الأزمة في سوريا وطلب الحماية التركية
في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا في الفترة الأخيرة، برزت ادعاءات حول طلب مجموعة من الشيوخ العلويين الحماية من تركيا، مما أثار جدلاً واسعاً حول مصداقية هذه المزاعم وخلفياتها السياسية والأمنية في ظل الصراع المتعدد الأطراف على النفوذ في المنطقة. كشفت مصادر سورية لـ المنشر الإخباري أن الاستخبارات التركية وضعت خطة من أجل السيطرة على الساحل السوري وضمه إلى تركيا عبر التوصال مع قيادات العلويين وأيضاً زيادة الانتهاكات من سلطة أحمد الشرع بحق العلويين في سوريا.
تصاعد المخاوف في الساحل السوري
تأتي هذه المزاعم في سياق تصاعد المخاوف لدى الطائفة العلوية في الساحل السوري مع زيادات الانتهاكات من قبل سلطة أحمد الشرع، فقد شهدت المناطق ذات الغالبية العلوية في ريفي حمص وحماة وكذلك في الساحل السوري تقارير عن انتهاكات وتعديات وصلت في بعض الحالات إلى القتل على الهوية، مما أثار قلقاً متزايداً لدى أبناء هذه الطائفة حول مستقبلهم ومصيرهم.
وكان رئيس طائفة العلويين في لواء إسكندرون (هاتاي) التركي، الشيخ سليم نارلي، قد كشف في وقت سابق عن تحركات يقوم بها العلويون في تركيا وخارجها بهدف حماية الأقليات في سوريا، خصوصاً العلويين منهم. وأشار نارلي إلى توجهه على رأس وفد ضم علويين أتراكاً وشخصيات سنية كانت تعارض نظام الأسد سابقاً إلى أنقرة، حيث عقدوا لقاءات مع مسؤولين أتراك مطالبين بإيقاف ما وصفوه بـ “المظالم التي يتعرض لها السوريون، خصوصاً العلويين في سوريا”.
طلب الحماية التركية
وقالت مصادر لـ المنشر الإخباري إن 400 شيخ علوي سوري بقيادة الشيخ غزال غزال وقع على طلب حماية تركيا للعلويين في سوريا. وبينما تشير بعض المصادر إلى هذا الطلب، لم تؤكد أي مصادر رسمية أو موثوقة هذه المعلومات، مما يثير تساؤلات حول مصداقيتها وأهدافها.
وفي هذا السياق، نفى الشيخ سليم نارلي صحة التقارير التي تحدثت عن مطالب من علويين سوريين بالحماية التركية، قائلاً: “لم نطلب مطلباً محدداً، بل استفسرنا عن الاقتراحات التي يمكن أن تمنع الظلم، ولم نطالب بإلحاق الساحل السوري بتركيا وفق ما يُشاع على مواقع التواصل الاجتماعي”. كما أكد أن الوفد “لم يتلق وعوداً ملموسة من المسؤولين الأتراك”، لكنه أعرب عن أمله في أن يعملوا على “إيقاف الظلم”.
صالح منصور: نموذج للاستقطاب والتوظيف السياسي
برزت في الأسابيع الأخيرة قضية صالح منصور، الضابط السابق في الجيش السوري الذي ظهر مؤخراً كشخصية مثيرة للجدل تدعي تمثيل الطائفة العلوية. وقد أثار منصور جدلاً واسعاً بعد إعلانه تقديم وثيقة موقعة من ملايين العلويين في سوريا وتركيا ولبنان للأمم المتحدة لطلب الحماية من فرنسا. وظهر منصور في مقاطع فيديو يدعو فيها إلى طلب حماية دولية للساحل السوري، بحجة تصاعد الجرائم والانتهاكات بحق أبناء الطائفة العلوية.
وقد قوبلت دعواته برفض واسع من وجهاء الطائفة العلوية الذين أصدروا بياناً يؤكد أن منصور لا يمثلهم بأي شكل. وكشفت مصادر متطابقة أن منصور هو عقيد معزول بسبب قضايا فساد كبيرة، وظهر مؤخراً وهو يطالب بالاحتلال الفرنسي في الساحل السوري. وقد خدم ضمن الفرقة السابعة باللواء 121 وتولى منصب مسؤول المالية عام 2012. ووجهت له اتهامات بالفساد والاختلاس شملت سرقة رواتب العسكريين والمصابين في عام 2014.
وأوضح المصادر أن صالح منصور لديه اتصالات مع الاستخبارات التركية، ويلعب دورا في توجيه الرأي العام العلوي في سوريا لطلب الحماية من تركيا للعلويين.
تركيا بين الحماية والتدخل
تشير بعض التحليلات إلى أن تركيا تقف خلف ما يجري من “إرهاب منظم” ضد العلويين في سوريا بهدف إجبارهم على طلب الحماية التركية عبر ضم الساحل إلى تركيا. وتتهم هذه التحليلات تركيا بالسعي إلى توسيع نفوذها في المنطقة من خلال استغلال مخاوف الأقليات وتقديم نفسها كحامية لهم.
وفي هذا السياق، تشير تقارير إعلامية إلى بدء دخول أرتال الجيش التركي إلى ريف اللاذقية الشمالي، وهو ما أشار إليه نشطاء سوريون ومواقع سورية محلية بنشر مقاطع فيديو لهذه القوات التركية، مؤكدين أن تلك الخطوة تأتي في سياق التوسع التركي داخل الأراضي السورية واستكمال محاولات “التتريك الناعمة”.
موقف وجهاء الطائفة العلوية: رفض التدخل الخارجي
أصدر عدة وجهاء من الطائفة العلوية في الساحل السوري بياناً مصوراً حول الأحداث التي شهدتها عدة مناطق بريف اللاذقية، منها تحمل دعوات طائفية تقوض السلم الأهلي، مؤكدين رفضهم لمثل هذه التصرفات الصادرة عن بعض الشخصيات التي وصفوها بأنها “ملوثة أيديها بدماء السوريين إلى جانب نظام بشار الأسد”.
وقال الشيخ عيسى بهلول، رئيس شعبة أوقاف القرداحة في الطائفة العلوية في سوريا: “ندين قيام العصابة المسلحة باختطاف عناصر من الأمن العام”، داعياً إلى محاسبة كل من تورط في جرائم ضد الشعب السوري، ونفى وقوع أي استهداف لأبناء الطائفة لأنهم علويون، مشدداً على أن الإدارة الجديدة تمثل سوريا دولة وحكومة.
كما أصدرت حركة الشغل الديمقراطي، التي تضم شخصيات سورية من مختلف المكونات بما فيها معارضين علويين منذ عام 2011، بياناً يدين بشكل غير مباشر خطاب منصور، مؤكدة رفضها القاطع للدعوات المشبوهة المطالبة بحماية دولية، معتبرة أنها تهدد السلم الأهلي ووحدة البلاد.
الأبعاد الجيوسياسية: صراع النفوذ في الساحل السوري
تكتسب قضية الساحل السوري أهمية جيوسياسية كبيرة نظراً لموقعه الاستراتيجي على البحر المتوسط ووجود ثروات طبيعية هائلة، بما في ذلك النفط والغاز، أمام شواطئه. وهو ما يجعله محل أطماع القوى الإقليمية والدولية.
وتشير بعض التحليلات إلى أن تركيا تسعى إلى توسيع نفوذها في المنطقة من خلال تقديم نفسها كحامية للأقليات، بما في ذلك العلويين، في محاولة لتعزيز موقعها في شرق المتوسط ومنع الأكراد من الوصول إلى منفذ بحري. وفي المقابل، هناك مخاوف من تدخل فرنسي أو إسرائيلي في الساحل السوري، وهو ما قد يؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة بشكل أكبر.
في ظل تضارب المعلومات وتعدد الروايات حول قضية طلب الحماية التركية من قبل شيوخ علويين، يبدو أن الدعوة للحذر والتعامل بحكمة مع هذه المزاعم هي الموقف الأكثر حكمة في هذه المرحلة. فمن الضروري التحقق من مصداقية أي معلومات تتعلق بهذا الموضوع الحساس، وعدم الانجرار وراء الشائعات والادعاءات غير الموثقة التي قد تهدف إلى تأجيج التوترات الطائفية وتهديد السلم الأهلي في سوريا.
كما أن من المهم الاستماع إلى أصوات وجهاء الطائفة العلوية أنفسهم، الذين أكدوا في أكثر من مناسبة رفضهم للدعوات المشبوهة للتدخل الخارجي، وتمسكهم بوحدة سوريا وسلامة أراضيها.
وفي النهاية، يبقى الحل الأمثل لأزمة سوريا هو الحوار الوطني الشامل بعيداً عن التدخلات الخارجية والاستقطابات الطائفية، وبما يضمن حقوق جميع المكونات السورية ويحافظ على وحدة البلاد وسيادتها.
أبرز المقالات حول الوضع الطائفي في سوريا
- صالح منصور أبرز قيادات العلويين يدعو إلى التظاهر يوم 2 مارس ضد الانتهاكات الطائفية في سوريا
- التجمع الوطني للساحل السوري يعلن عن تأسيس إقليم الساحل وسط تصاعد الانتهاكات العلويين
- اغتيالات وتصفية حسابات طائفية في سوريا: تصاعد العنف ضد العلويين والدروز
- دعا فرنسا لحماية العلويين في سوريا، من هو صالح منصور؟
- احتجاجات العلويين الأتراك ضد مجازر الجولاني بحق العلويين والأكراد والمسيحيين والدروز في سوريا
- بعد احتجاجات العلويين، اتهامات لإيران باستهداف سوريا الجديدة
- اجتماع سري في إسرائيل يبحث خطة تقسيم سوريا إلى دويلات
- خراب مرقية بريف طرطوس: مسلحون ملثمون يقتلون 5 مدنيين في مجزرة طائفية