بعد 34 عاما قضاها بعيدا عن بلاده، يعود الحاخام يوسف حمرا ونجله هنري إلى العاصمة السورية دمشق، ويعلن من هناك عن أمله في رجوع بقية يهود سوريا.
وبعد أن كانوا بالآلاف في عهود سابقة، بات في سوريا أقل من 10 يهود فقط بعد مغادرة آخر من تبقى منهم في تسعينيات القرن الماضي بعدما سمح لهم حافظ الأسد بالسفر.
وتوثق مشاهد الحاخام ونجله وهما يقرآن من سفر التوراة في كنيس يهودي بقلب دمشق، وبحرص، مررا إبهاميهما على الكلمات المكتوبة بخط اليد وكأنهما لا يزالان في رهبة من عودتهما إلى الوطن.
وكان حافظ الأسد حظر السفر على اليهود الذين يعيشون في سوريا منذ فترة طويلة وواجهوا قيودا في الحصول على وظائف وامتلاك عقارات.
وفي أعقاب الضغوط الدولية على الأسد للسماح لهم بمغادرة البلاد، سرعان ما غادر جميع اليهود تقريبا، وكان عددهم في سوريا في ذلك الوقت بضعة آلاف.
خطة الزيارة
اختار العديد منهم الاستقرار في مدينة نيويورك، ومن بينهم يوسف حمرا (77 عاما) ونجله هنري (48 عاما)، والأخير كان مراهقا عندما قررت الأسرة الرحيل.
وبعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر، بدأت أسرة الحاخام في التخطيط لزيارة كانت ذات يوم ضربا من الخيال بمساعدة “المنظمة السورية للطوارئ”، وهي مجموعة ضغط مقرها في الولايات المتحدة.
وقالت المنظمة في بيان إن الوفد التقى ممثلين عن إدارة المرحلة الانتقالية السورية، وتجول في الحي اليهودي، وزار كنيس جوبر التاريخي، أحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، والذي دمر خلال الحرب الأهلية.
وأتيحت للحاخام فرصة زيارة مقبرة والده وجده، بينما عاد هنري إلى مدرسته التي كان يذهب إليها عندما كان طفلا.
وفي أثناء سيرهما عبر الممرات الضيقة في المدينة القديمة، التقى هنري ويوسف بجيران سابقين، وتفقدا لاحقا بإعجاب الكتابات العبرية المخطوطة يدويا في عدة معابد يهودية.
وقال هنري “أتمنى أن يأتي أبنائي إلى هنا لرؤية هذا الكنيس الجميل. إنه عمل فني”.
هنري عبر عن سعادته الغمرة
هنري عبر عن سعادته الغامرة بالعودة إلى سوريا
لكنه أشار إلى أن بعض الأشياء لم يعد لها وجود، بما في ذلك نسخة من التوراة مخطوطة بماء الذهب كانت في واحد من الكنس اليهودية ومحفوظة الآن في مكتبة بإسرائيل التي فر لها آلاف من اليهود السوريين على مدار القرن العشرين.
وفي حين ظلت حالة المعابد اليهودية والمدرسة اليهودية في المدينة القديمة جيدة نسبيا، تحول أكبر معبد يهودي في سوريا في حي جوبر، شرق دمشق، إلى أنقاض خلال حرب أهلية استمرت ما يقرب من 14 عاما.
وكان حي جوبر يضم مجتمعا يهوديا كبيرا لمئات السنين حتى أوائل القرن التاسع عشر، وتعرض المعبد للنهب قبل تدميره.
لكن الوفد يتطلع إلى المستقبل.
وقالت المنظمة في بيان لها “مع إعادة بناء سوريا، تمثل هذه الزيارة خطوة نحو استعادة الحياة اليهودية في البلاد وإعادة التأكيد على أن سوريا ملك لجميع شعبها، بغض النظر عن معتقداتهم”.
وقال هنري إن ممثلي وزارة الخارجية السورية تعهدوا بحماية التراث اليهودي، “لكننا نحتاج إلى مساعدة الحكومة، ونحتاج إلى أمن من الحكومة وهذا سوف يحدث”.
وتعهدت إدارة المرحلة الانتقالية السورية بـ”احترام جميع الطوائف”، ولكن حوادث التعصب الديني لا تزال تقلق الأقليات والعلمانيين.
ويخشى سوريون من توجه السلطة الجديدة إلى إقامة نظام حكم ديني وإقصاء مكونات سورية واستبعاد المرأة من العمل السياسي، رغم سعي الفصائل المعارضة إلى طمأنة الأقليات الدينية في البلاد واعتمادها خطابا أكثر اعتدالا.
وفي ساحة الأمويين في دمشق، طالب مئات السوريين، في أعقاب سقوط النظام في ديسمبر، بإرساء دولة مدنية ديمقراطية.
وهناك، قرب نصب السيف الدمشقي الشهير، تجمع رجال ونساء من أعمار مختلفة، مرددين هتافات عدة بينها “الدين لله والوطن للجميع”. وحمل بعضهم لافتات مطالبة “بدولة المواطنة والقانون”. وجاء في لافتة أخرى “نريد ديموقراطية وليس ديموقراطية” (تيوقراطية).
وبعد سقوط النظام، التقى أعضاء في الكونغرس الأميركي ناشطين سوريين دعوا المشرعين إلى العمل من أجل ضمان حقوق الأقليات.
ويراقب الغرب عن كثب سلوك المرحلة الانتقالية السورية خاصة في ما يتعلق بحماية حقوق الإنسان والأقليات.
معاذ مصطفى، رئيس “المنظمة السورية للطوارئ”، كتب في تدوينة على إكس مرفقة بصورة لأعضاء الوفد الزائر لدمشق “لا يمكن للكلمات أن تصف المشاعر الحلوة والمرة… احتضان أهل دمشق لإخوانهم اليهود، وتدمير المعابد والمساجد والكنائس على يد الأسد، واليهود المتبقون غمرتهم مشاعر الفرح عندما رأوا حاخامهم يعود إليهم، والترحيب الحار من حكومة دمشق الجديدة وأكثر من ذلك بكثير”.
ويلفت في تدوينته إلى دور مهم يمكن أن يلعبه اليهود في الخارج عندما قال إنهم “أكبر دعاة رفع العقوبات والتصنيفات”.
ووفق بيانات المنظمة، فإن هناك أقل من 10 يهود في سوريا حاليا، وهو عدد لا يكفي لتلبية النصاب اللازم لإقامة الصلاة العامة بموجب القواعد الدينية.
وقال الحاخام يوسف حمرا “كنا (في سوريا) مثل الأشقاء، وليس مجرد جيران، مع مجموعات دينية سورية أخرى تعيش هنا. يمكننا أن نفعل ذلك مرة أخرى”.
ولا يستبعد أعضاء الوفد القيام بزيارات أخرى إلى سوريا وإعادة إنشاء المراكز اليهودية، وعودة اليهود السوريين الذين يمكنهم المساعدة في جهود إعادة الإعمار.