أعلن الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبلو دي سوزا يوم الخميس 13 مارس 2025 حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة في 18 مايو المقبل
أعلن الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبلو دي سوزا يوم الخميس 13 مارس 2025 حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة في 18 مايو المقبل، وذلك بعد يومين فقط من سقوط حكومة يمين الوسط برئاسة لويس مونتينيجرو في تصويت على حجب الثقة داخل البرلمان. وتعد هذه الانتخابات هي الثالثة التي تشهدها البرتغال في غضون ما يزيد قليلاً عن ثلاث سنوات، مما يعكس عدم الاستقرار السياسي المتزايد في البلاد. وجاء قرار الرئيس بعد مشاورات أجراها مع الأحزاب السياسية الرئيسية ومجلس الدولة الاستشاري، في حين ستستمر الحكومة الحالية في تصريف الأعمال حتى تشكيل برلمان جديد.
تفاصيل الأزمة السياسية الحالية وسقوط حكومة مونتينيجرو
أطاح البرلمان البرتغالي يوم الثلاثاء 11 مارس 2025 بحكومة رئيس الوزراء لويس مونتينيجرو بعد أقل من عام على توليها السلطة، حيث صوت النواب ضد اقتراح الثقة بالحكومة بأغلبية 142 صوتاً مقابل 88 صوتاً، دون امتناع أي عضو عن التصويت. وتضم حكومة الأقلية المنتمية ليمين الوسط الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الشعب الديمقراطي، حيث كان لديها 80 مقعداً فقط من أصل 230 مقعداً في البرلمان.
ويعود سبب طرح مونتينيجرو لتصويت الثقة في الأسبوع الماضي إلى تهديدات المعارضة بفتح تحقيق برلماني حول شركة استشارات حماية البيانات التابعة لعائلته، حيث ادعت المعارضة أن عقود الشركة مع القطاع الخاص قد أفادته شخصياً بصفته رئيساً للوزراء، مما أثار شكوكاً حول وجود تضارب في المصالح. وتتهم المعارضة رئيس الحكومة باستغلال المصالح، إذ يقال إن شركة الاستشارات والعقارات “سبينومفيفا”، التي تأسست عام 2021، استفادت من منصبه لتوقيع عقود مع شركات خاصة.
في المقابل، نفى مونتينيجرو ارتكاب أي مخالفات قانونية أو أخلاقية، وأكد أنه لم يستفد شخصياً من تلك العقود. كما أوضح أن الادعاء العام ينظر في بعض المزاعم، لكنه لم يفتح أي تحقيق رسمي حتى الآن. وخلال مناقشة التصويت، وجه مونتينيجرو عدة نداءات إلى النواب الاشتراكيين لإيجاد حل لا يجر البلاد إلى الانتخابات، لكن الحزب الاشتراكي لم يستجب لنداءاته.
سياق الانتخابات المبكرة السابقة والتوتر السياسي المتزايد
ليست هذه هي المرة الأولى التي يحل فيها الرئيس البرتغالي البرلمان ويدعو لانتخابات مبكرة في السنوات الأخيرة. ففي 9 نوفمبر 2023، قرر الرئيس مارسيلو ريبيلو دي سوسا حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 10 مارس 2024، وذلك بعد استقالة رئيس الوزراء الاشتراكي أنطونيو كوستا على خلفية قضية فساد.. وقد استقال كوستا، الذي تولى رئاسة الوزراء منذ عام 2015، بعد أن أصبح محل تحقيق في قضية تتعلق بشبهات “اختلاس وفساد من جانب حاملي مناصب سياسية واستغلال النفوذ” في إطار منح تراخيص لاستكشاف الليثيوم وإنتاج الهيدروجين.
في تلك الأزمة، رفض الرئيس اقتراح الحزب الاشتراكي بالاستمرار في الحكم برئيس وزراء جديد، واختار تقديم موعد الانتخابات تلبية لطلب أحزاب المعارضة. وقال الرئيس في ذلك الوقت إن هذا الخيار لن يكون مثالياً لأن رئيس الوزراء “لن يحصل على الشرعية من خلال التصويت الشعبي”.
وفي عام 2021، سبق للرئيس البرتغالي أن حل البرلمان أيضاً بعد رفض البرلمان مشروع حكومة الأقلية الاشتراكية للميزانية العامة للدولة. وبذلك، تكون البرتغال قد شهدت ثلاث انتخابات مبكرة خلال فترة زمنية وجيزة، مما يعكس عدم الاستقرار السياسي المتزايد في البلاد.
التداعيات السياسية والاقتصادية للأزمة
تشير المنصة الإعلامية “يوراكتيف” المتخصصة في الشؤون الأوروبية إلى أن سقوط حكومة مونتينيجرو قد يؤدي إلى دخول البرتغال في حالة من عدم اليقين السياسي قد تمتد لعدة أشهر أو سنوات.
وتأتي هذه الأزمة في وقت تعتزم فيه البرتغال استثمار أكثر من 22 مليار يورو (24 مليار دولار) في صناديق تنمية الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا تحديات كبيرة في مجالي الأمن والاقتصاد.
رغم الأزمة، حصل مونتينيجرو على دعم حزبه “الديمقراطي الاجتماعي”، الذي أعلن أنه سيواصل دعمه في الانتخابات المقبلة، وحمّل المعارضة مسؤولية الأزمة السياسية التي قادت البلاد إلى هذا الوضع.
ومع ذلك، يرى بعض المحللين السياسيين أن مونتينيجرو هو المسؤول الرئيسي عن هذه الأزمة، حيث كان بإمكانه تجنب التصويت على الثقة والبحث عن حلول سياسية أخرى. وتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع ثقة معظم الناخبين به، مما يطرح تساؤلات حول فرصه في الفوز بالانتخابات المقبلة.
التقسيم السياسي واتجاهات التصويت في البرلمان
كشفت جلسة التصويت على الثقة عن انقسامات سياسية عميقة في البرلمان البرتغالي. فقد صوت ضد اقتراح الثقة بالحكومة كل من الحزب الاشتراكي، وحزب تشيجا اليميني المتطرف، وكتلة اليسار، وحزب الشعب التقدمي، وحزب الحرية، وحزب العمل الوطني، ما أدى إلى سقوط الحكومة.
أما الأحزاب التي صوتت لصالح الحكومة فهي حزب المبادرة الليبرالية، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الديمقراطيين الاجتماعيين – الشعب، اللذان يدعمان السلطة التنفيذية البرتغالية. هذا التقسيم الحاد يعكس الاستقطاب السياسي الذي تعاني منه البرتغال حالياً، ويؤشر على صعوبة تشكيل حكومة مستقرة بعد الانتخابات المقبلة.
الاستنتاجات والتوقعات المستقبلية
يأتي قرار الرئيس البرتغالي بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة في 18 مايو 2025 كنتيجة مباشرة لفشل حكومة الأقلية برئاسة لويس مونتينيجرو في الحصول على ثقة البرلمان. وتعكس هذه الأزمة السياسية المتتالية التي تشهدها البرتغال خلال السنوات الأخيرة حالة عدم استقرار سياسي مزمنة قد تستمر لفترة أطول.
من المرجح أن تكون الانتخابات المقبلة محتدمة، في ظل استطلاعات رأي تشير إلى تراجع شعبية رئيس الوزراء المستقيل، وصعود قوى سياسية يمينية متطرفة مثل حزب “تشيجا”. كما أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها البرتغال، وخاصة في ضوء خطط استثمار أموال الاتحاد الأوروبي، ستلقي بظلالها على الحملات الانتخابية وعلى خيارات الناخبين.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن البرتغال مقبلة على فترة من عدم اليقين السياسي قد تستمر لما بعد الانتخابات المبكرة، خاصة إذا أفرزت النتائج برلماناً منقسماً مجدداً يصعب معه تشكيل حكومة مستقرة. وسيكون على القوى السياسية البرتغالية إيجاد صيغة توافقية تضمن استقراراً سياسياً أطول في المستقبل القريب.