تتباين الآراء بشأن عقوبة الإعدام في تونس، خاصة مع تصاعد المطالبات بتنفيذها في قضايا معينة، مقابل دعوات منظمات حقوقية إلى إلغائها نهائياً. وبينما لم تُنفّذ أي عقوبة إعدام منذ عام 1991، تظل المحاكم في البلاد تصدر أحكاماً بالإعدام، مما يعكس الانقسام بين من يرى في العقوبة رادعًا ضروريًا للجريمة، ومن يعتبرها انتهاكًا لحقوق الإنسان.
ورغم أن القانون التونسي ينص على عقوبة الإعدام في عدد من الجرائم، فإن البلاد لم تنفّذ أي حكم منذ إعدام “سفاح نابل” عام 1991، الذي أدين بقتل واغتصاب 14 طفلاً.
ومع ذلك، فإن المحاكم التونسية تواصل إصدار الأحكام بالإعدام، حيث بلغ عدد المحكومين بالإعدام في تونس ما بين 95 إلى 100 شخص، من بينهم ثلاث نساء، وفق تقارير حقوقية.
محكمة تونسية تصدر أحكامها في قضية اغتيال البراهمي
تونس.. أحكام بالإعدام والسجن في قضية اغتيال محمد البراهمي
قضت محكمة تونسية الثلاثاء بالإعدام بحق ثمانية متهمين، في قضية اغتيال المعارض السياسي محمد البراهمي في عام 2013، بحسب ما أفادت وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
إضافة إلى ذلك، فإن قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 وسّع من الجرائم التي يمكن أن يُحكم فيها بالإعدام، ليصل عدد الجرائم التي يعاقب عليها بهذه العقوبة إلى 54 جريمة، ما يثير قلق منظمات حقوقية تعتبر أن القانون لا يلتزم بتعريف الجرائم “الأشد خطورة” وفق المعايير الدولية.
الرئيس يؤيد الإعدام
عاد النقاش حول عقوبة الإعدام بقوة في سبتمبر 2020، عندما أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي أنه يؤيد إعادة تنفيذ الإعدام في حالات معينة، قائلاً: “من قتل نفسًا بغير حق جزاؤه الإعدام”.
وجاءت تلك التصريحات بعد حادثة مقتل الشابة، رحمة الأحمر، التي وُجدت جثتها ملقاة في حفرة قرب طريق سريع، ما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا.
تصريحات سعيد أثارت انتقادات شديدة من منظمات حقوقية، مثل منظمة العفو الدولية، التي اعتبرت أن استئناف تنفيذ الإعدام سيمثل “صفعة في وجه التقدم الذي أحرزته تونس في مجال حقوق الإنسان”، وحثّت السلطات التونسية على فرض حظر رسمي على تنفيذ العقوبة بهدف إلغائها نهائيًا.
إعدام “الجهاديين”.. والمحاكمات السياسية
لم تتوقف المحاكم التونسية عن إصدار أحكام الإعدام، خاصة في قضايا الإرهاب. ففي يناير 2022، أصدرت محكمة تونسية حكمًا بإعدام 9 جهاديين بتهمة قتل الجندي، سعيد غزلاني، عام 2016، وهي جريمة تبناها تنظيم داعش.
وفي مارس 2024، أصدرت المحكمة الابتدائية حكمًا بالإعدام على 4 متهمين في قضية اغتيال شكري بلعيد، المعارض اليساري البارز، والذي قُتل في فبراير 2013.
متظاهرون يحملون صور شكري بلعيد ـ صورة أرشيفية..
تونس.. حكم بإعدام 4 مدانين باغتيال المعارض شكري بلعيد
أصدرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب في محكمة تونس الابتدائية أحكاما بالإعدام بحق أربعة مدانين في قضية اغتيال المعارض، شكري بلعيد، عام 2013، وحكمين بالسجن مدى الحياة بحق مدانَين آخرين.
كما أصدرت محكمة أخرى، الثلاثاء، حكمًا مماثلًا على 8 متهمين في قضية اغتيال محمد البراهمي، الذي قُتل في يوليو من نفس العام.
لكن هذه الأحكام لاقت انتقادات من منظمات حقوقية، من بينها “الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام”، الذي اعتبر أن مثل هذه المحاكمات قد تساهم في التطبيع مع عقوبة الإعدام، خاصة إذا تم توظيفها سياسيًا.
وبشأن الأحكام التي صدرت مؤخرا في قضية البراهمي، قال القيادي في حركة “مواطنون ضد الانقلاب” المعارضة، أحمد الغيلوفي، لموقع “الحرة”: “هذه قضية تتعلق بأحد أخطر الأحداث التي عرفتها تونس في تاريخها المعاصر، وهي اغتيال المناضل السياسي محمد البراهمي”.
وتابع: “تم توظيف هذا الاغتيال من أجل إسقاط أول حكومة جاءت بها الثورة التونسية، كما استُخدم في تأجيج الصراع السياسي، مما أدى إلى انقسام عميق، انتهى بانقلاب 25 يوليو 2021″، في إشارة إلى الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي، واعتبرت “انقلابا دستوريا” أدى إلى تفرده بالحكم وتمتعه بسلطات كبيرة.
وأضاف الغيلوفي: “كنا نتمنى أن يكون الحكم النهائي مصحوبًا بتحديد الأطراف التي نفذت الاغتيال، ومن يقف وراءها، ومن سلّحها، ومن درّبها، حتى نضع حدًّا لتبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية، إلا أن الأمر اقتصر على خبر مختصر في وسائل الإعلام”.
“أداة بيد السلطة”
تعد تونس من الدول التي تصوت منذ العام 2012 لصالح قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية إلى وقف استخدام عقوبة الإعدام، ومع ذلك، فإنها لم تُصدر حتى الآن قانونًا رسميًا يلغي العقوبة.
المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب انتقدت في تقريرها السنوي لعام 2020 استمرار إصدار أحكام الإعدام، واعتبرت العقوبة “أقصى أشكال التعذيب”.
كما حذرت من تزايد عدد المحكومين بالإعدام مع استمرار إصدار الأحكام بوتيرة متزايدة، دون أي تحرك رسمي نحو الإلغاء.
وفي هذا الصدد يوضح القيادي والمحامي في حركة “25 جويليه” المؤيدة، أحمد ركروكي، لموقع “الحرة”: “أن أحكام الإعدام التي تصدر هي مجرد عقوبة نظرية لا تنفذ على أرض الواقع”.
وتابع: “منذ عام 1991 جرى تجميد عقوبة الإعدام، نظرا للالتزامات الدولية والإنسانية للدولة التونسية”.
وعلى المستوى الشعبي، يظل هناك انقسام واضح بشأن قضية الإعدام، ففي أكتوبر 2020، خرج عشرات المتظاهرين في العاصمة تونس مطالبين بإعادة تنفيذ العقوبة، خصوصًا في قضايا الاغتصاب والقتل.
ورفع المتظاهرون حينها لافتات كتب عليها: “الشعب يريد حكم الإعدام” و”اليوم رحمة، غدًا امرأة أخرى”.
أما في الجانب المقابل، فإن الأوساط الحقوقية تطالب بإلغاء العقوبة نهائيًا، وتؤكد أن الدراسات أثبتت عدم فعاليتها في ردع الجرائم. وترى أن الحل يكمن في إصلاح المنظومة القضائية، وتشديد العقوبات البديلة، مثل السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة.
وفيما إذا كان القضاء قد تحول إلى “أداة بيد السلطة”، حسب أوساط معارضة، يقول الغيلوفي: “تبعية القضاء للسلطة أمر لم يعد محل اختلاف بين المراقبين الداخليين والخارجيين، خاصة بعد هروب أحد القضاة (سمير الزوابي) إلى قطر، وتصريحه بأنه كان يعمل تحت أوامر وترهيب السلطة القائمة”.
وزاد: “ومؤخرًا، تم تحديد جلسة للمتهمين فيما سمّته السلطة (المؤامرة)، لكنها ستكون جلسة عن بُعد، وهو ما يُعدّ انتهاكًا لحقهم في محاكمة عادلة”.