تحليل خطاب عبدالله أوجلان: تحول سياسي حاسم في العلاقات التركية-الكردية
في خطوة مفاجئة، دعا زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، الحزب إلى إلقاء السلاح وحله، والتوجه نحو النهج السلمي في التعامل مع تركيا. هذا الخطاب يمثل تحولًا جذريًا في مسار النزاع الطويل بين أنقرة والحزب الكردي، والذي أُطِّر بالصراع المسلح لعقود.
التحليل السياسي
وفقًا للتحليل الذي قدمه المحلل السياسي العراقي والمتخصص في شؤون الأمن القومي، فراس إلياس، فإن هذا الخطاب يحمل في طياته العديد من الفرص والتحديات ليس فقط على المستوى التركي الكردي، بل أيضًا على صعيد السياسات الإقليمية في العراق وسوريا.
1. تحول مهم في سياق العلاقات التركية الكردية
يعتبر الخطاب الذي وجهه أوجلان نقطة تحول كبيرة في تاريخ العلاقات بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، التي كانت مليئة بالصراع المستمر لعدة عقود. دعوته الأخيرة لحل الحزب وإلقاء السلاح قد تكون خطوة مهمة نحو تغيير ديناميكيات العلاقة بين الطرفين. هذا التحول قد يلعب دورًا محوريًا في تحديد موقف أنقرة تجاه الأكراد في تركيا، إذ قد يؤدي إلى تحول سياسي في التعامل مع هذه القضية الشائكة.
2. تحديات القيادة الكردية على الأرض
رغم الدعوة السلمية التي أطلقها أوجلان، يشير إلياس إلى أن السنوات الطويلة التي قضاها الزعيم الكردي في السجن قد أنتجت قيادة بديلة لحزب العمال الكردستاني، خصوصًا في مناطق قنديل وسوريا والعراق. وبالتالي، فإن من غير المرجح أن تلتزم الجماعات الكردية المسلحة في تلك المناطق بشكل كامل بما ورد في خطاب أوجلان. إذ لا يمكن توقع التفاعل الإيجابي مع الدعوة السلمية ما لم تتوفر ضمانات حقيقية من الحكومة التركية، وهو ما يعكس تعقيد الوضع على الأرض.
3. اختبار قدرة أوجلان على فرض إرادته
يضيف إلياس أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يهتم فقط بمحتوى الخطاب، بل يرغب في اختبار مدى قدرة أوجلان على فرض قراراته على الحزب وكوادره العسكرية. في حال فشل أوجلان في إقناع الحزب بتنفيذ دعوته، فإن ذلك قد يفتح المجال أمام أردوغان لإعادة تقييم موقفه، ومنح نفسه الفرصة لتصعيد الحملة ضد الحزب وإعادة تجريد الحزب من أي شرعية كان يمتلكها، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد القمع السياسي والعسكري.
4. تأثير الخطاب على العلاقات الإقليمية
منذ اعتقال أوجلان في عام 1999، بدأ حزب العمال الكردستاني في توسيع علاقاته الإقليمية، لا سيما مع إيران، بالإضافة إلى فرض نفوذه على العديد من الفصائل الكردية المسلحة في العراق وسوريا. هذا التوسع جعل حزب العمال يتبنى استراتيجية إقليمية أوسع من الصراع مع تركيا. ولذلك، من غير المتوقع أن تلتزم القيادات الحالية للحزب في العراق وسوريا بتوجيهات أوجلان الأخيرة. وقد أكدت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في بيان لها بأنها غير ملزمة بهذه الدعوة، ما يعكس الفجوة بين القيادة المركزية للحزب والفصائل الكردية في الخارج.
5. الرسالة التركية
إدارة خطاب أوجلان بأسلوب دقيق: فيما يخص إدارة خطاب أوجلان من قبل تركيا، يلفت إلياس إلى أن الشكل الذي تم به عرض الخطاب (رسالة مكتوبة أو فيديوية) يعكس رغبة أردوغان في التحكم الكامل في الرسالة السياسية. إضافة إلى ذلك، ظهر أوجلان فقط بالصورة دون أن يتحدث، ما يثير تساؤلات حول الأسباب السياسية وراء هذه الطريقة في عرض الخطاب. كما أن استخدام اللغة الكردية في الخطاب يمكن أن يُفهم على أنه تحرك تركي يعكس استعدادًا محتملًا للاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية ثانية في البلاد، ولكن هذا يتوقف على مسار الأحداث المقبلة.
6. حزب العمال الكردستاني والوحدات العراقية
من جهة العراق، يثير إلياس نقطة هامة تتعلق بكيفية تعامل الحكومة العراقية مع عناصر حزب العمال الكردستاني المنتشرين في قنديل وسنجار، بالإضافة إلى “وحدات مقاومة سنجار” (YBŞ)، التي تعتبر ذراعًا عراقيًا لحزب العمال. هذه الوحدات جزء من الفوج 80 في الحشد الشعبي، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية التنسيق بين العراق وتركيا في محاربة هذه الجماعات. كما أن الموقف العراقي في التعامل مع هذه الوحدات قد يختلف عن الموقف التركي، ما يساهم في تعقيد العلاقات العراقية-التركية.
7. التواجد العسكري التركي في شمال العراق
من المواضيع الهامة التي يشير إليها إلياس هو التواجد العسكري التركي في شمال العراق، حيث تنتشر القوات التركية على عمق 40 كم في العديد من المناطق. في حال قرر حزب العمال الكردستاني في العراق إلقاء السلاح، يبقى التساؤل: هل ستسحب تركيا قواتها أم ستبحث عن مبررات أخرى للبقاء؟ هذا الأمر سيشكل تحديًا للحكومة العراقية التي قد تجد نفسها في وضع صعب من حيث التوازن بين علاقاتها مع تركيا واحتياجاتها الأمنية الداخلية.
8. ضرورة مراجعة الاتفاقات الأمنية العراقية التركية
في ظل التطورات الحالية، يشير إلياس إلى أن الحكومة العراقية بحاجة إلى مراجعة شاملة لجميع مذكرات التفاهم والاتفاقيات الأمنية التي تم توقيعها مع تركيا. كانت هذه الاتفاقات قد أُبرمت أساسًا في إطار التنسيق لمحاربة حزب العمال الكردستاني. وإذا تم حل الحزب وإلقاء سلاحه، فقد تصبح هذه الاتفاقات غير ضرورية. لذلك، فإن على الحكومة العراقية أن تعيد النظر في هذه الاتفاقات وتحدد مسارها بناءً على التطورات الأخيرة.
الخاتمة
يُعد خطاب عبدالله أوجلان بمثابة تحول سياسي حاسم في العلاقات التركية-الكردية وفي المشهد الإقليمي بشكل عام. ورغم أن هذه الدعوة قد تحمل فرصًا لتحقيق السلام، فإن تنفيذها على الأرض سيعتمد بشكل كبير على تجاوب كافة الأطراف المعنية، سواء في تركيا أو العراق أو سوريا.