في ختام أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري 2025
عُقد في قصر الشعب بدمشق يوم 25 فبراير 2025، صدر بيانٌ ختامي يُعتبر وثيقةً تأسيسية للمرحلة الانتقالية، حاملاً بين سطوره رؤيةً متعددة الأبعاد لمستقبل سوريا.
الوحدة الوطنية وسيادة الدولة: إطارٌ جامع أم خطابٌ إقصائي؟
أكد البيان الختامي على “الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها على كامل أراضيها”، مع رفض أي شكل من أشكال التقسيم.
جاء هذا التوكيد في سياقٍ تاريخيٍ معقد، حيث لا تزال مناطق مثل الشمال الشرقي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًا، بينما تشهد مناطق إدلب وجودًا عسكريًا تركيًا. لاحظ المشاركون أن البيان وصف التشكيلات المسلحة خارج المؤسسات الرسمية بأنها “خارجة عن القانون”، وهو تعبيرٌ يُحمل دلالاتٍ أمنيةٍ تتناغم مع تصريحات الرئيس الشرع خلال الافتتاح حول ضرورة “احتكار السلاح بيد الدولة”.
من الناحية الدستورية، دعا البيان إلى “الإسراع في الإعلان الدستوري المؤقت” كمدخلٍ لإصلاح النظام السياسي، مع التأكيد على تشكيل مجلس تشريعي مؤقت يُعزز التمثيل العادل. يُعتبر هذا الطرح محاولةً لاستيعاب المطالب الكردية المتمثلة في اللامركزية الإدارية.
العدالة الانتقالية والعزل السياسي: توازناتٌ هشة
شكلت “العدالة الانتقالية” محورًا رئيسيًا في النقاشات، حيث دعا البيان إلى “محاسبة المسؤولين عن الجرائم” مع “إصلاح المنظومة القضائية”.
تُظهر وثائق المؤتمر التحضيرية أن هذا الملف حظي بإجماعٍ نسبي بين المشاركين، إذ أشارت اللجنة التحضيرية إلى عقد “نحو 2000 جلسة نقاشية” تم خلالها جمع آراء 4000 شخص. لكن التحدي يكمن في آلية التطبيق، خاصةً مع وجود قوى محلية ما زالت تتمتع بنفوذٍ أمني.
في الجانب الاقتصادي، طالب البيان برفع العقوبات الدولية التي “تشكل عبئًا مباشرًا على الشعب”، وهو مطلبٌ يتقاطع مع جهود وزير الخارجية أسعد الشيباني.
الإصلاح المؤسسي والمجتمع المدني: إعادة هندسة الدولة
تضمن البيان دعوةً صريحةً إلى “إصلاح المؤسسات العامة وإعادة هيكلتها”، مع إطلاق عملية التحول الرقمي.
يُلاحظ أن هذا التوجه يعكس رؤيةً تكنوقراطيةً تسعى لاستبدال البنى البيروقراطية القديمة. في هذا السياق، أشارت مناقشات اللجان إلى ضرورة دمج منظمات المجتمع المدني في عملية البناء.
في مجال التعليم، شدد البيان على “تطوير النظام التعليمي وسد الفجوات”، وهي أولويةٌ تُفسرها البيانات الصادرة عن اللجنة التحضيرية التي أشارت إلى أن 37% من المنشآت التعليمية دُمرت كليًا أو جزئيًا خلال الحرب.
السياسة الخارجية: بين الخطاب الثوري والواقع الجيوسياسي
أدان البيان “التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية” وطالب بانسحابه الفوري، في استعادةٍ للخطاب القومي التقليدي. لكن هذا الموقف يتعارض مع التصريحات الإسرائيلية الأخيرة.
من ناحية أخرى، يُلاحظ أن البيان تجنب الإشارة المباشرة إلى الدور التركي أو الروسي، رغم تأثيرهما الميداني الكبير.
الخاتمة: نحو عقد اجتماعي جديد
يُمثل البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني محاولةً لرسم ملامح عقدٍ اجتماعيٍ جديد، يجمع بين مطالب العدالة الانتقالية وضرورات الاستقرار.
لكن نجاح هذه الرؤية مرهونٌ بقدرة القيادة الجديدة على تحقيق التوازن بين عدة معادلات:
- المحلية والإقليمية: كيفية التعامل مع الميليشيات المسلحة المدعومة خارجيًا دون تفجير صراعات جانبية.
- العدالة والمصالحة: ضمان محاسبة المجرمين دون إثارة النزعات الانتقامية التي تُهدد السلم الأهلي.
- الإصلاح والاستقرار: إعادة هيكلة المؤسسات مع الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات العامة.
في ظل هذه التعقيدات، قد يصبح البيان مجرد خريطة طموحاتٍ مخرجات المؤتمر تُترجم إلى آليات عملٍ ملموسة، تدعمها إرادةٌ سياسيةٌ حقيقيةٌ لقطع الطريق على عودة الاستبداد بأشكاله الجديدة.