رضا شاه بهلوي ونجله: بين إرث الانقلاب ومغازلات العودة إلى السلطة
شهد التاريخ الإيراني الحديث تحولات جذرية تمثلت في صعود رضا شاه بهلوي إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري مدعوم من القوى الاستعمارية في مثل هذا اليوم من شهر فبراير لعام 1921، ليُرسي أسس نظام ملكي استبدادي استمر لعقود قبل أن تُطيح به ثورة شعبية عام 1979.












اليوم، يعود اسم عائلة بهلوي إلى الواجهة السياسية من خلال نجل الشاه الأخير، رضا بهلوي، الذي يسعى إلى استغلال الذكرى المئوية لانقلاب والده كمنصة للترويج لعودته المحتملة إلى الحكم، مستفيدًا من التحولات الجيوسياسية الحالية وتقارب مصالحه مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
يُقدّم هذا التقرير تحليلًا متعمقًا للسياق التاريخي لانقلاب 1921، وإرث نظام البهلوي، واستراتيجيات رضا بهلوي الابن الرامية إلى إحياء المشروع الملكي في ظلّ التوترات الإقليمية والدولية.
السياق التاريخي لانقلاب 1921: البريطانيون ينسجون خيوط السلطة
الأوضاع الداخلية في إيران قبيل الانقلاب
شهدت إيران أوائل القرن العشرين حالة من التفكك السياسي والاقتصادي تحت حكم السلالة القاجارية، حيث أصبحت طهران ساحة للتنافس الاستعماري بين بريطانيا وروسيا.
أدّت الحرب العالمية الأولى إلى تفاقم الأزمات الداخلية، مع انتشار الفوضى الأمنية وتزايد نفوذ القبائل المتمردة التي تحدّت سلطة الحكومة المركزية.
في هذا المناخ، رأت بريطانيا ضرورة إيجاد “رجل قوي” قادر على فرض الاستقرار وحماية مصالحها، خاصة بعد فشل “اتفاقية 1919” التي سعت إلى فرض الوصاية البريطانية بشكل مباشر.
الآلية التنفيذية للانقلاب: من قزوين إلى طهران
اختار البريطانيون الضابط رضا خان، قائد لواء القوزاق في قزوين، لتنفيذ الانقلاب بمساعدة السياسي ضياء الدين الطباطبائي.
في فبراير 1921، تحرّكت قوات القوزاق نحو العاصمة طهران، واستولت على المؤسسات الحيوية دون مقاومة تذكر، ما أجبر الشاه القاجاري أحمد شاه على تعيين رضا خان وزيرًا للحرب والطباطبائي رئيسًا للوزراء.
كشفت وثائق لاحقة عن اجتماع سري بين رضا خان والجنرال البريطاني إدموند أيرونسايد في قزوين، حيث نُوقشت تفاصيل نقل السلطة.
التحول من الانقلاب إلى تأسيس السلالة البهلوية
استغل رضا خان منصبه العسكري لتهميش خصومه، حيث أطلق حملات اعتقالات واسعة ضد المعارضين، وشرع في بناء جيش مركزي قوي كأداة لقمع أي تمرد.
بحلول 1925، أُجبر البرلمان الإيراني على خلع أحمد شاه وإعلان رضا خان شاهًا جديدًا تحت اسم “بهلوي”، منهيًا بذلك الحكم القاجاري الذي دام قرنًا من الزمان.
إرث رضا شاه: بين الحداثة المشوّهة والقمع السياسي
الإصلاحات السطحية وغياب البنية التحتية الديمقراطية
رغم ادعاءات أنصار النظام البهلوي بأن رضا شاه “أسس إيران الحديثة”، تشير الوقائع إلى أن إصلاحاته اقتصرت على جوانب شكلية كفرض الزي الغربي ومنع الحجاب، بينما حافظت البنية الاجتماعية على تماسكها التقليدي.
فشلت محاولات علمنة المجتمع في اختراق الأرياف، حيث ظلّت السلطة الدينية مسيطرة على الوعي الجمعي.
القمع كأداة للحكم: من القبائل إلى المثقفين
واجه رضا شاه أي معارضة بقسوة بالغة، حيث قمع انتفاضات القبائل الكردية والأذربيجانية بعمليات عسكرية دموية، ونفّذ حملات إعدامات بحق المفكرين الذين انتقدوا سياساته.
تشير وثائق منظمة مجاهدي خلق إلى أن الاعتقالات التعسفية والتعذيب أصبحا سمة أساسية في أجهزته الأمنية.
التبعية للقوى الخارجية: البريطانيون يوجهون السياسة
كشف الأرشيف الدبلوماسي البريطاني عن تدخّل لندن المباشر في شؤون إيران الداخلية خلال حكم رضا شاه، حيث مُنحت الشركات البريطانية امتيازات استغلال الموارد الطبيعية مقابل دعم النظام سياسيًا.
بلغ الذروة عام 1941، عندما أُجبر رضا شاه على التنحي لصالح نجله محمد رضا بعد احتلال بريطاني-سوفيتي مشترك لإيران خلال الحرب العالمية الثانية.
رضا بهلوي الابن: استراتيجيات إحياء المشروع الملكي
الخطاب السياسي: الجمع بين الديمقراطية والعلمانية
يتبنّى رضا بهلوي خطابًا ظاهريًا يدعو إلى إقامة نظام ديمقراطي علماني، مؤكدًا في مقابلة مع CNN على ضرورة “دعم الشعب الإيراني لتحقيق التغيير”.
لكن تحليل خطاباته يكشف تركيزه على دور النخبة الخارجية في قيادة المرحلة الانتقالية، حيث يدعو إلى تشكيل “حكومة مؤقتة” برئاسته بدعم من المجتمع الدولي.
التحالف مع ترامب: سياسة الضغط الأقصى كمدخل للسلطة
وجد رضا بهلوي في إدارة ترامب حليفًا استراتيجيًا، حيث أشاد بسياسة “الضغط الأقصى” معتبرًا إياها فرصة لإضعاف النظام الإيراني.
في رسالة علنية إلى ترامب، حثّه على “الحفاظ على العقوبات وتقديم الدعم المالي للمعارضة”، ما يعكس محاولة لربط المصالح الأمريكية بمشروعه الشخصي.
إعادة كتابة التاريخ: تبييض سجل الأسرة البهلوية
يسعى أنصار رضا بهلوي إلى تصوير عهد والده وجده كـ”عصر ذهبي” للإيران، متجاهلين سجلات القمع والتبعية للغرب. تشير منظمة مجاهدي خلق إلى حملات ممنهجة لتشويه سمعة ثورة 1979 وتضخيم إنجازات النظام الملكي، بينما تُظهر مقابلات بهلوي مع وسائل إعلام غربية تركيزًا على “الإصلاحات الاقتصادية المزعومة” دون ذكر الآليات القمعية.
التحديات أمام مشروع العودة: من التناقضات الداخلية إلى المعارضة الشعبية
الفجوة بين الخطاب والممارسة: إشكالية الشرعية
يواجه رضا بهلوي أزمة شرعية تاريخية، كون عائلته حكمت عبر انقلاب عسكري مدعوم من الخارج، ما يعقّد محاولاته تقديم نفسه كزعيم ديمقراطي. تُظهر استطلاعات الرأي بين الإيرانيين في المنفى تفضيلًا واسعًا لنظام جمهوري على العودة الملكية.
التنافس مع القوى المعارضة الأخرى: معضلة التمثيل
تفشل جهود بهلوي في توحيد المعارضة الإيرانية المتنوعة، حيث ترفض جماعات مثل منظمة مجاهدي خلق الاعتراف بقيادته، بينما تتوجس منه القوى الليبرالية بسبب ارتباطاته التاريخية بالمخابرات الأمريكية.
الموقف الدولي: بين المصالح الجيوسياسية وحقوق الإنسان
رغم الدعم الأمريكي الظرفي، تظهر وثائق ويكيليكس تحفظات دول أوروبية على دعم عودة النظام الملكي، خشية تكرار سيناريو 1953 عندما أطاحت المخابرات الأمريكية بحكومة مصدق الديمقراطية. يُنظر إلى تحالف ترامب-بهلوي كاستمرار لسياسة التدخل الخارجي التي تُغذّي الكراهية الشعبية تجاه الغرب.
الخاتمة: الذكرى كمرآة للمستقبل
تعكس الذكرى المئوية لانقلاب 1921 التناقضات الجوهرية في المشروع السياسي لأسرة بهلوي، بين ادعاءات التحديث وواقع التبعية للقوى الأجنبية.
بينما يسعى رضا بهلوي الابن إلى تسويق نفسه كبديل ديمقراطي، تظلّ إشكاليات الشرعية التاريخية والارتباط بالتدخلات الخارجية عقبات أساسية أمام قبوله شعبيًا. في المقابل، يُظهر تصاعد الاحتجاجات الداخلية في إيران أن الشعب يبحث عن بديل سياسي جذري يقطع مع تراث الاستبداد بشكليه الملكي والثيوقراطي.











