس الديموقراطيين بقدر ما كان هاجس المؤسسة الحزبية الجمهورية التي لم يواجه مرشحوها بعضهم بعضاً بقدر ما واجهوا ترامب، إن بنبش تاريخه الشخصي أو التجاري أو حتى برنامجه الانتخابي الذي جعله يتقدم صاروخياً في استطلاعات الرأي بعيد إعلانه ترشحه.
والنقاش على خشبة المناظرات بين ترامب وروبيو كان يبدأ بتبادل المقاطعة ليصل إلى حدود الخناق بين مراهقين، حيث تبادل الرجلان نعوتاً تتعلق بقصر قامة روبيو، مقابل صغر حجم كفّي ترامب، ثم شكل أذني روبيو، وكمية مساحيق التجميل على وجه ترامب، وإلى آخره، مما وفر مادة لا تنضب للبرامج السياسية الساخرة.
المواجهة بينهما حسمتها فلوريدا نفسها حين أعطت ترامب في الانتخابات التمهيدية ضعفي ما أعطت ابنها نفسه، فأعلن سحب ترشّحه، وبدا عليه أنه يدرس الانسحاب من العمل السياسي برمته بعد إعلانه أنه قد لا يخوض انتخابات مجلس الشيوخ.
لكنه عدل عن عزوفه، وعمل على تصحيح علاقته بكبير الجمهوريين في البيت الأبيض، بعدما صار رئيساً سابقاً ورفيقه في المواطنة في ولاية فلوريدا، واستمر فاعلاً في حملة ترامب العام الفائت، حتى بعدما حرمه منصب نائب الرئيس، فدخل إدارته وزيراً للخارجية أو وزيراً للدولة بحسب التوصيف الأميركي، وهو المنصب الذي غالباً ما شغله مرشّحون مستقبليون لرئاسة البلاد.
ماركو روبيو نال ثقة كل أعضاء الكونغرس في جلسة التصديق على تعيينه وزيراً للخارجية. شرف لم يحظ به بالطبع أي من أعضاء إدارة ترامب الآخرين. والوزير الذي يجول في الشرق الأوسط هذه الأيام يوصف بأنه من صقور السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لا سيما في ما يتعلّق بالصين وفنزويلا وإيران.
ما يعنيه من الأخيرة هو منعها من امتلاك سلاح نووي، وتقويض نفوذها في المنطقة، بخاصة في سوريا ما بعد الأسد وفي لبنان، حيث رأى أن اغتيال إسرائيل أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله “خدمة للإنسانية”.
مع انطلاق الحرب الروسية – الأوكرانية، كان روبيو من أشد الداعمين لكييف، ومدافعاً عن تقديم المساعدات العسكرية لها قبل أن يبدّل موقفه العام الفائت ليصوّت ضد تقديم المساعدات، في ظلّ عدم وجود أفق واضح لإنهاء الصراع.
كوزير في إدارة ترامب، يسوّق روبيو حالياً لخطاب رئيسه بأن المطلوب الآن وضع حد للحرب من خلال لجوء البلدين إلى حلول واقعية تقتضي بالتنازل من الجانبين للوصول إلى اتفاق سلام.
هذه الحرب وغيرها من الملفات المعقّدة العالقة في الشرق الأوسط أولوية للصقر الجمهوري، لكن الملف الأساسي بالنسبة إليه وإلى رئيسه هو الصين، التي يرى أنها مصدر كلّ خطر، بدءاً من المزاحمة التجارية إلى الصناعية فالتكنولوجيا وصولاً إلى الأمن السيبراني. الصين هي امتحان روبيو الأصعب والأكثر تعقيداً أمام رئيسه أولاً، كما على سيرته الذاتية كمرشح أكيد للرئاسة.