السودان يتوعد كينيا بإجراءات تصعيدية تشمل حظر استيراد منتجاتها
توعدت الحكومة السودانية باتخاذ “إجراءات تصعيدية” ضد كينيا على خلفية ما وصفته بـ”المواقف العدائية” تجاه السودان، وذلك بعد استضافة نيروبي لقوات الدعم السريع وكيانات سياسية وعسكرية أخرى وقعت ميثاقاً تأسيسياً لتشكيل حكومة موازية. وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التوتر الدبلوماسي بين البلدين خلال الشهر الماضي، حيث كشف مسؤولون سودانيون عن نية بلادهم اتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية ضد كينيا، بما في ذلك وقف استيراد المنتجات الكينية، وخاصة الشاي الذي يعتبر السودان من أكبر مستورديه من كينيا.
تصعيد دبلوماسي واقتصادي غير مسبوق
صرح السفير حسين الأمين الفاضل، وكيل وزارة الخارجية السودانية، في مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان في 24 فبراير 2025، عن اتخاذ خطوات تصعيدية ضد الحكومة الكينية بسبب تدخلها في الشأن الداخلي السوداني. وقال الأمين: “سنقدم مذكرة للاتحاد الإفريقي والمنظمات الدولية الأخرى، ولدينا إجراءات تصعيدية ضد كينيا لمواقفها العدائية تجاه السودان”.
وأضاف وكيل وزارة الخارجية أن بلاده ستتخذ إجراءات اقتصادية تشمل حظر استيراد المنتجات الكينية، مشيراً إلى أن السودان يعتبر من أكبر البلدان المستوردة للشاي من كينيا، وأن هذه الخطوة ستسبقها ترتيبات منها إيجاد البدائل. وأكد الأمين أن الإجراءات التصعيدية ستكون “تصاعدية وتدريجية” ردًا على ما وصفه بـ”السلوك العدائي غير المسؤول” من جانب كينيا.
وفي سياق متصل، وصفت وزارة الخارجية السودانية في بيان رسمي استضافة كينيا لمراسم توقيع قوات الدعم السريع ومتحالفين معها لميثاق تأسيسي يدعو إلى تشكيل حكومة موازية، بأنه “عمل عدائي وتدخل سافر في شؤون السودان الداخلية”. كما اعتبرت الوزارة أن “هذا المسلك الكيني يشكل خرقا لكل المواثيق والعهود الدولية، وفي مقدمتها مواثيق الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيقاد وغيرها”.
خلفية الأزمة وتطوراتها
تعود جذور الأزمة الحالية بين السودان وكينيا إلى استضافة الأخيرة لاجتماعات قوات الدعم السريع وحلفائها في العاصمة نيروبي. ففي يوم السبت الموافق 22 فبراير 2025، وقعت قوات الدعم السريع وحلفاؤها في نيروبي ميثاقاً تأسيسياً لتشكيل ما أسموه حكومة “وحدة وسلام”.
ووفق بيان صادر عن التحالف، فقد اجتمع أصحاب المصلحة الرئيسيون في نيروبي لمدة أربعة أيام، واختتموا اجتماعاتهم بتوقيع ميثاق يزعمون أنه سيوجه البلاد نحو تحقيق رؤية “السودان الجديد”. وقررت الأطراف الموقعة تأسيس جيش جديد يمثل جميع أطياف السودان، ويبتعد عن التدخل السياسي، ووقف الحرب الدائرة في البلاد، ومحاربة الإرهاب، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار، وفق البيان.
يذكر أن العلاقات بين البلدين شهدت توتراً متصاعداً منذ فترة، حيث سبق للسودان أن سحب سفيره من نيروبي قبل عام بسبب استقبال كينيا لقائد مليشيا الدعم السريع “استقبال الزعماء الفاتحين”، كما وصف ذلك وكيل وزارة الخارجية السودانية.
الموقف الكيني والرد السوداني
دافع موساليا مودافادي، أمين عام مجلس الوزراء للشؤون الخارجية الكيني، عن موقف بلاده قائلاً إن تصرفات كينيا تتماشى مع دورها الأوسع في مفاوضات السلام والتزامها بدعم السودان في إيجاد حل لأزمته السياسية المستمرة. وأشار إلى أن كينيا لديها تاريخ في تسهيل اتفاقيات السلام في المنطقة، بما في ذلك بروتوكول ماشاكوس عام 2002، الذي ساعد في إنهاء الحرب الأهلية السودانية الثانية.
لكن وزارة الخارجية السودانية رفضت هذا التبرير، وأكدت أنه “لا يوجد ما يبرر تصرفات كينيا واحتضان الرئيس ويليام روتو لقوات الدعم السريع”. واعتبرت الخارجية السودانية أن “استضافة قادة ميليشيا قوات الدعم السريع الإرهابية والسماح لهم بممارسة أنشطة سياسية ودعائية، بينما يواصلون ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وذبح المدنيين على أساس عرقي ومهاجمة معسكرات النازحين وارتكاب أعمال الاغتصاب، يشكل تأييدًا وتواطؤًا في هذه الجرائم الشنيعة”.
وأضافت الخارجية السودانية أن “الحكومة سعت عبر الاتصالات الدبلوماسية إلى تغيير هذا الموقف دون جدوى”، معتبرة أنه “من المؤسف أن يضع الرئيس الكيني مصالحه الشخصية والتجارية فوق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين”.
تداعيات الأزمة ومآلاتها المتوقعة
تأتي هذه التطورات في ظل تحقيق الجيش السوداني تقدماً ملموساً في المعارك ضد قوات الدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، وفق ما ذكرته التقارير الإعلامية. ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حرباً خلفت 29683 قتيلاً، وفق أحدث تقرير صادر عن موقع (ACLED)، وهي منظمة عالمية غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة.
وقد أعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف، في 23 فبراير 2025 بالقاهرة، أن بلاده لن تقبل أن تعترف أي دولة بأي حكومة موازية. كما دعت وزارة الخارجية السودانية الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية والإقليمية إلى “القيام بدورها في وجه ما أسمته التهديد الخطير للسلم والأمن الإقليميين والعبث بأسس النظام الدولي المعاصر وتشجيع تمزيق الدول الإفريقية وانتهاك سيادتها”.
خاتمة: مستقبل العلاقات بين البلدين
من المتوقع أن تؤثر هذه الأزمة الدبلوماسية والاقتصادية سلباً على العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب، خاصة مع إصرار السودان على اتخاذ إجراءات عقابية ضد كينيا، بما في ذلك حظر استيراد منتجاتها. ويبقى السؤال المطروح حول مدى تأثير هذه الإجراءات على اقتصاد البلدين، وما إذا كانت الوساطات الإقليمية والدولية ستنجح في تخفيف حدة التوتر بينهما.
ويظل الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع العامل الرئيسي المؤثر في تطور هذه الأزمة، حيث يبدو أن كينيا اختارت دعم طرف على حساب آخر، الأمر الذي اعتبرته الحكومة السودانية “تدخلاً سافراً” في شؤونها الداخلية و”خرقاً” للمواثيق والأعراف الدولية.










