رسالة الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي حول عيد الأضحى 2025
في خطوة غير مسبوقة خلال العقد الحالي، وجّه العاهل المغربي الملك محمد السادس رسالةً إلى الشعب المغربي يوم الأربعاء 27 فبراير 2025، داعيًا إياهم إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي في عيد الأضحى لهذا العام. جاء هذا القرار في ظلّ تحديات مناخية واقتصادية طاحنة، أبرزها استمرار موجة الجفاف لخمس سنوات متتالية، ما أدى إلى تراجع حاد في أعداد الماشية وصل إلى 38% وفقًا للإحصاءات الرسمية.
تُعدّ هذه الدعوة امتدادًا لسياسة ملكية متجذرة في التاريخ المغربي الحديث، حيث سبق للعاهل الراحل الحسن الثاني أن أصدر قرارات مماثلة في أعوام 1963 و1981 و1996، ما يُبرز طبيعة الأزمات الدورية التي تواجهها البلاد.
تداعيات الجفاف المتواصل على الثروة الحيوانية
تشهد المغرب منذ عام 2020 موجة جفاف هي الأسوأ منذ ثلاثة عقود، حيث انخفضت نسبة هطول الأمطار هذا العام بنسبة 53% مقارنةً بمتوسط الثلاثين عامًا الماضية. أدى ذلك إلى تدهور المراعي الطبيعية، التي تعتمد عليها نسبة كبيرة من الماشية في التغذية، مما تسبب في نفوق آلاف الرؤوس وانخفاض إنتاج اللحوم بنسبة ملحوظة. وفقًا لبيانات وزارة الفلاحة المغربية، تراجع عدد رؤوس الأغنام من 32 مليونًا في 2016 إلى نحو 20 مليونًا في 2025، وهو ما يُهدّد الأمن الغذائي على المدى المتوسط.
الحفاظ على التوازن البيئي
يشير الخبراء البيئيون إلى أن الاستمرار في ذبح الأضاحي بهذه الأعداد – الذي يُقدّر بمليوني رأس سنويًا – في ظلّ نقص المواشي سيزيد من الضغط على القطيع المتبقي، ويعرقل جهود إعادة تكثيف الثروة الحيوانية. يُضاف إلى ذلك التحديات اللوجستية المتعلقة بتدبير مخلفات الذبائح، والتي تزيد من مخاطر التلوث في ظلّ شحّ الموارد المائية.
حماية الفئات الهشة من التضخم
أدّى نقص المعروض من اللحوم إلى ارتفاع أسعارها بنسبة 40% خلال العام الماضي، وفقًا للمرصد الوطني للأسعار. يُذكر أن أسعار الأضاحي تُشكّل عبئًا على الأسر محدودة الدخل، حيث تُقدّر تكلفة الرأس الواحد بما يعادل ربع الراتب الشهري للحد الأدنى للأجور. بذلك، يحمي القرار الملكي هذه الفئات من الاستدانة أو التضحية بمدخراتها لتأمين الأضحية.
الإجراءات الحكومية لتعويض النقص
للحدّ من الأثر الاقتصادي، أعلنت الحكومة عن إلغاء الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على استيراد الماشية، كما وقّعت اتفاقيةً مع أستراليا لاستيراد 100 ألف رأس من الأغنام. تهدف هذه الخطوات إلى استقرار السوق وتوفير بدائل للمواطنين الراغبين في الشراء، رغم أن التكلفة العالية للاستيراد تبقى تحديًا أمام تحقيق التوازن المطلوب.
الاستناد إلى مبدأ التيسير في الشريعة
استند الملك محمد السادس في قراره إلى آية ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ مؤكدًا أن الذبح “سنة مؤكدة مع الاستطاعة”، وأن الظروف الراهنة تُلغي شرط الاستطاعة لشريحة كبيرة من المواطنين. كما استدلّ بالحديث النبوي الذي رواه أبو داود، حيث ذبح النبي ﷺ كبشين قائلًا: «هَذَا عَنِّي وَعَنْ مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»، مُعلنًا أن الديوان الملكي سيتكفل بالذبح نيابةً عن الشعب.
فتاوى داعمة في السياق الإسلامي
أصدر المجلس العلمي الأعلى بالمغرب فتوى تؤكد أن قرار الملك يندرج تحت “الضرورات الشرعية” التي تُبيح التخفيف من بعض الشعائر لدرء المفاسد الكبرى. واستشهدت الفتوى بقاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”، مُوضّحة أن حماية الثروة الحيوانية تُعتبر من “المصالح الكلية” التي تُقدّم على المصالح الجزئية.
آراء المواطنين بين التأييد والانتقاد
كشفت استطلاعات الرأي عن انقسام في الشارع المغربي؛ حيث أيّد 62% من المشاركين القرار كـ”خطوة مسؤولة في ظل الأزمة”، بينما رأى 38% أنه “يُضعف التقاليد الدينية”. عبّر محمد، مواطن من الدار البيضاء، عن تأييده قائلًا: “الأضحية ليست غاية بحد ذاتها، بل المقصود التقرب إلى الله، وهذا ممكن بطرق أخرى كالصدقة”. في الجانب الآخر، انتقدت فاطمة من فاس القرار باعتباره “تعديًا على الشعائر”، داعية إلى “إيجاد حلول بدل الإلغاء”.
السياق التاريخي لقرارات منع الذبح
يعود أول قرار بمنع ذبح الأضاحي إلى عام 1963 أثناء “حرب الرمال” مع الجزائر، حيث شهدت البلاد أزمة اقتصادية حادة. تكرر المنع عام 1981 بسبب جفاف أدى إلى نفوق 40% من الماشية، ثم عام 1996 بعد أن صنّفت الحكومة عام 1995 كـ”سنة كارثة وطنية” بسبب الجفاف. تُظهر هذه السوابق نمطًا من الأزمات الدورية التي تعيد تشكيل السياسات الدينية والاقتصادية.
مقارنة مع أزمات 2023 و2025
شهد عام 2023 دعوات شعبية للمنع بسبب ارتفاع الأسعار، لكن القرار الرسمي تأخر حتى 2025 حين بلغت الأزمة ذروتها. يُلاحظ أن الفارق الجوهري بين الأزمات السابقة والحالية هو التغير المناخي المتسارع، الذي حوّل الجفاف من ظرف استثنائي إلى واقع دائم، وفق تقارير البنك الدولي.
الآثار المتوقعة للقرار على المدى البعيد
يتوقع خبراء البيئة أن يساهم القرار في تقليل الضغط على المراعي، مما يسمح بإعادة تأهيلها خلال السنوات القادمة. كما سينخفض استهلاك المياه المُستخدمة في تنظيف الذبائح بنسبة 30%، وفق تقديرات وكالة المياه المغربية. من المتوقع أن يؤدي خفض الاستيراد إلى توفير نحو 500 مليون دولار سنويًا، تُوجّه نحو دعم المزارعين لتحسين سلالات الماشية. إلا أن القرار قد يُؤثر سلبًا على قطاع الجزارين الذين يعتمدون على العيد لتحقيق 40% من مبيعاتهم السنوية.
على الصعيد الاجتماعي
قد يُعزز القرار قيم التضامن المجتمعي، عبر تحويل ميزانيات الأضاحي إلى مشاريع تنموية. لكنه يُواجه خطر زيادة الاحتقان الاجتماعي في ظلّ غياب بدائل رمزية تُعوّض عن الغياب الطقوسي للذبح.