الائتلاف الشعبي للعمل المدني يدعو إلى تنحي الرئيس سلفاكير وفق جدول زمني محدد
في خطوة جديدة ضمن مساعيه المستمرة للتغيير السياسي في جنوب السودان، أصدر الائتلاف الشعبي للعمل المدني بياناً رسمياً دعا فيه إلى ضرورة إعلان جدول زمني واضح لتنحي الرئيس سلفاكير ميارديت عن السلطة لصالح نائبه بول ميل. ويأتي هذا البيان وسط تصاعد التوترات الأمنية في ولاية أعالي النيل، وبعد قمة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد) التي حثت جميع أطراف النزاع على وقف الأعمال العدائية فوراً ودون شروط مسبقة.
خلفية الائتلاف الشعبي للعمل المدني وتاريخ دعواته للتغيير
الائتلاف الشعبي للعمل المدني ليس جديداً في مطالبته بتنحي القيادة السياسية في جنوب السودان. فقد سبق أن دعا هذا التحالف، الذي يضم سياسيين ونشطاء من المجتمع المدني، إلى تنظيم احتجاجات شعبية في أغسطس 2021 للمطالبة بتنحي الرئيس سلفاكير ونائبه الأول رياك مشار عن السلطة. وفي ذلك الوقت، أعلن الائتلاف عن تشكيل وحدة تنسيقية لتعبئة المواطنين للمشاركة فيما أسماه “يوم الانتفاضة الوطنية”.
وقد قوبلت تلك الدعوات في الماضي بإجراءات قمعية من قبل الحكومة، حيث وثقت منظمة العفو الدولية اعتقال نشطاء وسياسيين وإغلاق محطات إذاعية ومراكز أبحاث، فضلاً عن قطع خدمة الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لمنع الاحتجاجات. كما جرى اعتقال كويل أقوير كويل، الحاكم السابق لولاية شمال بحر الغزال وأحد مؤسسي الائتلاف، ووجهت إليه تهم خطيرة بينها “تقويض الحكومة الدستورية” و”الإرهاب”.
انتقادات لمخرجات قمة الإيقاد وفشل اتفاقية السلام المنشطة
في بيانه الأخير، وجه الائتلاف الشعبي للعمل المدني انتقادات حادة لمخرجات قمة الإيقاد الأخيرة، معتبراً أنها ألحقت ضرراً بالغاً بجهود تحقيق السلام والاستقرار. وأشار البيان إلى أن المنظمة الإقليمية “خذلت جنوب السودان والمنطقة”، مؤكداً أن عدم عودة اللاجئين والنازحين داخلياً يعكس غياب السلام الحقيقي، وهو ما يستدعي معالجة جذور الأزمة بدلاً من الاكتفاء بالحلول المؤقتة.
واعتبر الائتلاف أن اتفاقية السلام المنشطة فشلت في تهيئة الظروف المناسبة لانتقال سياسي ناجح، مما أدى إلى تدهور الاقتصاد الوطني وتفاقم الأزمات الاجتماعية. كما رأى أن أعمال العنف الأخيرة في ناصر تعكس تصاعد الإحباط الشعبي من الاتفاقية الحالية، واصفاً النظام بأنه حول البلاد “من دولة استبدادية إلى حكم استبدادي بواجهة سياسية”.
دعوة إلى طاولة مستديرة وتحديد جدول زمني للانتخابات
لم يكتف الائتلاف بانتقاد الوضع الراهن، بل قدم رؤية للخروج من الأزمة تتضمن الدعوة إلى عقد طاولة مستديرة تشمل جميع الأطراف السياسية للتوصل إلى اتفاق دستوري شامل. كما دعا إلى تحديد جدول زمني واضح لإجراء الانتخابات، بما يضمن انتقالاً ديمقراطياً حقيقياً.
وشدد الائتلاف على أن الخطوة المنطقية الآن هي تنحي الرئيس سلفاكير وتسليم السلطة إلى نائبه بول ميل، معتبراً أن هذه الخطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار السياسي والانتقال السلمي للسلطة في البلاد. وذكر البيان أن “استمرار الوضع الحالي دون إصلاحات جذرية سيؤدي إلى مزيد من التعقيد والتدهور”، داعياً جميع الأطراف إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية “لإنقاذ البلاد من الانهيار التام”.
تصاعد التوتر الأمني وموقف الإيقاد
تأتي دعوة الائتلاف الشعبي للعمل المدني في وقت تشهد فيه ولاية أعالي النيل توتراً أمنياً متصاعداً، مما دفع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد) إلى حث جميع أطراف النزاع على وقف الأعمال العدائية فوراً ودون أي شروط، مع الالتزام الصارم باتفاق وقف إطلاق النار الدائم.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تدعو فيها الإيقاد إلى وقف إطلاق النار في جنوب السودان، فالمنظمة الإقليمية لعبت دوراً محورياً في رعاية مفاوضات السلام بين مختلف الأطراف السودانية الجنوبية، بما في ذلك اتفاق السلام الموقع في عام 2018. غير أن تطبيق تلك الاتفاقات ظل يواجه تحديات جسيمة، أبرزها عدم التزام الأطراف المتنازعة ببنودها.
انتقادات للفساد وسوء استغلال المال العام
لم يغفل بيان الائتلاف الشعبي للعمل المدني عن التطرق إلى قضية الفساد وسوء استغلال المال العام، معتبراً أن هذه الممارسات زادت من حدة الأزمة الاقتصادية والمعاناة الإنسانية في البلاد. وأشار البيان إلى أن “استغلال المال العام لمصالح شخصية” يعد أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية.
ويأتي هذا الانتقاد في سياق متسق مع مطالبات سابقة للائتلاف بمحاسبة المسؤولين عن سوء الإدارة والفساد، حيث سبق أن أكد أن “شعب جنوب السودان ليس عليه أي التزام دستوري بتحمل المعاناة الهائلة الناتجة عن إخفاقات القيادات إلى أجل غير مسمى”.
دعوات متكررة للتغيير وسط أزمات متفاقمة
لا تمثل دعوة الائتلاف الشعبي للعمل المدني لتنحي الرئيس سلفاكير حدثاً منعزلاً، بل هي جزء من سياق أوسع من المطالبات المتكررة بإحداث تغيير جذري في النظام السياسي في جنوب السودان. وتجدر الإشارة إلى أن توصيات مماثلة سبق أن خرجت من مبادرة الحوار الوطني التي رعاها النظام نفسه، والتي خلصت إلى ضرورة تنحي كل من سلفاكير ومشار عن السلطة.
مع ذلك، استمرت الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية في التفاقم، وسط غياب إرادة حقيقية للتغيير من قبل النخبة الحاكمة. ويبقى السؤال المطروح: هل ستؤدي الدعوات المتجددة للتغيير، في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، إلى استجابة فعلية من قبل السلطات؟ أم أن جنوب السودان مقبل على مزيد من التعقيدات والأزمات؟










