إلغاء دعم الوقود في مصر: الحكومة تمضي في تنفيذ الخطة بحلول نهاية 2025 وسط مخاوف من تداعيات اقتصادية
تتجه الحكومة المصرية نحو إنهاء دعم المحروقات بالكامل بحلول نهاية عام 2025، وفقاً للجدول الزمني المحدد ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، في خطوة تثير قلقاً متزايداً لدى المواطنين حول تأثيرها على الأسعار والقدرة الشرائية. وتشير التوقعات إلى أن أسعار الوقود ستشهد أربع زيادات متتالية خلال العام الجاري، وسط ترقب لتفاصيل الإجراءات التخفيفية التي ستتخذها الحكومة لحماية الفئات الأكثر تضرراً من هذا القرار.
التزام حكومي بالجدول الزمني لإنهاء الدعم
أكد الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي للمجموعة العربية في صندوق النقد الدولي ووزير المالية المصري السابق، أن الحكومة المصرية ملتزمة بإنهاء دعم المحروقات بالكامل بحلول ديسمبر 2025، مشيراً إلى أن تسعير الوقود في مصر بات مرتبطاً بالأسعار العالمية للبترول. وأوضح معيط أن هذه الخطوة تأتي بالتزامن مع وجود مرونة في سعر الصرف منذ مارس 2024، وتراجع معدل التضخم، مما يعزز قدرة الدولة على تنفيذ القرار دون آثار حادة على الأسواق.
وكشف معيط أن مصر كانت قد سعت خلال مفاوضاتها مع صندوق النقد إلى تأجيل التحرير الكامل لأسعار الوقود إلى نهاية عام 2026 على الأقل، إلا أن المفاوضات أفضت إلى الاتفاق على نهاية 2025 كحد أقصى. وأضاف أن استقرار الجنيه المصري وانخفاض أسعار النفط عالمياً يسهمان في تخفيف الضغوط على أسعار الطاقة محلياً.
في المقابل، حاول رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، تهدئة المخاوف المتصاعدة، مؤكداً أن أي تعديل محتمل في أسعار الوقود لا يرتبط بموافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، بل يتم وفق آلية تسعير واضحة تأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
خطة تحرير الأسعار وآلية التنفيذ
تشير المصادر المطلعة إلى أن أسعار الوقود في مصر ستشهد أربع زيادات متتالية حتى نهاية عام 2025، وفق جدول زمني محدد. ويتوقع أن تكون الزيادة الأولى في أبريل/نيسان المقبل، تليها ثلاث زيادات أخرى على مدار العام، إذ تهدف هذه السياسة إلى تجنب أي صدمة اقتصادية مفاجئة، والسماح للأسواق بالتكيف مع الأسعار الجديدة تدريجياً.
ومن جانبها، تتوقع بحوث “إي إف جي القابضة” أن تتجه الحكومة إلى خفض دعم المحروقات اعتباراً من أبريل المقبل، مشيرة إلى أن العام الحالي قد يشهد زيادة تتراوح بين 25% و30% في أسعار الوقود، مما قد يؤثر على معدلات التضخم خلال الأشهر المقبلة.
وفقاً للسياسات المعلنة، ستخضع أسعار المحروقات بعد رفع الدعم لمراجعة دورية وفقا لآلية التسعير التلقائي التي تأخذ في الاعتبار تحركات أسعار النفط عالمياً وسعر الصرف. ويرى اقتصاديون أن هذه المنهجية قد تؤدي إلى تذبذب مستمر في الأسعار، إذ ستتأثر السوق المحلية بالتغيرات العالمية في أسعار الطاقة.
التأثيرات المتوقعة على الاقتصاد والمستهلكين
يحذر خبراء من أن إلغاء الدعم سيؤدي إلى ارتفاع مباشر في أسعار الوقود، مما سينعكس على تكاليف النقل والخدمات اللوجستية. ومع زيادة تكاليف التشغيل في العديد من القطاعات، من المتوقع أن تشهد أسعار السلع الأساسية، وخاصة المواد الغذائية ووسائل النقل، ارتفاعاً ملحوظاً، وهو ما قد يفاقم الضغوط التضخمية ويزيد الأعباء على المواطنين.
يرى خبراء اقتصاديون أن تنفيذ سياسة إنهاء دعم الوقود في مصر سيؤثر مباشرةً في أسعار النقل والسلع الاستهلاكية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم. وتعاني مصر من زيادة الطلب على الوقود مع قلة المعروض، وهو ما يفاقم الضغوط السعرية محلياً، لا سيما في ظل اضطرابات أسواق الطاقة العالمية بسبب الصراعات السياسية وخفض إنتاج النفط من قبل بعض الدول المنتجة.
في المقابل، أكد متخصصون أن قرار رفع الدعم عن البنزين والمحروقات بشكل عام في مصر، يمثل خطوة رئيسية نحو تقليل العجز المالي وتحقيق استدامة اقتصادية، إلا أنه في الوقت ذاته يطرح تحديات كبيرة تتعلق بتأثيراته على الأسعار، والتضخم، ومستوى معيشة المواطنين.
موقف الحكومة وإجراءات تخفيفية
شدد رئيس الوزراء المصري على أن الدولة مستمرة في دعم المواد البترولية وفق رؤية متوازنة، تضمن استقرار الأسواق وتخفيف الأعباء عن المواطنين، مع الحفاظ على مسار الإصلاح الاقتصادي. وأضاف أن الدولة مستمرة في تقديم دعم بيني للمنتجات البترولية ولن تتخلى عنه، مشيراً إلى أن أسطوانات البوتاجاز ستظل مدعومة بشكل كبير.
وأكد مدبولي أن الحكومة مستمرة في تقديم حزم دعم اجتماعي لتعويض الفئات الأكثر تأثراً، مشيراً إلى أن أسعار أسطوانة الغاز المنزلي ستظل مدعومة جزئياً، كما سيُقدم دعماً مالياً مباشراً للأسر الأكثر احتياجاً لتخفيف حدة تأثير رفع الأسعار.
مع اقتراب موعد التنفيذ، يشدد متخصصون على ضرورة اتخاذ تدابير موازية لحماية الفئات الأكثر تضرراً، مثل تقديم دعم نقدي مباشر أو ضبط أسعار الخدمات الأساسية، مؤكدين على أن نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرة الحكومة على تحقيق توازن بين الإصلاحات الاقتصادية وضمان عدم تحميل المواطن أعباء تفوق قدرته على التحمل.
تقييم صندوق النقد الدولي للإجراءات المصرية
في إطار مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي، كشف معيط أن مصر توصلت إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن الأهداف الرئيسية للبرنامج، مع إبداء الصندوق مرونة في بعض الملفات، خاصة فيما يتعلق بتأثير انخفاض إيرادات قناة السويس على الخزانة العامة. ونتيجة لذلك، تم تعديل مستهدف الفائض الأولي من 4.5% إلى 4%، لإتاحة مساحة مالية أكبر لدعم الفئات الأكثر احتياجاً وتعزيز الحماية الاجتماعية.
وأضاف معيط أن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها مصر منذ مارس 2024، ومنها السيطرة على التضخم وزيادة الاحتياطي النقدي إلى 47.4 مليار دولار، حظيت بتقدير مجلس المديرين التنفيذيين للصندوق، لافتاً إلى تفهم الصندوق طلب مصر تأجيل بعض الإجراءات ضمن البرنامج الإصلاحي.
استمرار الجدل والسيناريوهات المحتملة
لم يستبعد بعض الخبراء سيناريو تأجيل زيادة أسعار البنزين في إبريل المقبل، حيث يرى عدد من المحللين، أن هناك عوامل قد تدفع الحكومة إلى تأجيل أي قرارات بزيادة الأسعار، ومن أبرزها التراجع الحالي في الأسعار العالمية، إلى جانب التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
وأشار المحللون إلى أن زيادة الإنتاج المحلي وانخفاض فاتورة الواردات يمنحان الحكومة المصرية هامشاً لتأجيل زيادة أسعار الوقود خلال الفترة المقبلة، في ظل التزام الدولة بسداد مستحقات الشركاء الأجانب.
مع اقتراب موعد اجتماع لجنة التسعير، تبقى جميع السيناريوهات مطروحة، سواء بتثبيت الأسعار أو إقرار زيادة جديدة، وفقاً لما ستؤول إليه المعطيات الاقتصادية والسياسية خلال الفترة المقبلة. ويبقى التحدي الرئيسي للحكومة المصرية هو تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والاستقرار المعيشي للمواطنين، مع السؤال المطروح حول قدرة الدولة على إدارة هذه المرحلة دون أن يتحمل المواطنون أعباء إضافية تفوق قدرتهم على التحمل.
الاستنتاج والتوقعات المستقبلية
يأتي قرار إنهاء دعم المحروقات في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، الذي يهدف إلى تحرير أسعار المشتقات النفطية وفقاً لآلية تعتمد على الأسعار العالمية. ويعتبر هذا الإجراء جزءاً من استراتيجية أوسع لتقليص العجز في الموازنة العامة وتحقيق الاستدامة المالية.
ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة المصرية هو تنفيذ هذه الإصلاحات دون التسبب في صدمة اقتصادية كبيرة للمواطنين، خاصة في ظل الضغوط المعيشية الحالية. ويبقى السؤال المطروح حول مدى فعالية الإجراءات التخفيفية التي ستتخذها الحكومة، وقدرتها على حماية الفئات الأكثر تضرراً من تداعيات هذا القرار.