تقرير أممي جديد: إسرائيل ارتكبت “أعمال إبادة جماعية” في غزة عبر تدمير منشآت الصحة الإنجابية
كشف خبراء في الأمم المتحدة في تقرير جديد صدر اليوم الخميس 13 مارس 2025، أن إسرائيل ارتكبت “أعمال إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين ودمرت بشكل ممنهج منشآت رعاية صحية للنساء خلال الحرب على قطاع غزة واستخدمت العنف الجنسي كاستراتيجية في الحرب. وقد أثارت هذه الاتهامات الخطيرة موجة من الاستنكار الدولي، فيما رفضت إسرائيل بشدة ما ورد في التقرير واصفة الاتهامات بأنها لا أساس لها ومنحازة وتفتقر للمصداقية.
تفاصيل التقرير الأممي وأبرز الاتهامات
قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية وإسرائيل في تقريرها الجديد إن “السلطات الإسرائيلية دمرت جزئياً القدرة الإنجابية للفلسطينيين في قطاع غزة كمجموعة بأفعال منها فرض إجراءات بهدف منع المواليد وهي إحدى بنود أعمال الإبادة الجماعية في نظام روما الأساسي ومعاهدة منع الإبادة الجماعية”. وذكرت اللجنة أن تلك الإجراءات بالإضافة إلى ارتفاع عدد الوفيات بين الأمهات بسبب تقييد الوصول لإمدادات طبية يصل إلى حد جريمة الإبادة وهي من الجرائم ضد الإنسانية.
وخلصت اللجنة المكونة من ثلاثة أشخاص، والتي أسسها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أيار/مايو 2021، إلى أن السلطات الإسرائيلية “دمّرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة كمجموعة عبر التدمير الممنهج لقطاع الصحة الإنجابية”. وأضافت أن ذلك يرقى إلى “فئتين من أعمال الإبادة” المرتكبة خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة التي أطلقت بعدما هاجم عناصر حماس إسرائيل يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
تدمير مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب
من بين الانتهاكات الخطيرة التي وثقها التقرير، تدمير “مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب”، وهو العيادة الرئيسية للخصوبة المخبرية في غزة. وقال التقرير إن مركز البسمة تعرّض للقصف في كانون الأول/ديسمبر 2023، ما ألحق وفق تقارير أضرارا بنحو 4000 جنين في عيادة كان يتردد إليها ما بين 2000 إلى 3000 مريض شهريا. وخلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية هاجمت العيادة عمدا ودمرتها، بما في ذلك جميع المواد الإنجابية المخزّنة من أجل الحمل مستقبلا في القطاع.
ولم تعثر اللجنة على أي أدلة موثوقة تشير إلى أن المبنى كان مستخدما لأغراض عسكرية. وخلصت إلى أن التدمير كان “إجراء يهدف إلى منع الولادات في أوساط الفلسطينيين في غزة، وهو عمل إبادة جماعية”.
اتهامات بالعنف الجنسي واستخدامه كاستراتيجية حرب
اتهم التقرير القوات الإسرائيلية باستخدام التعرية العلنية القسرية والاعتداء الجنسي في إطار الإجراءات الاعتيادية لتنفيذ العمليات لمعاقبة الفلسطينيين. وأضافت اللجنة أن تجريد الأشخاص من ملابسهم علنا والتحرش الجنسي بما في ذلك التهديد بالاغتصاب والاعتداءات الجنسية تشكّل جميعها جزءا من “إجراءات العمل الموحدة” التي تتبعها قوات الأمن الإسرائيلية حيال الفلسطينيين.
وجاء التقرير بعدما عقدت اللجنة جلسات علنية في جنيف الثلاثاء والأربعاء للاستماع إلى شهادات ضحايا العنف الجنسي والشهود عليه. وخلص إلى أن إسرائيل استهدفت النساء والفتيات المدنيات مباشرة في “أفعال تمثّل جريمة ضد الإنسانية هي القتل وجريمة الحرب المتمثلة بالقتل العمد”.
رد إسرائيل على الاتهامات
رفضت إسرائيل تلك الاتهامات بشكل قاطع. وقالت بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف في بيان ردا على ذلك، إن الجيش الإسرائيلي “لديه أوامر واضحة وسياسات تمنع صراحة مثل تلك الإساءات”، مضيفة أن عمليات المراجعة التي تنفذ تتسق مع المعايير الدولية.
ووصفت البعثة الدائمة لإسرائيل في الأمم المتحدة في جنيف الاتهامات في التقرير بأنها لا أساس لها ومنحازة وتفتقر للمصداقية. كما اتّهمت إسرائيل اللجنة بتمرير “أجندة سياسية منحازة ومحددة سلفا.. في محاولة وقحة لتجريم قوات الدفاع الإسرائيلية”.
موقف حركة حماس من التقرير
قالت حركة حماس إن تصريحات فرانشيسكا ألبانيز (مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة) تضع المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام اختبار حقيقي لحماية الإنسانية.
وأضافت الحركة في بيان لها على موقعها على تليغرام أن “التصريحات إقرار إضافي من مسؤولة أممية رفيعة، بوجود أدلة كافية على ارتكاب جيش الاحتلال الصهيوني لأعمال الإبادة والتطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني”. وطالبت الحركة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، الوقوف أمام مسؤولياتهم بمنع أعمال الإبادة التي تجاوزت الإنسانية منذ عقود مضت.
سياق التقرير وتقارير سابقة
يأتي هذا التقرير في سياق متصل بتقارير سابقة للأمم المتحدة حول ممارسات إسرائيل في غزة. ففي نوفمبر 2024، اعتبرت لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة أن ممارسات إسرائيل خلال حرب غزة “تتسق مع خصائص الإبادة الجماعية”، متهمة إسرائيل بـ”استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب”.
وفي ذلك التقرير الذي غطى الفترة من هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 حتى يوليو/تموز 2024، أشارت اللجنة إلى “سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين وظروف تهدد حياة الفلسطينيين فرضت عمدا”.
كما قالت اللجنة في ذلك التقرير: “من خلال حصارها لغزة، وعرقلة المساعدات الإنسانية، إلى جانب الهجمات المستهدفة وقتل المدنيين وعمال الإغاثة، وعلى الرغم من النداءات المتكررة للأمم المتحدة، والأوامر الملزمة من محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن، تتسبب إسرائيل عمدا في الموت والتجويع والإصابات الخطيرة”.
الإطار القانوني الدولي للإبادة الجماعية
تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية هذه الجريمة على أنها أفعال ارتُكبت بنيّة تدمير مجموعة وطنية أو عرقية أو دينية بالكامل أو جزئيا. وأفاد التحقيق بأن إسرائيل تورطت في اثنين من خمسة أفعال تعرفها اتفاقية الأمم المتحدة على أنها “أعمال إبادة”، مشيرا إلى أن الدولة العبرية كانت “تتسبب عمدا بظروف حياتية للمجموعة (أي الفلسطينيين) محسوبة للتسبب بتدميرها بدنيا” و”تفرض إجراءات تهدف إلى منع حدوث ولادات ضمن المجموعة”.
الجدير بالذكر أن إسرائيل من الدول الموقعة على معاهدة منع الإبادة الجماعية وأمرتها محكمة العدل الدولية في يناير/ كانون الثاني 2024 باتخاذ إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية خلال الحرب على حركة حماس. لكن إسرائيل ليست طرفا في نظام روما الأساسي الذي يمنح المحكمة الجنائية الدولية صلاحية إصدار أحكام في قضايا جنائية فردية تنطوي على إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل
تجدر الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا رفعت قضية تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية بسبب ما فعلته في قطاع غزة أمام محكمة العدل الدولية. وفي يناير/كانون الثاني 2024، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية خلال الحرب على حركة حماس.
تأثير التقرير على المجتمع الدولي
قالت رئيسة اللجنة نافي بيلاي في بيان إن “هذه الانتهاكات لم تتسبب بإيذاء بدني ونفسي شديد مباشر للنساء والفتيات فحسب، بل أدت كذلك إلى تداعيات طويلة الأمد لا يمكن إصلاحها على الصحة النفسية والإنجابية وفرص الخصوبة للفلسطينيين كمجموعة”.
ويضع هذا التقرير المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه ما يحدث في قطاع غزة، خاصة في ظل تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف الحرب أو بذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين.
الخلاصة
يشكل هذا التقرير الأممي الجديد تطوراً خطيراً في مسار اتهامات إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، حيث يقدم تفاصيل محددة حول تدمير القدرة الإنجابية للفلسطينيين كمجموعة من خلال استهداف منشآت الرعاية الصحية والإنجابية. ورغم رفض إسرائيل القاطع لهذه الاتهامات، فإن التقرير يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في التحقيق في هذه الادعاءات الخطيرة التي قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وفق التعريفات والمعايير الدولية.