جذور الصراع في بلوشستان
يعود النزاع في إقليم بلوشستان إلى عام 1948، عندما انضمت المنطقة بشكل مثير للجدل إلى باكستان. على مدار سبعة عقود، شهد الإقليم خمسة انتفاضات كبرى ضد الحكم المركزي، حيث يتهم سكانه الحكومة الباكستانية بالاستيلاء على الموارد الطبيعية للإقليم، مثل الغاز الطبيعي والذهب، بينما يتم حرمانهم من الاستفادة من هذه الموارد.
إقليم بلوشستان هو أكبر إقليم في باكستان من حيث المساحة، ولكنه يعد من أقل المناطق كثافة سكانية، حيث يعيش فيه حوالي 6% فقط من إجمالي سكان باكستان البالغ عددهم 241 مليون نسمة. وهو يضم غالبية البلوش الذين يعتبرون أنفسهم مهمشين ومضطهدين من قبل الحكومة المركزية في إسلام آباد.
تعتبر بلوشستان أحد الأقاليم الأغنى في باكستان من حيث الموارد الطبيعية، مثل الغاز والموارد المعدنية، وهو أيضا جزء رئيسي من مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي تموله الصين. لكن هذه الثروات لم تساهم بشكل كبير في رفاهية السكان المحليين.
التصعيد الأخير ودور جيش تحرير بلوشستان
يعتبر جيش تحرير بلوشستان من أبرز الجماعات الانفصالية التي تسعى إلى استقلال إقليم بلوشستان عن الحكومة الباكستانية. ويركز هذا الجيش على مقاومة السيطرة الباكستانية، ويصف نفسه بأنه “محارب من أجل تحرير أرض الأجداد من الاحتلال الباكستاني”، بحسب ما أفاد المتحدث باسم الجماعة، جياند بلوش.
على مدار السنوات الأخيرة، قام جيش تحرير بلوشستان بتنفيذ العديد من الهجمات ضد المنشآت الحكومية والعسكرية الباكستانية، بالإضافة إلى استهداف المصالح الصينية في الإقليم، في إطار معارضتها لمشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. في عام 2019، صنفت الولايات المتحدة الجيش على قائمة “الجماعات الإرهابية العالمية” بسبب تورطه في الهجمات المستمرة على المؤسسات الباكستانية والأجنبية في المنطقة.
تستهدف هذه الجماعة أيضا العمال البنجابيين والسنديين الذين يعملون في الإقليم، وكذلك الشركات الأجنبية التي تستثمر في استخراج الطاقة، حيث يتهمونها بالاستغلال دون تقديم أي فائدة مباشرة للسكان المحليين.
الانتفاضات السابقة والمقاومة المستمرة
مرت حركة المقاومة في بلوشستان بمراحل متعددة منذ الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. ورغم حدوث فترات من الهدوء النسبي، فقد تزايدت الهجمات بشكل كبير اعتبارا من عام 2003، عندما كان الجنرال برويز مشرف في سدة الحكم العسكري. في تلك الفترة، تم تنفيذ العديد من العمليات العسكرية ضد المتمردين، بما في ذلك قتل زعيم بلوشي شهير، نواب أكبر خان بوجتي، على يد القوات الباكستانية.
تقدر منظمة “صوت المفقودين البلوش” أن أكثر من 7,000 شخص قد اختفوا قسرا في الإقليم، بينما تشير لجنة التحقيق في حالات الاختفاء إلى أن العدد لا يزال عند 454 حالة فقط حتى أكتوبر 2023.
التحديات الأمنية في بلوشستان
في الوقت الذي يشهد فيه الإقليم تصعيدا متزايدا في الهجمات المسلحة، بما في ذلك استهداف قوات الأمن والشرطة، يتفاقم الوضع الأمني في بلوشستان بشكل متسارع. وقد أعلنت الجماعة مؤخرا عن تنفيذ سلسلة من الهجمات على المنشآت الحكومية في المنطقة، بما في ذلك مراكز الشرطة ومقرات قوات الأمن.
في حادثة مشابهة، قتل تسعة ركاب في أبريل الماضي على متن حافلة في بلوشستان بعد أن تم التحقق من هويتهم. كما كثف جيش تحرير بلوشستان من هجماته على المنشآت العسكرية والحكومية، في وقت حساس يشهد فيه الإقليم توترا أمنيا.
الموقف الدولي والتصنيف الإرهابي
تستمر الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، في تصنيف جيش تحرير بلوشستان كمنظمة إرهابية. هذا التصنيف يأتي على خلفية تصاعد الهجمات التي نفذتها الجماعة ضد الحكومة الباكستانية والأهداف الأجنبية في المنطقة.
ومع تنامي الدعم الإقليمي لجماعات مثل جيش تحرير بلوشستان، تزداد المخاوف من أن تؤدي هذه التوترات إلى مزيد من التصعيد في المنطقة، مما يعقد الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار في بلوشستان والحد من تأثيرات الجماعات المتطرفة.