تصعيد عسكري في بلوشستان شرق إيران
شهدت مدينتا راسك و جابهار في بلوشستان شرق إيران تصعيداً عسكرياً غير مسبوق مطلع أبريل 2024، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة استمرت لساعات بين قوات الحرس الثوري وجماعة جيش العدل البلوشية.
أسفرت المواجهات عن سقوط 28 قتيلاً بين الطرفين، وفقاً للبيانات الرسمية، بينما تشير تقديرات مستقلة إلى أعداد أكبر.
وشنّت القوات العسكرية والأمنية الإيرانية هجومًا عنيفًا على منزل في مدينة تشابهار. استخدمت القوات الأسلحة الخفيفة والثقيلة بما في ذلك قذائف آر بي جي خلال الهجوم، ما أسفر عن تدمير المنزل بالكامل وأضرار بالمباني المجاورة. وقالت موقع “حال وش” الحقوقي البلوشي، إن الحملة العسكرية أسفرت عن مقتل اثنين من عناصر جيش العدل واعتقال ستة آخرين، مشيرة إلى أن الهجوم تم دون مراعاة لسلامة المدنيين.
في راسك، شهدت المنطقة أجواءً مشحونة حيث تم رصد طائرات بدون طيار تابعة لقوات الأمن الإيراني تحلق فوق مدينة جكيجور في محافظة سيستان وبلوشستان. هذه التحركات أثارت القلق بين السكان المحليين الذين يشعرون بزيادة في القمع الأمني. وبحسب تقرير “حال وش”، فإن المراقبة الجوية باستخدام الطائرات بدون طيار أصبحت سمة جديدة للمنطقة بعد تصاعد الاشتباكات الأخيرة.
خلفية الجماعة: من الرماد إلى المواجهة المسلحة
تأسست جماعة “جيش العدل” عام 2012 كامتداد لتنظيم “جند الله” السابق، بعد إعدام زعيمه عبد المالك ريغي عام 2010. تتبنى الجماعة خطاباً قائماً على الدفاع عن حقوق الأقلية البلوشية السنية، مستغلة الإهمال التنموي المزمن في المحافظة التي تعد من أفقر مناطق إيران.
يقود التنظيم صلاح الدين فاروقي الملقب بـ”الأمير”، وينشط بشكل رئيسي في المناطق الحدودية مع باكستان حيث يجد ملاذاً آمناً وقواعد لوجستية.
ديناميكيات الهجوم الأخير: قراءة في التفاصيل العسكرية
شملت العمليات الأخيرة هجمات متزامنة على ثلاث قواعد عسكرية في جابهار وراسك وسرباز، حيث استخدم المسلحون أسلحة متوسطة وعبوات ناسفة. تظهر لقطات متداولة تكتيكات حرب العصابات التي تعتمدها الجماعة، مع استخدام التضاريس الجبلية الوعرة كغطاء عملياتي.
من الجدير بالذكر أن الهجمات تزامنت مع ذكرى “جمعة الدم” عام 2022، عندما قُتل عشرات المحتجين السلميين في زاهدان.
تداعيات إقليمية: باكستان بين المطرقة والسندان
أعادت الاشتباكات الأخيرة الأضواء إلى التوترات الإيرانية-الباكستانية، خصوصاً بعد الهجوم المتبادل عبر الحدود في يناير 2024. تشير تحليلات أمنية إلى أن 40% من عمليات الجماعة تنطلق من أراضي باكستانية، ما يضع إسلام آباد في موقف حرج بين ضغوط طهران ومصالحها مع القبائل البلوشية.
اللافت أن الهجمات الأخيرة شهدت استخدام أسلحة متطورة تشمل صواريخ مضادة للدروع، مما يثير تساؤلات حول مصادر التمويل.
سياسة القمع والاحتواء: إيران أمام معضلة أمنية
تعتمد طهران استراتيجية ثلاثية المحاور: تعزيز الوجود العسكري بنشر 15 ألف عنصر إضافي من الحرس الثوري، ومشاريع تنموية محدودة بقيمة 200 مليون دولار، مع حملات اعتقالات واسعة شملت 300 شخص خلال الربع الأول من 2023.
مستقبل الأزمة: سيناريوهات محتملة
مع تصاعد وتيرة الهجمات إلى 30 عملية شهرياً مقابل 10 فقط عام 2020، تبدو الأزمة متجهة نحو مزيد من التصعيد. يحذر محللون من احتمال تحول المنطقة إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، خاصة مع تقارير عن تدريب عناصر الجماعة في معسكرات بأفغانستان.
في المقابل، تلوح في الأفق مبادرات وساطة محلية يقودها رجال دين سنة، لكن نجاحها مرهون بتحقيق تنازلات سياسية غير مسبوقة من طهران.