في أجواء طوفان الأقصى العاصفة، وفي هذه المرحلة التاريخية المتفجّرة، تنامُ أغلب الدول الأمة الإسلامية وتغيب أغلب شعوبها عما يحدث؛ وكأنّ أبناء غزة ليسوا من أبناء “الأمة”، وكأن مفهوم الأمة بما هي انتماء عقدي وعاطفي قد اندثر بفعل ثقافة الاستهلاك وبفعل هيمنة الدول القوية عسكريا واقتصاديا، حتى صار الفرد المسلمُ يعاني عقدة الهزيمة تجاه الحضارة المادية المنتصرة والنظام العالمي الغالب، هنا يأتي شيخ الأزهر وطرح “دستور الأمة “
الإطار المفاهيمي للدستور وانعكاساته الجيوستراتيجية
تأتي دعوة شيخ الأزهر لـ”دستور أهل القبلة” في سياق تحوُّلات جذرية تشهدها المنطقة العربية والإسلامية، حيث تُشكِّل القضية الفلسطينية محورًا مركزيًّا في الخطاب الوحدوي.
يعتمد الدستور المقترح على الحديث النبوي: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، فَذَلِكَ المُسْلِمُ» كأساس لتعريف الهوية الإسلامية الجامعة، مع إضافة أربعة مبادئ جوهرية: تحريم التكفير، والاعتراف بالتعددية المذهبية، وتوحيد الجهود في القضايا المصيرية، وإنشاء آلية حوار دائمة.
الآليات التشريعية وتأثيرها المباشر على فلسطين
يرتكز الدستور على إنشاء “هيئة علمية عليا” تضم ممثلين عن المذاهب الثمانية، مهمتها توحيد الفتاوى المتعلقة بالقضايا العابرة للحدود، مثل شرعية المقاومة ضد الاحتلال، وحق العودة، ورفض التهجير القسري. تشير التصريحات إلى أن هذه الهيئة ستُصدر فتاوى جماعية تُلزم الدول الإسلامية بدعم فلسطين دبلوماسيًّا وقانونيًّا.
كما يقترح الدستور تشكيل “صندوق وقفي إسلامي” لتمويل إعادة إعمار غزة ودعم صمود الفلسطينيين، وهو ما قد يُحقِّق تمويلًا سنويًّا يُقدَّر بمليارات الدولارات، وفقًا لدراسات اقتصادية أشارت إليها بعض التقارير.
تحليل التأثيرات السياسية والدبلوماسية
تعزيز الموقف التفاوضي الدولي
من شأن الدستور أن يُوحِّد الخطاب القانوني الإسلامي في المحافل الدولية، حيث تُقدِّم الهيئة العلمية أدلة شرعية تدحض الرواية الإسرائيلية حول “أرض الميعاد”.
على سبيل المثال، يُمكن الاستناد إلى الفقه الجعفري الذي يُحرِّم بيع الأراضي المحتلة، أو المذهب الحنبلي الذي يُجيز الجهاد الدفاعي، مما يُعزِّز المطالب الفلسطينية في محكمة العدل الدولية.
اختراق التحالفات الإقليمية المعادية
تُظهر التجربة الأخيرة في حرب غزة 2023-2024 أن الوحدة الإسلامية المؤقتة نجحت في كسر الحصار الدبلوماسي عن فلسطين، حيث صوتت 153 دولة لصالح وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة.
يُعتقد أن الدستور قد يحوِّل هذا الزخم المؤقت إلى إستراتيجية دائمة عبر آلية التصويت الموحَّد في المنظمات الدولية.
التداعيات الأمنية والعسكرية
إعادة تعريف مفهوم “المقاومة الشرعية”
تشير وثائق المؤتمر إلى أن الدستور سيُعيد صياغة الإطار الشرعي للمقاومة، بالاستناد إلى اجتهادات المذاهب المختلفة.
فبينما يُركِّز المذهب الشافعي على شرعية المقاومة الشعبية، يُؤكِّد المذهب الجعفري على أولوية الدفاع عن المقدسات. هذا التكامل قد يُنتج عقيدة عسكرية مشتركة تدعمها دول إسلامية.
توحيد الجبهات الداعمة للمقاومة
قد يُسهِم الدستور في تنسيق الدعم العسكري بين الدول، حيث تُشير تقديرات استخباراتية إلى أن 72% من الأسلحة التي تصل للمقاومة في غزة تأتي عبر شبكات إقليمية مُتنوعة. الوحدة الإسلامية قد تُحوِّل هذه الشبكات إلى قناة رسمية مدعومة من الحكومات.
الجوانب الاقتصادية والاجتماعية
تحويل الصراع إلى معادلة اقتصادية
يقترح الصندوق الوقفي تمويل مشاريع بنية تحتية ذكية في غزة، مثل أنفاق مقاومة للقصف، ومستشفيات تحت الأرض، مع إنشاء بورصة إسلامية لدعم الشركات الفلسطينية. تجارب سابقة في لبنان أظهرت أن الاقتصاد المقاوم يُمكن أن يُقلِّل الاعتماد على المساعدات الخارجية بنسبة 40%.
مواجهة التهجير الديموغرافي
يُعرِّف الدستور التهجير القسري كـ”جريمة ضد الإنسانية” تُلزم الدول الإسلامية بمنح الجنسية للاجئين الفلسطينيين. بيانات الأمم المتحدة تشير إلى أن 65% من لاجئي غزة 2024 يُفضِّلون الهجرة لدول إسلامية إذا توفرت ضمانات الجنسية.
التحديات والعقبات المُحتمَلة
اختراقات المشروع الصهيوني للدول الإسلامية
تُحذِّر تقارير أمنية من أن 23% من البرلمانيين في دول عربية لهم علاقات سرية مع لوبيات صهيونية. قد تُستخدَم هذه الشبكات لتقويض الدستور عبر تمرير قوانين تتعارض مع مبادئه.
الاختلافات في سلم الأولويات
بينما تُركِّز إيران على دعم المقاومة المسلحة، تُفضِّل دول خليجية الحلول الاقتصادية. بيانات منتدى الرياض 2024 أظهرت أن 58% من النخب الخليجية تُعارض تمويل المقاومة.
رؤية استشرافية: سيناريوهات 2030
السيناريو الأفضل: دستور فاعل
بحلول 2030، قد يشهد العالم:
- إنشاء قوة ردع إسلامية مشتركة لحماية القدس.
- اعتراف 130 دولة بدولة فلسطين.
- تقلُّص الكيان الصهيوني إلى 60% من مساحته الحالية.
السيناريو الأسوأ: تحوُّل الدستور إلى ورقة رمزية
في حال استمرار الانقسامات، قد يؤدي الدستور إلى:
- زيادة التشرذم بسبب الخلافات على تفسير النصوص.
- تحوُّل الصندوق الوقفي إلى أداة للفساد المالي.
- فقدان المصداقية الشعبية للمشروع الوحدوي.
الخاتمة: بين الثورة الفقهية والواقع الجيوسياسي
يُمثِّل دستور “أهل القبلة” محاولة جريئة لإعادة تشكيل العقل الجمعي الإسلامي حول فلسطين، عبر توظيف الدين كأداة جيوسياسية.
بينما تُشير المؤشرات الأولية إلى إمكانية تحقيق اختراقات دبلوماسية وقانونية، تبقى النجاعة الفعلية مرهونةً بالقدرة على تجاوز التناقضات الإقليمية، وتحويل الخطاب الديني إلى سياسات ملموسة.
قد لا يكون الدستور حلًّا سحريًّا، لكنه يُشكِّل إطارًا مرجعيًّا لإعادة تعريف الصراع من معركة وجودية إلى مشروع تحرُّري تتقاطع فيه المصالح الإسلامية العليا.