التقرير الفرنسي: الوضع المعقد في ليبيا والتدخلات العسكرية الأجنبية
في تقرير جديد صادر عن المعهد الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية، تم تسليط الضوء على الوضع المعقد في ليبيا ووجود التدخلات العسكرية الأجنبية التي تُسهم في تعميق الأزمة.
التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا
وفقًا للتقرير، تدير روسيا أربع قواعد جوية وبرية في الشرق، الوسط، والجنوب الليبي، بينما تواصل تركيا الاحتفاظ بثلاث قواعد رئيسية في غرب البلاد. على الرغم من الدعوات الدولية المتكررة للانسحاب، تبرر كلتا الدولتين وجودهما في ليبيا من خلال اتفاقيات رسمية مع الفصائل الليبية المختلفة، مما يزيد من الانقسامات الداخلية ويعمق الاعتماد على القوى الأجنبية.
تأثير الركود السياسي على الوضع الليبي
يشير التقرير إلى أن تحول الأولويات الدولية في الآونة الأخيرة، مع انشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى مثل الصراع في غزة، وحرب أوكرانيا، والصراع السوداني، قد أدى إلى تراجع الاهتمام الدولي بالملف الليبي. وهذا التراجع في الاهتمام انعكس سلبًا على الوضع السياسي في ليبيا، حيث يستمر الركود السياسي وتعقيدات جيوسياسية واقتصادية على المستويين الوطني والإقليمي.
الوجود العسكري الأجنبي، الذي يعد عاملاً رئيسيًا في تشكيل المشهد الليبي، يعمل كأداة موازنة ومحرك للركود السياسي في البلاد. بينما يبقى الدعم الدولي المتباين للأطراف المختلفة داخل مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي سببًا رئيسيًا في إطالة أمد الأزمة.
التحديات الاقتصادية والانقسامات السياسية
النقص في البيانات الدقيقة حول الإنفاق الحكومي في ظل الركود السياسي المستمر أدى إلى تدهور اقتصادي واسع، وتفاقم مستويات الفساد. هذا الوضع سيستمر في التأثير بشكل مباشر على الاستقرار الأمني في ليبيا، في الوقت الذي تسعى فيه الجماعات المسلحة لتمويل نفسها من خلال أنشطة غير مشروعة مثل التهريب والاختطاف والابتزاز.
من جهة أخرى، تزايد تدفق النازحين من الدول المجاورة، خاصة من السودان، يعمق الوضع الإنساني المتدهور في ليبيا، حيث يزداد الضغط على البنية التحتية الإنسانية الضعيفة. ويجعل هذا الوضع من الصعب توفير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، بينما تزداد تقارير الانتهاكات الحقوقية مثل الاختفاء القسري والتعذيب.
التنافس الروسي-التركي وتعقيد المشهد الجيوسياسي
أدى تراجع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط بعد انهيار النظام السوري إلى أن تسعى موسكو للتوسع العسكري والجيوسياسي في ليبيا، وهو ما قد يعزز التوترات مع تركيا. حيث كانت روسيا وتركيا تتعاونان في السابق تحت مبدأ الشراكة وتقاسم الفرص، لكن الانقسامات التي أفرزتها التدخلات العسكرية قد تزيد من التنافس بينهما في ليبيا.
الفرص والتهديدات أمام مستقبل ليبيا
تشير تحليلات التقرير إلى أن ليبيا تقف عند مفترق طرق: إما أن تستمر في طريق الركود السياسي والاقتصادي مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية، أو أن تعتمد نهجًا شاملاً يعالج الأسباب الجذرية للأزمة. من أجل حل الأزمة، يُشدد التقرير على الحاجة إلى إصلاح سياسي تدريجي، وتنويع اقتصادي، وتعزيز آليات العدالة.
كما أضاف المعهد الفرنسي للدراسات أن أي حل لا يعالج القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الأساسية لن يكون سوى هدنة مؤقتة، قد تؤدي إلى تصعيد حتمي، ليس فقط في ليبيا ولكن في المنطقة بأكملها.
الاستنتاجات
تبقى الأزمة الليبية في قلب التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى في المنطقة. وتظل الانقسامات السياسية والصراع على النفوذ بين القوى الخارجية محوريين في استمرار حالة الجمود. الحلول الفعالة تتطلب تحولًا حقيقيًا في سياسات الإصلاح الداخلي ودعماً دوليًا حقيقيًا يركز على تمكين المؤسسات الوطنية بدلاً من إدارة الصراع في إطار ضيق.