عبر وفد من مشايخ طائفة الموحدين الدروز السوريين إلى إسرائيل صباح يوم الجمعة 14 مارس 2025، في زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها منذ خمسة عقود. وتأتي هذه الخطوة غير المسبوقة في ظل أجواء من التوتر المتصاعد بين البلدين، لتعكس عمق الروابط الروحية والاجتماعية التي تجمع أبناء الطائفة على جانبي الحدود. وقد حظي الوفد، الذي ضم نحو 100 شخصية دينية قادمة من مناطق جبل الشيخ في جنوب شرقي سوريا، باستقبال حافل على أنغام الأناشيد الدينية التقليدية، مما يؤكد على الأهمية الاستثنائية لهذا الحدث في تاريخ العلاقات الدرزية عبر الحدود السياسية في المنطقة.
تفاصيل الزيارة وأهدافها الدينية
أكدت مصادر محلية في محافظة القنيطرة أن الوفد الزائر تألف من نحو مئة شخص من الدروز المقيمين في مناطق جبل الشيخ التابعة للقنيطرة وريف دمشق، دون أن يضم أي ممثلين عن محافظة السويداء الجنوبية.
وقد عبر الوفد إلى داخل الجولان السوري المحتل، حيث دخلت عدة حافلات إلى موقع عين التينة، ثم نقلتهم إلى قرية مجدل شمس في الجولان، بدعوة من الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل1. وتعتبر هذه الزيارة الأولى لإسرائيل منذ نحو 50 عاماً، حين جاءت مجموعة من مشايخ الدروز السوريين مباشرة بعد حرب عام 19734.
الهدف الأساسي للزيارة، وفقاً للمصادر، هو أداء زيارة دينية خاصة إلى مقام النبي شعيب في الجليل الأدنى غربي طبريا، بالإضافة إلى عدد من الأضرحة والمزارات الدينية الأخرى التي تحظى بمكانة خاصة لدى أبناء الطائفة15. وسيزور الشيوخ، ومعظمهم من قرى درزية عند سفح جبل الشيخ في سوريا، هذه الأضرحة التي تمثل جزءاً أساسياً من التراث الديني والروحي للطائفة الدرزية في المنطقة4.
يأتي هذا الحدث في ظروف استثنائية تشهدها المنطقة، حيث يمثل انفتاحاً محدوداً في العلاقات عبر الحدود بعد سنوات طويلة من القطيعة التي فرضتها الصراعات السياسية والعسكرية. وقد أتاحت هذه الزيارة الفرصة للتواصل المباشر بين أبناء الطائفة الواحدة الذين فرقتهم الحدود لعقود، مما يعكس قوة الروابط الدينية والاجتماعية التي تتجاوز الحواجز السياسية.
استقبال حافل وأناشيد تقليدية
تداول نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد من استقبال الوفد السوري، حيث رددت الأناشيد والتراحيب التقليدية التي تحمل طابعاً اجتماعياً ودينياً مميزاً للطائفة35. ومن بين هذه الأناشيد برزت أنشودة “طلع البدر علينا”، وهي النشيد الذي استقبل به الأنصار النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند هجرته من مكة إلى المدينة المنورة، مما يعكس الارتباط الديني والثقافي العميق للطائفة بالتراث الإسلامي.
عكست مشاهد الاستقبال الحماس الكبير والفرحة العارمة لدى الدروز على جانبي الحدود بهذا اللقاء التاريخي، وقد تميزت بالحفاوة البالغة والترحاب الحار. تميزت الأجواء بالطابع الاحتفالي الذي يليق بحدث بهذه الأهمية، حيث تبادل المشاركون التحيات والعناق في مشهد مؤثر يعبر عن عمق العلاقات الإنسانية التي تجمع أبناء الطائفة رغم الظروف السياسية المعقدة في المنطقة.
وعبرت هذه المظاهر الاحتفالية عن الفرحة الكبيرة التي غمرت أبناء الطائفة بهذا اللقاء الذي طال انتظاره، والذي يمثل فرصة للتواصل المباشر بين الأقارب والأصدقاء الذين فرقتهم الحدود والصراعات السياسية على مدى عقود. وقد حرص المستقبلون على إظهار كرم الضيافة التقليدي وإبراز مظاهر الاحتفاء بالضيوف القادمين من سوريا في تجسيد حي للتواصل الثقافي والاجتماعي بين أبناء الطائفة الواحدة.
تصريحات ومواقف رسمية حول الزيارة
في تصريحات خاصة لوكالة “رويترز”، أعرب الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، عن سعادته البالغة بهذه الزيارة، معتبراً إياها “عيداً تاريخياً للطائفة الدرزية بالكامل بعد غياب دام عقوداً”.
وأضاف من منزله في جولس بشمال إسرائيل: “الطائفة الدرزية بالكامل تعتبر غدا عيدا تاريخيا بعد غياب دام عقودا” وفي موقف لافت، نفى الشيخ طريف الحاجة إلى تدخل إسرائيل لحماية الدروز في سوريا، قائلاً: “أعتقد أن الدروز في سوريا لا يحتاجون إلى حماية من إسرائيل، ونحن نأمل أن تشمل الحكومة السورية الجديدة جميع الأقليات في البلاد، بما في ذلك الدروز والمسيحيين والأكراد والبدو والإيزيديين والعلويين، وأن تكون سوريا لكل أهلها وسكانها”
وأضاف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل أن “أبناء الطائفة الدرزية في سوريا هم سوريون ويشرفون بذلك”
في المقابل، أصدرت مشيخة العقل الدرزية في لبنان بياناً حذرت فيه من المشاركة في هذه الزيارة، مشددة على “مخاطر الانجراف العاطفي وتبعات المشاركة في هذه المناسبة وغيرها، لما يترتب على ذلك من مسؤولية قانونية على كل من يدخل الأراضي المحتلة. كما أكدت على “المحاسبة الدينية ورفع الغطاء بالكامل عن كل مخالف لتلك التوجهات”
يعكس هذا الموقف التباين في وجهات النظر داخل الطائفة الدرزية حول التعامل مع إسرائيل، خاصة في لبنان الذي يتبنى موقفاً رسمياً رافضاً للتطبيع.
في المقابل، أصدرت مشيخة العقل الدرزية في لبنان بياناً حذرت فيه من المشاركة في هذه الزيارة، مشددة على “مخاطر الانجراف العاطفي وتبعات المشاركة في هذه المناسبة وغيرها، لما يترتب على ذلك من مسؤولية قانونية على كل من يدخل الأراضي المحتلة”
كما أكدت على “المحاسبة الدينية ورفع الغطاء بالكامل عن كل مخالف لتلك التوجهات”
يعكس هذا الموقف التباين في وجهات النظر داخل الطائفة الدرزية حول التعامل مع إسرائيل، خاصة في لبنان الذي يتبنى موقفاً رسمياً رافضاً للتطبيع.
سياق تاريخي وعلاقات عابرة للحدود
الدروز، كأقلية عربية تمارس شعائر دينية مشتقة في الأصل من الإسلام، ينتشرون في لبنان وسوريا وإسرائيل وهضبة الجولان المحتلة، ولهم مكانة مميزة في مزيج الأديان والثقافات بالمنطقة4. ويعيش نحو 24 ألف درزي في هضبة الجولان المحتلة، التي استولت عليها إسرائيل من سوريا في حرب عام 1967 وضمتها بشكل أحادي عام 1981، وهو ما لم تعترف به معظم الدول ولا الأمم المتحدة2.
وقبل اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، كانت وفود المشايخ من الطائفة الدرزية تصل إلى الأراضي السورية بصورة متكررة عبر معبر القنيطرة من الجولان السوري المحتل، بتنسيق من قوات الأمم المتحدة وسوريا وإسرائيل3. وكانت تلك الزيارات تعبر عن التواصل الروحي والاجتماعي والعائلي المستمر بين أبناء الطائفة على جانبي الحدود، حيث كانت تضم كبار مشايخ الطائفة في تعبير عن الروابط الوثيقة التي تجمع بينهم.
كما شهدت تلك الفترة العديد من الأعراس وحفلات الزفاف التي كانت تتم بإرسال العروس عبر الحدود من سوريا إلى الجولان المحتل وبالعكس، بعد أن يتم اللقاء والتعارف بين العروسين في دولة مجاورة، غالباً ما كانت المملكة الأردنية3. تعكس هذه الممارسات العمق الإنساني للعلاقات العائلية التي تتجاوز الحدود السياسية، وتظهر كيف استطاعت الطائفة الحفاظ على تماسكها الاجتماعي رغم التحديات السياسية والجغرافية.