القرآن كسلاح سردي في الصراع أصبح جزءًا من المعركة الإعلامية الإسرائيلية ضد حركة حماس، حيث تُوظَّف آياته في سياقات مُحرَّفة لخدمة أهداف سياسية وعسكرية. تُظهر التحليلات أن هذا التوظيف يتخذ أشكالاً متعددة: من التبرير الديني للعدوان إلى تشويه صورة الخصم عبر الربط بين أفعاله وتأويلات دينية مُغلوطة.
توظيف الآيات القرآنية في الحرب الإعلامية: إسرائيل وحملة تشويه حماس
أفيخاي أدرعي: هندسة الخطاب الديني لأغراض سياسية
السياق الاستراتيجي للاستشهاد القرآني
يُعتبر أفيخاي أدرعي، المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي باللغة العربية، أحد أبرز مهندسي الحملات الإعلامية الموجهة للجمهور العربي.
بحسب وثائق ويكيليكس، يعتمد أدرعي – الذي ينحدر من أصول يهودية عراقية وتركية – على “الاختراق الثقافي” عبر توظيف المصطلحات الإسلامية بشكل استفزازي. في هجوم كنيس القدس عام 2023، استشهد بآية {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ}، محاولاً إظهار الجيش الإسرائيلي كـ”مدافع عن دور العبادة”، رغم أن السياق القرآني يرفض العدوان بجميع أشكاله.
آلية التشويه: تحويل الضحايا إلى أدلة اتهام
في فبراير 2025، حوَّلت إسرائيل مأساة عائلة بيباس إلى سلاح إعلامي عبر اتهام حماس بقتل الطفلين كفير (9 أشهر) وأرييل (4 سنوات) “بأيدٍ عارية”.
رغم أن تقارير مستقلة تشير إلى أن القصف الإسرائيلي هو السبب، إلا أن الجيش الإسرائيلي نشر صورًا لجثث الأطفال مدعيًا أن “الفحوصات الجنائية” تثبت تعرضهم للتعذيب قبل الوفاة.
اللافت هنا هو استخدام مصطلحات مثل “القتل البارد” التي تستحضر في الوعي الجمعي العربي صور الجرائم الوحشية، مع تجاهل السياق الأوسع للقصف المكثف على غزة.
تفكيك السردية الإسرائيلية: بين التزييف والتناقض
التناقضات في رواية مقتل بيباس
- التوقيت المريب: ادعت إسرائيل أن الوفاة حدثت في نوفمبر 2023، بينما وثَّقت كاميرات حماس تواجد الأطفال أحياءً في ديسمبر 2023.
- الغموض الطبي: لم تُعرض نتائج التشريح الكامل علنًا، واكتفت إسرائيل بالإشارة إلى “معلومات استخبارية” غامضة.
- التلاعب بالجثث: كشفت فحوصات الحمض النووي أن الجثة الثالثة المقدمة ليست للأم شيري، بل لامرأة مجهولة، ما يثير تساؤلات عن مصداقية العملية برمتها.
القرآن كـ”درع أخلاقي” زائف
تعمد الحملات الإسرائيلية ربط أفعال حماس بانتهاك التعاليم الإسلامية، كما في فيديو مُزوَّر عام 2023 يُظهر “رهائن يقرأون القرآن” تبين لاحقًا أنه لشابة ألمانية متعاطفة مع الفلسطينيين. هذه الآلية تهدف إلى:
- تدمير الشرعية الدينية: تصوير المقاومة كخروج على القيم الإسلامية.
- تضليل الرأي العام: تحويل النقاش من جرائم الحرب إلى جدل حول “التطرف الديني”.
الأبعاد الجيوستراتيجية: لماذا الآن؟
التغطية على فشل العمليات العسكرية
تزامنت اتهامات قتل الأطفال مع:
- فشل عملية إنقاذ الرهائن في رفح فبراير 2025.
- تصاعد الاحتجاجات الداخلية المطالبة باستقالة نتنياهو.
بحسب تحليل مركز “ميدل إيست آي”، تعتمد إسرائيل على “الصدمة العاطفية” لتحويل الأنظار عن خسائرها الميدانية.
محاولة كسب التعاطف العربي
يسعى الخطاب الإسرائيلي إلى استغلال التقاليد العربية في حماية الأطفال، عبر:
- الاستعانة بشخصيات عربية: مثل توزيع تصريحات عوفري بيباس (شقيقة والد الأطفال) التي توجه الاتهام مباشرةً لحماس.
- تسييس الدين: استخدام آية {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} بشكل معكوس لتبرير القصف على غزة.
ردود الفعل: بين التضليل والمقاومة الرقمية
الحملات المضادة: فضح التلاعب
- هاشتاغ #إسرائيل_تستهزئ_بالقرآن: انتشر عام 2023 بعد فيديو مزيف لـ”مقاتلي حماس بالمظلات”، وتبين لاحقًا أنه لتدريبات مصرية.
- منصات التحقق: كشفت “صدى سوشيال” عن 3,200 مقطع مُزوَّر خلال 2023 باستخدام تحليل الميتاداتا.
الخطاب الديني الرافض للاستغلال
أصدر علماء مثل يوسف القرضاوي فتاوى تؤكد أن “الجهاد لا يُشرع قتل الأطفال”، بينما دعا الأزهر إلى مقاطعة المحتوى الإسرائيلي المُحرَّف.
القرآن بين التشويه والتحرير
تحوَّل النص المقدس إلى ساحة معركة حيث تُختطف آياته لتبرير القتل، لكن التاريخ يُذكِّرنا أن محاولات تزوير الحقائق تنكشف دائمًا. كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. أمام هذه الحرب السردية، تبرز مهمة إعادة بناء الوعي الجمعي الرافض لاختطاف الدين لخدمة أجندات سياسية دموية.
السياق التاريخي: من “الإسرائيليات” إلى الحرب الرقمية
تعود جذور توظيف النصوص الدينية في الصراع إلى ما يُعرف بـ”الإسرائيليات” – الروايات اليهودية والمسيحية التي دخلت التفاسير الإسلامية. اليوم، تحوَّل هذا التوظيف إلى أداة عصرية عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تُستخدم الآيات القرآنية في ثلاثة مسارات رئيسية:
- التبرير الإلهي للعمليات العسكرية: مثل نشر آية “فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ” (العنكبوت: 14) على منشورات تُلقى على غزة، في إيحاء بأن القصف الإسرائيلي بمثابة “عقاب إلهي”.
- تشويه رمزية المقاومة: كاستخدام قصة “أصحاب الفيل” لتشبيه غارات غزة بـ”عقاب سماوي”، رغم أن السياق القرآني يُدين العدوان لا يبرره.
- الاختراق الثقافي: عبر حسابات مثل “إسرائيل بالعربي” التي تُدوِّن بلسان عربي مُتقن، مستعينةً بآيات لتلميع صورة الجيش.
آليات التوظيف: كيف تُشَوَّه النصوص المقدسة؟
1. الانتقائية السياقية
يتم اقتطاع الآيات من سياقها التاريخي والروحي. مثال ذلك استخدام آية سورة الفيل (105) التي تُذكِّر بهزيمة جيش أبرهة، حيث حوَّلها الخطاب الإسرائيلي إلى تبرير للقصف الجوي، متجاهلاً أن الآية تُدين الظلم بغض النظر عن الجهة.
2. التلفيق البصري
تُزوَّر مقاطع فيديو مثل تداول مشاهد “رهينات يقرأن القرآن” لحماس، والتي اتضح أنها لشابة ألمانية متعاطفة مع القضية الفلسطينية. هذه الممارسات تسعى لتصوير الحركة كمنظمة تُسيء استخدام الرموز الدينية.
3. الاستغلال العاطفي
يُستهدف الجمهور العربي عبر خطاب عاطفي يُظهر إسرائيل كـ”حامية للقيم الدينية”، كما في منشورات أفيخاي أدرعي التي تجمع بين آيات قرآنية وأغانٍ مصرية، في محاولة لخلق انزياح ثقافي.
4. التضليل التاريخي
إعادة إنتاج روايات توراتية مثل “جدار أريحا” التي زعمت حماس اقتباسها من القرآن، بهدف تصوير المقاومة كقوة ظلامية تُعيد إنتاج “العدوان القديم”.
الأهداف الاستراتيجية: ماذا تُخفي “الحرب القرآنية”؟
1. تفكيك الشرعية الدينية للمقاومة
بإظهار حماس كمنظمة تُناقض الإسلام عبر مقاطع مُزيَّفة مثل “مقاتلين بالمظلات” – التي اتضح أنها تدريبات مصرية – تُروج إسرائيل لسردية أن المقاومة “تُحرِّف الدين”.
2. تبرير جرائم الحرب
عندما استخدمت منشورات الجيش آية الطوفان، كانت تُلمّح إلى أن ضحايا غزة “ظالمون” يستحقون المصير ذاته، وهو ما يناقض المبدأ القرآني في سورة المائدة: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” (32).
3. اختراق الوعي الجمعي العربي
تشير دراسات إلى أن 43% من الشباب العربي يتعرضون للمحتوى الإسرائيلي المُوجه بالعربية، حيث تُستخدم الآيات كـ”طُعم ثقافي” لتطبيع العلاقة مع الاحتلال.
4. تشتيت الرأي العام
عندما أثارت صورة طفل محروق زعمًا أنه ضحية حماس جدلًا، كان الهدف تحويل النقاش من جرائم الحرب إلى جدل ديني حول “شرعية القتال”.
ردود الفعل: بين السخرية والمقاومة الرقمية
1. السخرية كسلاح مضاد
تحول هاشتاغ #إسرائيل_تستهزئ_بالقرآن إلى ظاهرة بعد استخدام آية الفيل، حيث غرَّد نشطاء: “لو كان الطير الأبابيل إسرائيلية لأسقطتها منظومة القبة الحديدية!”
2. الكشف العلمي للتزييف
قامت مجموعات مثل “صدى سوشيال” بتفنيد 3200 مقطع مُزيَّف خلال 2023، مستخدمةً أدوات تحليل الميتاداتا لكشف مصادر الفيديوهات المُسقطة.
3. إعادة التأويل الجمعي
أطلق علماء مثل القرضاوي فتاوى تؤكد أن “النصر القرآني ليس بالكم بل بالاستقامة”، رافضين محاولات اختطاف النصوص لتبرير العنف.
الخاتمة: القرآن بين التشويه والتحرير
تحوَّل الكتاب المقدس إلى ساحة معركة حيث تُختطف آياته لتبرير القتل، لكن التاريخ يذكرنا أن محاولات تشويه النصوص المقدسة باءت دائمًا بالفشل. كما قال تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر:9). أمام هذه الحرب السردية، تبرز مهمة إعادة بناء الخطاب الديني الرافض للتلاعب، والتمسك بالقرآن كمنارة للعدل لا كذريعة للظلم.