أزمة ارتفاع أسعار الأدوية في مصر: تداعياتها على المرضى الفقراء والاستجابة الحكومية
شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في أسعار الأدوية، مما شكل عبئًا ثقيلًا على ملايين المرضى، خاصةً الفقراء وأصحاب الأمراض المزمنة. ارتبطت هذه الأزمة بتقلبات الاقتصاد الكلي، وانهيار قيمة الجنيه أمام الدولار، وارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلًا عن تعقيدات تتعلق بسياسات التسعير الحكومية. وفقًا لتقارير حديثة، بلغت نسبة الزيادة في أسعار بعض الأدوية 50% خلال عام 2024، مع توقعات باستمرار الارتفاع في عام 2025 إذا تجاوز سعر الدولار حاجز الـ60 جنيهًا. أدى هذا الوضع إلى تفاقم معاناة المرضى، ودفع العديد منهم إلى اللجوء للسوق السوداء أو التخلي عن العلاج، مما أثار مخاوف صحية واجتماعية عميقة.
السياق الاقتصادي وأسباب ارتفاع الأسعار
تأثير تحرير سعر الصرف على صناعة الدواء
أدت سياسة تحرير سعر الجنيه التي تبنتها الحكومة المصرية بدءًا من عام 2022 إلى ارتفاع تكاليف استيراد المواد الخام، التي تشكل 98% من مدخلات صناعة الدواء المحلية. مع بلوغ سعر الدولار 50 جنيهًا بحلول نهاية 2024، ارتفعت تكلفة الإنتاج بنسبة 60%، مما دفع شركات الأدوية إلى طلب زيادات متتالية في الأسعار. وفقًا لتصريحات الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية، فإن كل زيادة بنسبة 10% في سعر الدولار تؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية بنسبة 15-20%.
هيكل صناعة الدواء واعتمادها على الاستيراد
تعتمد الصناعة الدوائية المصرية بشكل شبه كامل على استيراد المواد الفعالة ومواد التغليف، مما جعلها عرضة للصدمات الخارجية. خلال أزمة نقص العملة الأجنبية عام 2023، تكدست الشحنات في الموانئ، مما أدى إلى انخفاض المعروض من الأدوية بنسبة 40%. حاولت الحكومة التخفيف من هذه الأزمة عبر تسريع عمليات الإفراج الجمركي، لكن التأخير في توفير الدولار أدى إلى تعطيش السوق، خاصةً في أدوية الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط.
سياسات التسعير الحكومية وتأثيرها
تخضع أسعار الأدوية في مصر لرقابة صارمة من هيئة الدواء المصرية، التي تدرس طلبات الزيادة المقدمة من الشركات. خلال عام 2024، وافقت الهيئة على زيادة أسعار 3000 صنف دوائي، مع تركيز الزيادات على الأدوية غير المزمنة والمكملات الغذائية بنسبة وصلت إلى 50%. اتبعت الحكومة خطة “الزيادات المضغوطة” التي تهدف إلى رفع أسعار 100 مستحضر شهريًا حتى نهاية 2025، بهدف تجنب الصدمة الجماعية للمواطنين.
الآثار المباشرة على المرضى
معاناة أصحاب الأمراض المزمنة
يعاني نحو 30% من المصريين من أمراض مزمنة مثل السكري والضغط، وفقًا لإحصائيات وزارة الصحة. مع ارتفاع أسعار الأنسولين من 55 إلى 162 جنيهًا للعبوة، اضطر العديد من المرضى إلى تقليل الجرعات أو الاعتماد على بدائل أقل فاعلية. تقول منال، إحدى الموظفات في التأمين الصحي: “تحول المرضى إلى الأدوية المحلية، لكن حتى أسعارها أصبحت خيالية”.
تفاقم الفقر وتداعياته الصحية
دفعت الأزمة الاقتصادية الطبقة المتوسطة إلى حافة الفقر، حيث فقدت 40% من قدرتها الشرائية بين عامي 2022 و2025. وفقًا لتقرير البنك الدولي، يعيش ثلث المصريين تحت خط الفقر، بينما أصبح ثلث آخر عرضة للانضمام إليهم. أدى ذلك إلى عجز العديد من الأسر عن توفير أدوية أساسية مثل الباراسيتامول، الذي ارتفع سعره من 30 إلى 76 جنيهًا.
ظاهرة التخلي عن العلاج
أظهرت دراسة أجرتها منظمة “أبواب الخير” أن 60% من المرضى الذين يلجأون للمساعدات الإنسانية كانوا قادرين سابقًا على شراء أدويتهم. في حالات مثل السرطان، اضطرت الأسر إلى بيع ممتلكاتهم لتغطية تكاليف العلاج، التي ارتفعت بنسبة 200% بسبب الاعتماد على المستورد.
الاستجابة الحكومية وسياسات التسعير
آليات مراجعة الأسعار
تعتمد هيئة الدواء المصرية على لجان فنية لدراسة طلبات زيادة الأسعار، مع مراعاة البعد الاجتماعي. تُمنح الزيادات بنسب متفاوتة: 25% للأدوية المزمنة، 30% للأدوية الحادة، و50% للمكملات الغذائية. ومع ذلك، تشير تقارير إلى أن هذه النسب لا تعوض سوى 40% من خسائر الشركات، مما يهدد استمرارية الإنتاج.
تعزيز التصنيع المحلي
في محاولة لتقليل الاعتماد على الاستيراد، أطلقت الحكومة مبادرة لدعم تصنيع المواد الفعالة محليًا. تم تخصيص 7 مليارات جنيه لتمويل استيراد المواد الخام، مع إعفاءات ضريبية للشركات التي تزيد نسبة المكون المحلي في منتجاتها. إلا أن خبراء يشككون في جدوى هذه الخطط على المدى القصير، خاصةً مع استمرار نقص العملة الأجنبية.
الخاتمة
أصبحت أزمة ارتفاع أسعار الأدوية في مصر اختبارًا حقيقيًا لسياسات الرعاية الصحية والاقتصاد الكلي. تتطلب الحلول الجذرية إصلاحًا شاملاً لسياسة الدواء، بدءًا من دعم التصنيع المحلي، مرورًا بتحسين كفاءة التوزيع، ووصولًا إلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. في غياب إجراءات عاجلة، قد تتحول الأزمة الحالية إلى كارثة إنسانية تهدد استقرار المجتمع بأسره.