الجزائر: بوعلام صنصال يواجه تهم “التخابر مع جهات أجنبية” أمام المحكمة
يواجه الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال اتهامات رسمية بالتخابر مع جهات أجنبية، في قضية أثارت جدلاً واسعاً على المستويين المحلي والدولي. وقد مثل صنصال أمام قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة بمحكمة الدار البيضاء يوم الخميس 13 مارس 2025، لمواجهة اتهامات خطيرة تتعلق بالخيانة والتخابر مع أطراف أجنبية، في تطور جديد لقضية بدأت منذ عدة أشهر. وتتضمن الاتهامات الموجهة لصنصال أنه كان ينقل أخباراً ومعلومات إلى السفير الفرنسي بالجزائر في وقت سابق، في ما اعتبرته السلطات الجزائرية خيانة للمصالح الوطنية وتهديداً للأمن القومي.
خلفية القضية وظروف اعتقال صنصال
تعود بداية قضية بوعلام صنصال إلى منتصف نوفمبر 2024، حين ألقت السلطات الجزائرية القبض عليه لدى وصوله إلى مطار هواري بومدين الدولي في العاصمة الجزائرية. وقد جاء اعتقاله بعد تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام فرنسية واعتبرتها السلطات الجزائرية مثيرة للجدل ومشككة في تاريخ الأمة الجزائرية، وتحمل مساساً بالوحدة الوطنية. وحسب المصادر، فقد أمر قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة لدى محكمة الدار البيضاء بالعاصمة الجزائرية بإيداع صنصال رهن الحبس المؤقت على ذمة التحقيق.
وتوضح المصادر أن اعتقال صنصال جاء عقب تصريحاته التي ربط فيها بين الأزمات المتوالية الحاصلة بين المغرب والجزائر، وبين قيام الاستعمار الفرنسي باقتطاع أجزاء من أراضي شرق المملكة وضمها إلى الأراضي الجزائرية قبل تأسيس الدولة هناك إثر الاستقلال سنة 1962. ومن بين ما صرح به صنصال أن مناطق مثل تلمسان ووهران وبسكرة كانت في الأصل جزءاً من المغرب، قبل أن تضمها فرنسا إلى الجزائر خلال حقبتها الاستعمارية، مشيراً إلى أن الغرب الجزائري كان تاريخياً تابعاً للإمبراطورية المغربية.
كما ادعى صنصال أن الجزائر طلبت دعم المغرب في نضالها من أجل الاستقلال عام 1954، مقابل وعد بإعادة الأراضي المقتطعة، وأن الجزائر نكثت بوعدها بعد الاستقلال، ما أدى إلى اندلاع حرب الرمال بين البلدين عام 1963. وهي تصريحات اعتبرتها الجزائر مساساً بالأمن القومي وأنها تندرج تحت المادة 87 من قانون العقوبات، والتي تنص على أن “كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، هو فعل إرهابي أو تخريبي”.
القضية القانونية والتهم الموجهة
وجهت السلطات الجزائرية لصنصال تهم عديدة، أبرزها جناية التخابر مع جهات أجنبية، حيث تشير المصادر إلى أن الكاتب متهم بنقل معلومات وأخبار للسفير الفرنسي بالجزائر. وهي تهمة خطيرة قد تؤدي إلى عقوبات مشددة، وفق ما صرح به محامي صنصال الفرنسي، فرانسوا زيمراي، الذي وصف اتهامات الجزائر بأنها “خطيرة جداً”.
وحسب التقارير، فإن الاتهامات الموجهة لصنصال تتمحور حول ثلاثة محاور أساسية: الأول يتعلق بالتخابر مع جهات أجنبية ونقل معلومات وأخبار للسفير الفرنسي، والثاني يرتبط بتصريحاته التي اعتبرت مساساً بالوحدة الوطنية وتشكيكاً في تاريخ الجزائر، أما الثالث فيتعلق بما وصفته السلطات الجزائرية بتزييف الحقائق التاريخية والإساءة إلى الأمة الجزائرية.
ردود الفعل المحلية والدولية
أثار توقيف صنصال ردود فعل محلية ودولية واسعة، وأدانت عدة منظمات حقوقية اعتقاله، مطالبة السلطات الجزائرية بالإفراج الفوري عنه. كما انتقد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو اعتقال صنصال، واصفاً الخطوة بـ”غير المبررة وغير المقبولة”، مؤكداً في تصريح إعلامي أن الاتهامات الموجهة لصنصال تفتقر إلى المصداقية ولا تستند إلى أدلة تُبرر سجن الكاتب.
في المقابل، دافعت وكالة الأنباء الجزائرية عن قرار اعتقال صنصال، واصفة إياه بـ”محترف التزييف الذي وقع في شر أعماله”، كما أكدت أن “الضجة الكوميدية التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة بوعلام صنصال، تعدّ دليلاً إضافياً على وجود تيار “حاقد” ضد الجزائر، وهو لوبي لا يفوّت أيّ فرصة للتشكيك في السيادة الجزائرية”.
وفي سياق متصل، لاحظت وكالة الأنباء الجزائرية أن “توقيف بوعلام صنصال، المثقف المزعوم المبجل من قبل اليمين المتطرف الفرنسي، أدى إلى إيقاظ محترفي السخط”، مشيرة إلى أسماء شخصيات فرنسية ومغربية وصفتها بأنها “معادية للجزائر ومؤيّدة للصهيونية” هبّت للدفاع عن صنصال، من بينهم إريك زمور ومارين لوبان وفاليري بيكراس والطاهر بن جلون.
نبذة عن بوعلام صنصال وإنتاجه الأدبي
ولد بوعلام صنصال لأم جزائرية وأب مغربي يوم 15 أبريل/نيسان عام 1949، وتلقى تعليمه في الجزائر، وعمل فيها قبل أن يسافر إلى فرنسا ليكمل تعليمه العالي. وبحسب وسائل إعلام جزائرية، عمل صنصال في وزارتي التجارة والصناعة في الجزائر، حتى وصل إلى منصب مدير عام الصناعة.
بدأت رحلة صنصال مع الكتابة مطلع التسعينيات، وأصدر أول عمل أدبي له عام 1999 بعنوان “قسم البرابرة”. ومن أشهر رواياته “قرية الألماني”، التي تتحدث عن قصة شابين جزائريين يعيشان في فرنسا، ويتحدثان عن ذكرياتهما ومرحلة الاغتراب. وقد ركز صنصال في رواياته على مواضيع الاستبداد والعنف وانتهاك حقوق الإنسان، كما انتقد ما وصفه بالتطرف الديني والجمود الفكري والسياسي في الجزائر.
تداعيات القضية على العلاقات الجزائرية-الفرنسية
تأتي قضية بوعلام صنصال في سياق توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا، خاصة في ظل الخلافات المتعلقة بالذاكرة الاستعمارية والقضايا التاريخية والسياسية الحساسة. ويرى مراقبون أن الطريقة التي تعاملت بها السلطات الجزائرية مع قضية صنصال تعكس حساسية مفرطة تجاه أي انتقادات أو آراء تمس الرواية الرسمية لتاريخ البلاد أو وحدتها الترابية.
ويثير اتهام صنصال بالتخابر مع السفير الفرنسي تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، خاصة مع الانتقادات الفرنسية الرسمية لاعتقاله. كما أن تورط اسم السفير الفرنسي في القضية قد يؤدي إلى توترات دبلوماسية إضافية بين البلدين، في وقت تسعى فيه باريس والجزائر إلى إعادة بناء علاقات متوازنة تتجاوز إرث الماضي الاستعماري.
ومن المتوقع أن تستمر المتابعة الدولية لقضية صنصال، خاصة من قبل المنظمات الحقوقية والدول الغربية، التي ترى في اعتقاله مؤشراً على تراجع حرية التعبير والرأي في الجزائر. وفي المقابل، من المرجح أن تواصل السلطات الجزائرية إصرارها على أن القضية تتعلق بالأمن القومي والسيادة الوطنية، وليس بحرية الرأي والتعبير.
الآفاق المستقبلية
تبقى قضية بوعلام صنصال محل متابعة واهتمام على الصعيدين المحلي والدولي، خاصة مع استمرار محاكمته وما قد تسفر عنه من قرارات قضائية. ويظل المشهد مفتوحاً على احتمالات متعددة، بين تشديد الاتهامات وإصدار حكم قاسٍ بحقه، أو تخفيف التهم والاكتفاء بمدة اعتقاله السابقة للمحاكمة، أو حتى إطلاق سراحه استجابة للضغوط الدولية.
وتثير هذه القضية تساؤلات عميقة حول حدود حرية التعبير والنقد في الجزائر، وعلاقة المثقفين بالسلطة، وآليات التعامل مع الاختلاف في الرأي والتفسيرات التاريخية. كما أنها تسلط الضوء على الإشكاليات المرتبطة بالمواطنين مزدوجي الجنسية، وما قد يواجهونه من تحديات قانونية وسياسية في بلدانهم الأصلية.
وفي ظل المعطيات الحالية، تبدو قضية صنصال كاختبار لمدى قدرة المنظومة القضائية الجزائرية على التعامل مع قضايا الرأي العام والحريات الفكرية بطريقة متوازنة تراعي المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تحافظ على المصالح الوطنية والأمن القومي للبلاد.