التحولات الجذرية في السياسة الأمريكية: تقويض التماسك الداخلي وانزياح التحالفات الخارجية تحت حكم ترامب
في خضم الموجة السياسية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تتعرض الولايات المتحدة لتحولات جذرية تهدد أسس تماسكها الداخلي وموقعها كقوة عظمى على الساحة الدولية. تُجسِّد سياسات ترامب الداخلية والخارجية تحديًا غير مسبوق للمبادئ الدستورية والمؤسسية التي حكمت البلاد لعقود، بينما تُعيد تعريف التحالفات الاستراتيجية وفق معادلات قصيرة المدى تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية. هذا التحليل يستكشف التداعيات العميقة لإدارة ترامب الثانية على المشهدين الداخلي والدولي، مع استشراف مستقبل الإمبراطورية الأمريكية في ظل هذه التحولات.
التفكيك المؤسسي وانزياح الثقة في الديمقراطية الأمريكية
تقويض البنى المؤسسية وتفويض السلطة للقطاع الخاص
تشهد الإدارة الحالية تحولًا جوهريًا في إدارة المؤسسات الفيدرالية، حيث تم تعيين إيلون ماسك على رأس لجنة كفاءة حكومية (DOGE) تهدف إلى “تبسيط” البيروقراطية. لكن هذه الخطوة تتجاوز الإصلاح الإداري لتتحول إلى تفكيك منهجي للضوابط التنظيمية، كما يتضح من إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ونقل صلاحياتها إلى وزارة الخارجية. هذا النهج يعكس فلسفة ترامب القائمة على خصخصة الخدمات العامة، حيث تُدار الوكالات الحكومية كشركات خاصة، مما يهدد بفقدان الشفافية والمساءلة.
الصراع حول السلطة والثروة: تفاقم الاستقطاب الاجتماعي
أدت سياسات خفض الضرائب على الشركات والأثرياء إلى توسيع الفجوة الاقتصادية، حيث ارتفع معدل الثراء الفاحش بينما تراجعت الخدمات الاجتماعية. في المقابل، تصاعدت الاحتجاجات العمالية ضد سياسات إلغاء القيود البيئية وتشريعات العمل، مما أدى إلى تفاقم الاستقطاب الطبقي . تُظهر البيانات أن 1% من السكان يتحكمون بنسبة 40% من الثروة الوطنية، وهو وضع يُغذّي النزاعات الداخلية حول توزيع الموارد.
أزمة الشرعية السياسية وتآكل الثقة في النظام
أثار تعيين موظفين شباب غير مؤهلين في مناصب حساسة، مثل تعيين شخص بعمر 19 عامًا في مكتب إدارة الموظفين، تساؤلات حول كفاءة الإدارة. بالإضافة إلى ذلك، أدت التحقيقات القضائية العشرين الجارية حول انتهاكات إدارة ترامب إلى تآكل ثقة الناخبين في النزاهة المؤسسية. هذه العوامل مجتمعة تُضعف التماسك الاجتماعي وتُهدد الاستقرار السياسي على المدى الطويل.
الانزياح الجيوسياسي: من التحالفات التقليدية إلى الفوضى المُنظَّمة
خيانة الحلفاء التاريخيين وإعادة تشكيل التحالفات
تبنّت إدارة ترامب سياسة “أمريكا أولًا” بشكل متطرف، حيث هددت بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي بلغت 25% على السيارات الألمانية، مما أدى إلى أزمة ثقة مع الحلفاء التقليديين. في الوقت نفسه، شككت الإدارة في جدوى حلف الناتو، وهددت بسحب الدعم العسكري عن الدول التي لا تزيد إنفاقها الدفاعي. هذه الخطوات لا تُضعف التحالفات فحسب، بل تُعيد تشكيل النظام الدولي لصالح قوى منافسة مثل الصين وروسيا.
الشرق الأوسط: من لاعب إلى أداة في الصراع الجيوسياسي
في الشرق الأوسط، حوّلت الإدارة الفلسطينيين إلى ورقة مساومة عبر مقترحات مثل “تهجير سكان غزة” وبناء “ريفيرا الشرق الأدنى”. هذه الخطط، التي رفضتها مصر والأردن بشكل قاطع، تعكس تجاهلًا للحقوق التاريخية وتُعيد إنتاج نكبة 1948 تحت مسميات جديدة. في المقابل، عززت الإدارة التحالف مع إسرائيل عبر دعم ضم الضفة الغربية، مما يُهدد بإشعال موجة عنف جديدة.
إعادة تعريف الدور الأمريكي في النظام الدولي
باتت الولايات المتحدة تتبنى استراتيجية “الفوضى الخلّاقة” عبر سياسات مثل الانسحاب من منظمة الصحة العالمية وتحدي المحكمة الجنائية الدولية. هذا الانزياح من التعددية إلى الأحادية يخلق فراغًا استراتيجيًا تستغله القوى الصاعدة، حيث عززت الصين وجودها في الخليج عبر اتفاقيات الطاقة، بينما تعمق روسيا تحالفاتها مع إيران.
الخاتمة: أمريكا على حافة الهاوية
تُقدم إدارة ترامب نموذجًا استثنائيًا في التاريخ الأمريكي، حيث تجمع بين التفكيك الداخلي للمؤسسات والانزياح الخارجي نحو الفوضى الجيوسياسية. بينما قد تؤدي هذه السياسات إلى مكاسب قصيرة المدى لبعض الفئات، إلا أنها تُهدد الأسس التي قامت عليها الإمبراطورية الأمريكية منذ قرون.











