إسرائيل تبدأ إحصاء سكان القنيطرة وعروض العمل المشروطة
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط المحلية والسياسية، بدأت السلطات الإسرائيلية مؤخراً عملية إحصاء لعدد السكان في محافظة القنيطرة، الواقعة جنوب غربي سوريا بالقرب من الجولان المحتل. تأتي هذه الخطوة بالتزامن مع مقترح إسرائيلي يهدف إلى جذب أصحاب المهن من سكان القنيطرة للعمل داخل الأراضي الإسرائيلية وفق نظام “اليوم الواحد”، حيث يمكن لهم الدخول إلى مناطق العمل صباحاً والعودة مساءً إلى منازلهم في سوريا.
الإجراءات الإسرائيلية: فرص عمل مغرية أو تكريس للتبعية؟
تحتوي المبادرة الإسرائيلية على عرض موجه لأصحاب المهن من سكان القنيطرة، مثل العمال والفنيين، للعمل في المدن الإسرائيلية القريبة مقابل رواتب تتجاوز بكثير متوسط الأجور في سوريا. يشمل العرض الإسرائيلي منح فرص عمل لسكان القنيطرة من أصحاب المهن مثل العمال والفنيين في المدن الإسرائيلية القريبة، وذلك مقابل رواتب تتجاوز بكثير متوسط الأجور في سوريا. كما تشمل التسهيلات تصاريح دخول وخروج، إضافة إلى وسائل نقل منظمة وآمنة تهدف إلى تسهيل تنقل الأفراد بين القنيطرة والأراضي المحتلة.
إسرائيل تعتبر هذه الخطوة جزءاً من استراتيجية اقتصادية تهدف إلى استقطاب الكفاءات المهنية من القنيطرة، لكن العديد من سكان المنطقة يرون أن هذه العروض قد تخفي أهدافاً سياسية تتعلق بتعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
وبالإضافة إلى ذلك، يقوم الاحتلال الإسرائيلي بإجراء إحصاء لاحتياجات السكان المحليين في القنيطرة، حيث يُطلب من الأهالي تحديد متطلباتهم الأساسية مثل الغذاء والدواء. وفيما يرى بعض السكان هذه الإجراءات فرصة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، يرى آخرون فيها محاولة إسرائيلية لتعزيز نفوذها في المنطقة عبر استمالة السكان المحليين بفرص عمل مغرية ومساعدات مالية.
دروز سوريا بين الإغراءات الاقتصادية والرفض السياسي
تستهدف هذه الإجراءات بشكل خاص الدروز في القنيطرة، الذين يعيشون في مناطق قريبة من الجولان المحتل، والذين لطالما كانت لهم علاقات مع إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. في السابق، كانت إسرائيل تقدم بعض التسهيلات لمواطني الجولان السوري المحتل، مثل السماح لهم بالتنقل بين المناطق المحتلة وسوريا، ولكن الآن مع هذا العرض الجديد، قد يصبح السؤال المطروح: هل ستنجح إسرائيل في جذب المزيد من الدروز السوريين للعمل في أراضيها؟
من جهة، يرى البعض في العرض الإسرائيلي فرصة لتحسين أوضاعهم المعيشية في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سوريا. بالنسبة لهؤلاء، فإن الرواتب العالية مقارنة بما يحصلون عليه داخل سوريا، إضافة إلى توفر فرص العمل في المناطق الإسرائيلية، قد تكون خطوة مغرية خاصة لأولئك الذين يواجهون صعوبة في تأمين لقمة العيش داخل حدود سوريا.
لكن على الجانب الآخر، يرفض الكثيرون هذا العرض بشدة، معتبرين أنه يمثل تطبيعاً مع الاحتلال الإسرائيلي ويشكل تهديداً لسيادة سوريا وهوية سكان القنيطرة، بما في ذلك الدروز الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من النسيج الوطني السوري. هذا الرفض يشمل معظم الشخصيات السياسية والدينية في سوريا، الذين يرون أن العمل في الأراضي الإسرائيلية يمكن أن يضعف من موقفهم تجاه الاحتلال ويؤثر سلباً على موقفهم الوطني.
ردود الفعل المحلية
فيما يتعلق بردود الفعل المحلية، عبر عدد من الأهالي عن رفضهم القاطع للعمل في إسرائيل، مشيرين إلى أن هذا العرض قد يخلق واقعاً جديداً في المنطقة قد يؤدي إلى تعزيز النفوذ الإسرائيلي داخل المجتمع السوري. وأشار أحمد القرطاوي، أحد سكان القنيطرة، إلى أن “هذا العرض مغري، لكننا لا نريد أن نصبح تابعين لإسرائيل بأي حال من الأحوال.”
موقف سلطة الشرع
حتى اللحظة، لم تصدر سلطة احمد الشرع أي تعليق رسمي حول هذا الإجراء أو الإحصاء السكاني الذي تجريه إسرائيل في القنيطرة. ومع ذلك، من المتوقع أن يعتبر المسؤولون في دمشق هذه الخطوة انتهاكاً لسيادة سوريا ومحاولة غير مشروعة لفرض واقع جديد على الحدود.
وفي هذا السياق، صرّح المتحدث الرسمي للجنة التحضيرية للحوار الوطني، حسن دغيم، في مؤتمر صحفي عُقد في دمشق: “ما تقوم به إسرائيل هو تجاوز واضح لكل القوانين الدولية ومحاولة لفرض أجنداتها في المناطق الحدودية. الشعب السوري لن يقبل بهذه الإملاءات بأي شكل من الأشكال”.
هل سينجح العرض الإسرائيلي في جذب دروز سوريا؟
بالرغم من الإغراءات الاقتصادية التي تقدمها إسرائيل، فإن واقع الحال في سوريا لا يزال معقداً. سيظل سؤال ما إذا كانت إسرائيل ستتمكن من جذب عدد كبير من دروز سوريا للعمل داخل أراضيها مرتبطاً بالضغوط الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع السوري. ومع استمرار الأزمات الاقتصادية والمعيشية في سوريا، قد تجد بعض الأسر نفسها أمام خيار صعب بين القبول بالفرص الإسرائيلية لتحسين الوضع الاقتصادي، أو رفضها حفاظاً على الهوية الوطنية والموقف السياسي ضد الاحتلال.